12-سبتمبر-2022
خوان لاتشو

تصميم لـ خوان لاتشو

كانَ لافتًا شِعار "مش ملزمة" الذي ضجّت به مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام القليلة الماضية، فهو شعار رفعته مجموعة من النساء العربيات وطرحنَ فيه رأيهنّ في ما يتعلّق بتقسيم الأدوار الاجتماعية بين النساء والرجال، ودافعنَ في مضامينه عن حقّهنّ في رفض هذه الأدوار، والتعاطي معها من منطلق الاختيار لا الإجبار أو الإرغام أو الإلزام.

طرحتْ مجموعة من النساء رؤيتهنّ لدور المرأة في المنزل، ورأت العديد منهنّ بأنّ الأدوار الاجتماعية للمرأة في المنزل هي أدوار من حقّ المرأة أن تُمارسها باختيارها، أو أن ترفضها باختيارها

طرحتْ هذه المجموعة من النساء والمشتغلات في العمل النسوي رؤيتهنّ حول دور المرأة في المنزل، ورأت العديد منهنّ بأنّ الأدوار الاجتماعية للمرأة في المنزل والتي تمّ إلصاقها بها منذ الأزل، بصفتها أدوار وأعمال غير مدفوعة الأجر، هي أدوار من حقّ المرأة أن تُمارسها باختيارها، أو أن ترفضها باختيارها، فهي -بحسب هذا الطرح- غير ملزمة بالحمل والإنجاب، وغير ملزمة بإرضاع أطفالها في حالة الإنجاب، وغير ملزمة كذلك بأداء الأعمال المنزلية المحدّدة لها كوظيفة متعلّقة بصفتها الجندرية كامرأة وأنثى قبل كلّ شيء.

انقسمت آراء الجمهور الذي تلقّف هذا الطرح بين مؤيد ومعارض له، واستندت فئة من الجمهور المعارض على سرد الآراء الفقهية أو التأكيد على الطبيعة الفطرية للمرأة، واعتمدت هذه الفئة على هذيْن المَسلكْين جاعلة منهما حجة وبرهان لنفيْ الطرح ومعارضته.

وبغض النظر عن مؤيدي ومعارضي الطرح السابق، فإنّ الأمر الإيجابي في إثارة الجدل حوله، هو أنّه أعاد تسليط الضوء على أدوار "إعادة الإنتاج الاجتماعي" عند المرأة، بصفتها أدوار مهملة، لا تأخذ حقّها من التقدير.

والمقصود بأدوار إعادة الإنتاج الاجتماعي، تلك المجموعة الكبيرة من الأنشطة الحيوية التي تستهدف خلق الحياة بالمعنى البيولوجي والمحافظة عليها. فولادة ورعاية الأطفال -مثلًا- والحفاظ عليهم هو من أدوار إعادة الإنتاج الاجتماعي، وهو دور تقوم به المرأة في المجتمعات غالبًا، ويتطلّب بذل حجم هائل من الوقت والموارد.

أدوار ولادة ورعاية الأطفال التي تقوم بها المرأة بلا أجر، هي أدوار في غاية الأهمية، لأنّها تأتي لتحافظ على استمرار السلالة البشرية، وعلى دوام وجود الإنسان ككائن اجتماعي تواصلي تُشكّل وظيفة تربية الأطفال وتنشئتهم أحد أهم وظائفه وأبرزها. وللتأكيد على أهمية تلك الأدوار، تطرح مجموعة من النسويات في كتابهنّ "نسوية من أجل الـ99 %"، حالة أم تايوانية تُدعى "لو"، ويُخبرنَ أنّها رفعت قضية في عام 2017 ضدّ ابنها مطالبة بالتعويض عن الوقت والمال الذي أنفقته في تربيته، فهيَ ربت ولديها بمفردها حتى التحقا بكلية طب الأسنان، وكانت تتوقع منهما أن يرعياها عندما تكبر في السنّ، وعندها خذلها أحد الولدين، رفعت تلك القضية عليه. وفعلًا، ففي حكم فريد وغير مسبوق، أمرت المحكمة العليا بتايوان أن يدفع الابن لأمه مبلغ 967 ألف دولار أمريكي مقابل تكاليف تربيته.

أدوار ولادة ورعاية الأطفال التي تقوم بها المرأة بلا أجر، هي أدوار في غاية الأهمية، لأنّها تأتي لتحافظ على استمرار السلالة البشرية، وعلى دوام وجود الإنسان ككائن اجتماعي تواصلي تُشكّل وظيفة تربية الأطفال وتنشئتهم أحد أهم وظائفه

تأتي القصة السابقة لتتعرّض لهذا الإهمال الذي قد يُلاقيه دور المرأة المتعلّق بإعادة الإنتاج الاجتماعي حتى من أقرب المقربين لها (أولادها في المثال السابق)، فرغمَ مركزية هذا الدور وأهميته في المجتمعات الإنسانية كافة، إلا أنّه لا يتمّ معاملته والنظر إليه بقدر كافٍ من التقدير، ولا يتمّ أخذه بعين الاعتبار عند عمل الإحصاءات المتعلقة بتقدّم وتفوق الرجال على النساء، وإبرازه كدور تُقدِم عليه المرأة باختيارها وتبذل فيه من وقتها وجهدها، دون أجر مدفوع، ودون أن تتطلب شكرًا من أحد.

ولنفترض في هذه الخاتمة، بأنّ شعار "مش ملزمة" الذي أطلقته مجموعة من النساء العربيات كصرخة احتجاجية على إهمال أهمية الأدوار الاجتماعية للمرأة؛ لنفترض أنّه قد تحوّل إلى موجة احتجاجية عارمة تقودها النساء في كافة أنحاء العالم، ويطالبنَ فيها بأن تصبح أدوارهنّ في الولادة والتربية وإعادة الإنتاج الاجتماعي أدوار مقدرّة بالمادة والمال، ومدفوعة الأجر، ثمّ لنتعجّب عندها كم ستجني المرأة، وكم سيخسر العالم.