25-فبراير-2021

خلاف بشأن العقوبات وفعاليتها (Sputnik)

توصّلت الدول الأعضاء في الكتلة الأوروبية لاتفاق يقضي بفرض عقوبات جديدة على مسؤولين روس لضلوعهم في قضية اعتقال المعارض الروسي البارز أليكسي نافالني أثناء عودته من برلين بعد انتهاء فترة علاجه من الهجوم السام الذي تعرض له في سيبيريا في آب/أغسطس الماضي، في خطوة وصفتها وزراة الخارجية الروسية بأنها "خارج حدود أي منطق"، وذلك بعد تحذيرات سابقة من أنها سترد بالمثل على أي عقوبات جديدة يفرضها المسؤولون الغربيون.

العقوبات التي تهدف الكتلة الأوروبية لفرضها على المسؤولين الروس هي الأولى من نوعها في إطار السياسة الجديدة التي بدأت تنتهجها الدول الغربية لمعاقبة منتهكي حقوق الإنسان

إجراءات تقييدية اتجاه أربعة مسؤولين روس

في قرار يدل على توحيد الموقف الأوروبي من الأزمة الدبلوماسية المتصاعدة مع روسيا، أكد الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن الدول الغربية توصّلت لاتفاق سياسي يقضي بفرض "إجراءات تقييدية" اتجاه المسؤولين الروس الذين كان لهم دور بارز في قضية اعتقال نافالني، معربًا عن أمله بأن تنتهي الكتلة الأوروبية من صياغة العقوبات في غضون أسبوع.

اقرأ/ي أيضًا: عودة التنسيق الأمريكي الأوروبي.. ماذا في الجعبة من جديد؟

وأشار بوريل في تصريحاته إلى أن العقوبات الجديدة لن تستهدف النخبة الأوليغارشية المقربة من الدائرة الصغرى للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكنه أشار إلى أن الدول الغربية باتت تتفق على أن روسيا "أصبحت (دولة) استبدادية، وابتعدت عن الاتحاد الأوروبي"، على أن تشمل العقوبات التي تستهدف المسؤولين الروس تجميد أصولهم المالية وحظر دخولهم الدول الغربية.

والعقوبات التي تهدف الكتلة الأوروبية لفرضها على المسؤولين الروس هي الأولى من نوعها في إطار السياسة الجديدة التي بدأت تنتهجها الدول الغربية لمعاقبة منتهكي حقوق الإنسان، بعدما أثار اعتقال نافالني موجةً من الاحتجاجات الشعبية على مستوى الاتحاد الروسي، قوبلت بحملة قمع واسعة النطاق من قبل السلطات الروسية خلال الأسابيع الماضية، وأسفرت وفقًا للمنظمات الحقوقية عن اعتقال قرابة 11 ألف شخص حكم على عليهم إما بغرامات مالية أو بالسجن لمدة تتراوح ما بين 7 حتى 15 يومًا.

وبحسب ما نقلت تقارير صحفية مختلفة فإن العقوبات من المتوقع أن تستهدف المسؤولين الروس الذين شاركوا في قضية اعتقال نافالني الذي قضت محكمة روسية بتنفيذه ما تبقى من الحكم الصادر بحقه بالحبس لمدة ثلاثة أعوام ونصف في عام 2014، مع احتساب فترة الإقامة الجبرية من مدة الحكم، وتضمنت لائحة المسؤولين الذين قد تستهدفهم العقوبات اثنين من مسؤولي الادعاء العام، رئيس الحرس الوطني الروسي، ورئيس مصلحة السجون الروسية.

موسكو ترد على القرار بأنه "خارج حدود المنطق"

كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد حذر مؤخرًا من أن موسكو على استعداد لقطع علاقتها مع الدول الغربية. الدبلوماسي الروسي أطلق تصريحاته خلال حوار مع الإعلامي فلاديمير سولوفيوف في معرض إجابته على سؤال مرتبط باستعداد موسكو للإقدام على مثل هذه الخطوة، إذ قال في رده: "ننطلق من أننا مستعدون لذلك، إذا رأينا مرة أخرى، كما كان قد حصل مرارًا، أن عقوبات تفرض في مجالات محددة تشكل خطرًا على اقتصادنا وخاصة قطاعاته الأكثر حساسية".

لكن الموقف الروسي من قرار الكتلة الأوروبية لم يكن متناغمًا مع تصريحات المسؤولين الروس السابقة، رغم موقف موسكو المتشدد من الدول الغربية بعدما أقدمت على طرد ثلاثة دبلوماسيين غربيين بالتزامن مع زيارة بوريل للكرملين قبل أكثر من أسبوعين، إذ وصفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قرار الكتلة الأوروبية بأنه "خارج حدود أي منطق"، مضيفة بأنه "عندما يغيب المنطق فإن ذلك يعني أننا نتعامل مع قصة سخيفة تم التخطيط لها مسبقًا مدعومة بحملة إعلامية".

تصريح يتوافق نسبيًا مع أول رد للخارجية الروسية على الكتلة الأوروبية عندما عبّرت عن "خيبة أملها" من القرار، مشيرةً إلى أنه "تم اتخاذ هذه الخطوة (العقوبات) الخاطئة الجديدة من قبل مجلس الاتحاد الأوروبي في ظروف التأجيج غير المسبوق للخلفية الإعلامية المناهضة لروسيا"، وأضافت الخارجية الروسية في بيانها بأن "مثل هذه التصرفات تعتبر في العلاقات الدولية تدخًلا في الشؤون الداخلية لدولة أخرى".

حلفاء نافالني ينتقدون عدم إدراج  الطبقة الأوليغارشية ضمن العقوبات

قرار الكتلة الأوروبية قوبل باستياء من قبل نشطاء المجتمع المدني وحقوق الإنسان لتجنبه فرض عقوبات جديدة على الطبقة الأوليغارشية المقربة من الرئيس الروسي، مشيرين إلى أنها كانت دون توقعاتهم، وبالأخص أنها تجنبت فرض عقوبات على الشخصيات التي تستثمر أجزاء كبيرة من ثروتها في الدول الغربية، فيما يقول الدبلوماسيون الغربيون إنهم تجنبوا فرض عقوبات على الأوليغارشية الروسية خوفًا من العقبات القانونية والطعون القضائية التي يمكن أن تواجههم.

ويتفق مدير مركز القيم الأوروبية في براغ جاكوب جاندا مع النشطاء المدنيين والحقوقيين، بعدما وصف في تغريدة عبر حسابه الرسمي على منصة تويتر للتواصل الاجتماعي رد الكتلة الأوروبية على محاولة اغتيال نافالني بسم الأعصاب نوفيتشوك الذي يعود للحقبة السوفيتية بأنه "مزحة"، مضيفًا بصيغة تهكمية بأن بوتين "يضحك" على الرد الغربي.

والواضح أن العقوبات الغربية لا تتسق مع توقعات فريق نافالني الذين قللوا من حجم العقوبات بصيغتها الحالية، فقد أوضح مدير مكتب نافالني، ليونيد فولكوف، في حديث لوكالة رويترز البريطانية أن "بوتين ديكتاتور لكنه عقلاني تمامًا"، مضيفًا بأنه "إذا أصبحت المكاسب من وجود نافالني في السجن أقل من الآثار السلبية سيغير قراره"، ومضى في القول إنه "إذا أصبح العديد من أقرب حلفاء بوتين غير راضين فقد يكون ذلك خطيرًا عليه، وربما يدفعه إلى اتخاذ قرار بتغيير موقفه.. وربما لا".

وفي تصريحات منفصلة أكد فولكوف أن حلفاء نافالني سيدعمون أي توجه أوروبي يفضي لفرض عقوبات على المسؤولين في حزب روسيا الموحدة الحاكم، بالإضافة لأعضاء لجنة الانتخابات المركزية الروسية، قبل أن يضيف معتبرًا أن التركيز على المسؤولين الذين وردت أسماؤهم في قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد يكون أكثر منطقية، لافتًا إلى أن قرار الكتلة الأوروبية سيساعد المجتمع المدني الروسي مستقبلًا على منع القضاة من إصدار أحكام اعتقال لمدة 15 يومًا ضد النشطاء الذين يشاركون في التظاهرات التي تنظم على مستوى الاتحاد الروسي.

الدول الغربية توحد موقفها اتجاه روسيا  

لا شك بأن التوجهات الأوروبية لاستخدام نهج العقوبات مجددًا بشأن قضية نافالني يرتبط بحادثة طرد موسكو لثلاثة دبلوماسيين أوروبيين (ألمانيا، بولندا، والسويد) لاتهامهم بالمشاركة في الاحتجاجات الروسية التي تدعم الإفراج عن نافالني، وإعلانها طرد الدبلوماسيين خلال الزيارة التي كان يجريها بوريل لموسكو – رغم معارضة غربية – بغرض الضغط على موسكو من أجل الإفراج عن نافالني، قبل أن يقرأ عن حادثة الطرد عبر منصات التواصل الاجتماعي. 

وعلى الرغم من انقسام الدول الغربية حول نهج الكتلة الأوروبية اتجاه موسكو، فإن التقارير تشير إلى أن سلوك موسكو الأخير المرتبط بقضية طرد الدبلوماسيين الغربيين وحّد الموقف الأوروبي، بشكل علني على أقل تقدير، في إشارة إلى رفضهم محاولات موسكو زعزعة استقرار الكتلة الأوروبية مما قد يؤدي لانقسامها، فضلًا عن وجود العديد من القضايا التي تفرض على الدول الغربية عدم قطع العلاقات بشكل مباشر مع موسكو.

إذ تعتمد الكتلة الغربية على الغاز الطبيعي الروسي بشكل أساسي كمصدر للطاقة، فضلًا عن وجود العديد من النزاعات الدولية والقضايا الرئيسية التي تلعب موسكو دورًا بارزًا فيها، بما في ذلك الاتفاق النووي الإيراني الذي تريد إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن العودة إليه وفقًا لشروط محددة، والدور الروسي البارز في الصراعات العسكرية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، فضلًا عن مشروع خط أنابيب السيل الشمال -2 (نوردستريم -2) الذي يدفع بعدد من الدول الغربية للتردد في الدخول في أي عقوبات مشددة مرتبطة بقضية نافالني.

ويبرز في هذا الشأن موقف برلين، حيث أشار وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس إلى أن الكتلة الأوروبية تحتاج روسيا "لحل العديد من النزاعات الدولية"، مضيفًا بأن السؤال الذي يجب على الأوربيين التعامل معه "كيف يمكن الحفاظ على حوار بنّاء مع روسيا، على الرغم من أن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا وصلت بالتأكيد إلى نقطة منخفضة؟".

ويعكس تصريح ماس حجم الانقسام الأوروبي إذا ما نظرنا إلى تصريحات وزير الخارجية البولندي زبيغنيو راو التي وصف فيها تصرفات الكرملين الأخيرة بأنها دليل على عدم رغبتها بالتعاون مع الكتلة الأوروبية على "أساس حسن نية"، مضيفًا أن الانقسامات التي يشهدها الاتحاد الأوروبي بشأن روسيا في الوقت الراهن "إعلان عن ضعف أوروبي" اتجاه عودة موسكو للساحة الدولية.

وهو تصريح جدد الوزير البولندي إعادته في مقالة نشرها موقع بوليتيكو الأمريكي يحذر فيها بالاشتراك مع نظيره الأوكراني دميترو كوليبا من أن روسيا "تقترب بشكل خطير" من إنجاز مشروع السيل الشمالي -2، واعتبر الوزيران أنه إذا نجحت موسكو في ذلك فإنه سيجعل كييف تقتنع بأن الغرب لم يكترث لأمنها، موجهين دعوة لإدارة بايدن تطلب "استخدام كافة السبل المتاحة للحيلولة دون إنجاز المشروع".

الموقف الأمريكي من العقوبات الغربية على موسكو

كانت إدارة بايدن قد أعربت عن خشيتها من أن مشروع السيل الشمالي -2 سيجعل الدول الغربية أكثر اعتمادًا على الطاقة من روسيا، وهو الأمر الذي سيساعد على عزل أوكرانيا عن الدول الغربية، مما دفع بإدارة بايدن بتحديده كـ"مصدر قلق خاص" يهدد أمن أوكرانيا التي تتشارك الحدود البرية مع روسيا. فقد حثت إدارة بايدن الحكومات الغربية الحليفة من تجنب إرسال إشارات مختلطة لروسيا عبر محاولاتها توسيع العلاقات الاقتصادية مع موسكو، مما يقوض الأثر الاقتصادي والرمزية السياسية للعقوبات.

ونقلت شبكة CNN الأمريكية أن إدارة بايدن تستعد لفرض عقوبات جديدة على موسكو خلال الأسابيع القادمة، ووفقًا لمسؤولين في الإدارة الأمريكية فإن العقوبات سببها محاولة تسميم نافالني واعتقاله، بالإضافة لحادثة تمكن متسللين روس من اختراق نظم شركة سولارويندز العام الماضي، والتي تخللها اختراق لتسع هيئات فيدرالية وما لا يقل عن مئة شركة أيضًا، حيثُ لا تزال الشركات والهيئات المستهدفة تعاني منه حتى الآن.

بحسب المسؤولين في الإدارة الأمريكية فإن شكل العقوبات الذي ستتخذه واشنطن اتجاه موسكو سيتم تطبيقه بالتنسيق مع الكتلة الأوروبية

وبحسب المسؤولين في الإدارة الأمريكية فإن شكل العقوبات الذي ستتخذه واشنطن اتجاه موسكو سيتم تطبيقه بالتنسيق مع الكتلة الأوروبية، موضحين أن العقوبات التي تدرس إدارة بايدن فرضها ستكون الأولى من بين مجموعة تحركات اتجاه روسيا تمثل خروجًا واضحًا عن الاستراتيجية التي انتهجتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بعد فشلها بفرض عقوبات على موسكو بسبب حادثة تسميم نافالني.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 الولايات المتحدة الأمريكية تعود رسميًا إلى اتفاقية باريس للمناخ