25-يوليو-2018

تتلقى الدبلوماسية الإماراتية الصفعة تلو الأخرى في منطقة القرن الأفريقي (تويتر)

في اللحظة التي أمسك فيها ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، بيدي كل من الرئيس الإريتري أسياس أفورقي والإثيوبي آبي أحمد، بدا وكأن ثمة تناقضًا قاقعًا في الصورة، لأن مساعي ابن زايد مؤخرًا لتعبيد طريق السلام بين أسمرا وأديس أبابا، والعبور بخفة فوق مثلث بادمي المتنازع عليه تاريخيًا بين الجارتين، وفي الوقت نفسه التورط بصورة دموية في حرب اليمن، كان أشبه بمفارقة ثقيلة.

لم تكتف الإمارات بحث إثيوبيا وإريتريا على السلام، وإنما أعلنت استثمار ثلاثة مليارات دولار في إثيوبيا، لاستمالتها أكثر

وبدون حتى أن تعبأ أبوظبي بالخرطوم حليفتها في حرب اليمن، والجارة المعنية أكثر من غيرها بكل ما يحدث بين إريتريا وإثيوبيا، هبطت طائرة محمد بن زايد فوق الهضبة الإثيوبية الشهر الماضي. ورغم أن إثيوبيا بلد بلا موانئ على الإطلاق، ولا يوجد سبب واضح يجعل أبوظبي تتهافت نحوها، إلا أن المصالحة بدت ضرورية بالنسبة للإمارات، لأن الأزمة تؤثر على موانئ البحر الأحمر، وتصطدم بالأجندة الإماراتية للسيطرة عليها.

لمعت الحقيقة الغائبة فوق أضواء الشموع عشية افتتاح السفارة الإريترية في أديس أبابا إذًا، وصرح أسياس أفورقي بما كان بحاجة لنحو عشرين عامًا تقريبًا ليردده من فوق جماجم الضحايا: "هزمنا الكراهية والاحتراب ومستعدون للسلام".

اقرأ/ي أيضًا: صفعة صومالية لمشروع الإمارات لتقسيم البلاد.. موانئ البحر الأحمر ثمن التدخل

وقد أثارت محاولة الإمارات دخول خط المصالحة بين جارتين اشتعلت بينهما الحروب طوال عقدين، عاصفة من الاستفهامات، فما الذي استجد الآن وجعل أبوظبي تسعى في هذه المرحلة تحديدًا لإخماد النيران؟ بل وتقلد آبي أحمد وأفورقي وسام "زايد" تقديرًا لما وصفته بـ"جهودهما في إطلاق عملية السلام"، وهل تحاول الإمارات تحقيق نصر معنوي بعد أن خسرت عبر شركة موانئ دبي تقريبًا معظم موانئ القارة السمراء، وفشلت في فرد سيطرتها على البحر الأحمر؟ وبأي صورة سيتضرر السودان من تدخل وسيط جديد في منتصف الأزمة؟

لقد تلقت الدبلوماسية الإماراتية في القرن الأفريقي صفعات عدة في الفترة الأخيرة، كان أبرزها طرد البرلمان الصومالي شركة موانئ دبي العالمية من "ميناء بربرة" في آذار/مارس الماضي، بسبب ما قالت إنه انتهاك للسيادة الوطنية، بجانب مصادرة الصومال نحو 10 مليون دولار نقدًا، كانت محملة على طائرة خاصة عبرت إلى مقديشو وهى قادمة من الإمارات. وما زالت موانئ دبي تجاهد للدفاع عن اتفاقية ميناء بربرة، التي أبرمتها مع كل من إقليم أرض الصومال "صوماليلاند" وإثيوبيا، وهو ما اعتبره البرلمان الصومالي تعزيزًا للنزعة الانفصالية في بلد تعاني من التمزق وآثار الحرب الأهلية.

ولاحقًا، خسرت موانئ دبي أيضًا امتياز العمل في ميناء جيبوتي، حيث ألغت الحكومة الجيبوتية عقد الامتياز الممنوح لشركة موانئ دبي العالمية، الذي كان يقضي بتشغيل محطة "دوراليه للحاويات" في ميناء جيبوتي لمدة خمسين عامًا، وتم المنع بمبرر حماية "السيادة الوطنية والاستقلال الاقتصادي" للبلاد. وتوالت الصفعات بعد اتفاق الحكومة القطرية والسودانية على بناء أكبر ميناء على البحر الأحمر بتكلفة مقدارها 4 مليار دولار، كما باتت الفلبين الآن هى الأقرب لتشغيل ميناء بورتسودان.

ويرى الباحث والكاتب السوداني كمال بشاشة أن "السودان ليس مقصودًا في حد ذاته من خلال قيادة الإمارات للمصالحة الإثيوبية الإريترية، لكنه قد يتأثر بالنتائج"، مناقشًا زيارة أفورقي وآبي أحمد لأبوظبي، ويوضح لـ"ألترا صوت" أن هذه الخطوة تمثل ردة فعل على التعاون الذي يحصل بين قطر وتركيا وجيبوتي والسودان، بالإضافة إلى طرد الإمارات من الصومال، ولذلك لم يعد أمام الإمارات من خيار سوى موانئ إريتريا.

اقرأ/ي أيضًا: كيف أفلست دبلوماسية الإمارات وتحولت إلى مادة للسخرية؟

"ولكن لتفعيل موانئ إريتريا" كما يوضح الباحث السوداني، "لابد من ضمان السوق الإثيوبي، وعلى هذا القياس جاءت المصالحة كخطوة تمهيدية"، وعلى هذا النحو سوف يستمر صراع موانئ البحر الأحمر.

 تلقت الدبلوماسية الإماراتية في القرن الأفريقي صفعات عدة، كان أبرزها طرد البرلمان الصومالي شركة موانئ دبي العالمية من "ميناء بربرة"

 وخلص بشاشة أن المصالحة الإثيوبية الإريترية لم تكن استرتيجية وإنما بنيت لرعاية مصالح إماراتية، وبالتالي فإنها "قابلة للارتداد إذا تأخرت الإمارات فى الإيفاء بوعودها أو كان العائد الإرترى دون الطموحات عمليًا". أما إثيوبيا فتهمها العلاقة مع السودان أكثر من الإمارات لأنها تحمل أكثر من بعد، اقتصاديًا وأمنيًا وجغرافيًا.

وبعيد أن دب الخلاف بين الإمارات وجيبوتي وانتهى إلى قطيعة سياسية ودخول الصين كلاعب منافس، سعت الأولى إلى البحث عن مرفأ جديد، وانتهى بها الحال إلى الوقوع في أحضان إريتريا، المنافس الإقليمي لجيبوتي، على أمل خفض القيمة التشغيلية لميناء "دوراليه". وذلك بالرغم من أن الرئيس الإريتري أسياس أفورقي كان إلى وقت قريب جدًا حليفًا لإيران في المنطقة، وداعمًا بصورة أساسية لجماعة الحوثي، ومن المعلوم أيضاً أن إريتريا المحاصرة سياسيًا منذ عقود، تحوز على موقع إستراتيجي يحتشد بالجزر المُطلة بكثافة عل البحر الأحمر، ومنها جزر قبالة باب المندب "حالب وفاطمة"، وعلى مقربة من اليمن والمملكة العربية السعودية. وبالمقابل حصلت الإمارات على عقد إيجار لميناء عصب الإريتري بغرض الاستخدام العسكري لمدة 30 عامًا، وهو الدافع الأساسي لمصالحتها بين إريتريا وأثيوبيا على ما يبدو.

ولا يقل السؤال عن موقع مصر من كل ما يجري، أهمية أو حساسية، إذ يُفترض أن التوسع الإماراتي في البحر الأحمر دون تنسيق كامل معها، سوف يقلقها، وكذا التغظية الإماراتية لاستكمال سد النهضة الإثيوبي، ولربما أيضًا تشغيل موانئ أخرى منافسة سوف تتضرر منها قناة السويس نسبيًا، ومع ذلك ابتلعت القاهرة لسانها، أمام ابتسامة أفورقي وآبي أحمد اللامعتين في أبوظبي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

دولة الانتهاكات.. تقرير أممي يفضح تورط الإمارات في أنشطة عسكرية غير مشروعة

سواكن السودانية.. محطة جديدة لحروب الإمارات لاستعمار موانئ البحر الأحمر