قبل يومين، وخلال مؤتمر بعنوان "مبادرة مستقبل الاستثمار"، أعلن ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للبلاد، محمد بن سلمان، إطلاق مشروع منطقة استثمارية ضخمة باسم "نيوم" تمتد بين كل من السعودية والأردن ومصر، وسيخصص له أكثر من 500 مليار دولار، وفقًا لابن سلمان.

يتضمن مشروع "نيوم" الذي أعلن عنه ابن سلمان، بناء جسر يربط السعودية بمصر، والذي لا يمكن إنشاؤه دون موافقة إسرائيل

يتضمن المشروع المزمع أحلامًا كبيرة لخوض غمار مستقبل الاقتصاد والتكنولوجيا. لكن إتمامه بالطريقة التي عرضها ابن سلمان، تحديدًا امتداده بين ثلاثة دول، بينها دولة هي مصر، لا ترتبط بحدود برية مباشرة مع السعودية؛ يحتاج على الأرجح إلى موافقة إسرائيل.

اقرأ/ي أيضًا: فضيحة محمد بن سلمان الجديدة.. الملك المنتظر زار تل أبيب سرًا

حلم محمد بن سلمان الجديد، الذي يأتي على ما يبدو في إطار خطته الاقتصادية "رؤية 2030" التي أثبتت فشلها في التأثير إيجابيًا على النمو الاقتصادي للبلاد؛ يتضمّن إنشاء جسر يربط بين السعودية ومصر، سيمتد فوق مضيق تيران، وهو ما يعني أمرين، الأول أنه يُفسّر بدرجة كبيرة سبب تنازل الحكومة المصرية عن سيادتها على تيران وصنافير لصالح السعودية، والثاني أنّ إتمام إنشاء الجسر يحتاج إلى موافقة إسرائيل، وذلك بناءً على اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، والتي تنص على ضمان وجود منفذ لإسرائيل على البحر الأحمر، والذي يتمثل تحديدًا في مضيق تيران. 

بطريقة أخرى، يعني الإعلان عن المشروع، والمضي فيه قدمًا بالخطة الموجزة التي عرضها ابن سلمان، دخول السعودية على خط كامب ديفيد كأحد أطرافها، بعد أن أصبحت جزيرتا تيران وصنافير في حوزتها. 

ووفقًا ليورم ميتال، رئيس معهد حاييم هرتشوغ لدراسات الشرق الأوسط بجامعة بن غوريون في النقب، فإنّ ما سبق ذكره "يجعل من مشاركة إسرائيل في المشروع حاسمة"، إذ يبدو أن إسرائيل لا تستهين بقضية نفاذها على البحر الأحمر، فبحسب وكالة بلومبيرغ، كان إغلاق مصر لمضيق تيران أمام إسرائيل في 1967، "أحد الإجراءات الرئيسية التي أدت للحرب ذلك العام".

ويُرجّح أن إعلان ابن سلمان عن مشروع "نيوم" في مؤتمر دولي بالرياض، حضره وزير الخزانة الأمريكي ستيفين منوشين، لم يتأت إلا بعد إجراء مفاوضات سرية مع الجانب الإسرائيلي، ولو بشكل غير مباشر عبر وسطاء، وإن كانت تقارير صحفية قد تحدثت الشهر الماضي عن زيارة سرية لأمير سعودي إلى إسرائيل، يُرجح أنه ابن سلمان نفسه، وهو ما يعني احتمال أنّ المشاورات مع إسرائيل بخصوص مشروع "نيوم" كانت مُباشرة. وقد أشار يورم ميتال إلى أنّ كلًا من السعودية وإسرائيل بحثتا بالفعل علاقاتهما الثنائية، وتطرقتا إلى ملف المشروع والجسر المزمع إنشاؤه، باعتبار أنه لا يمكن المضي قدمًا في المشروع إلا بحدوث أمرٍ كهذا.

وعلى مدار شهور، تعددت التقارير التي تحدثت عن فتح قنوات اتصال مباشرة وغير مباشرة بين السعودية وإسرائيل، تمهيدًا لتطبيع كامل في العلاقات، بدءًا من الجانب الاقتصادي. وقد بدا مدى القرب بين إسرائيل والسعودية بعد أن شنت الأخيرة حملتها المدبرة على قطر بالاشتراك مع كل من الإمارات ومصر والبحرين، إذ أيدت إسرائيل بقوة حصار قطر، واعتبر مسؤولون إسرائيليون أن فرض ذلك الحصار بمثابة إشارة إلى وجود حلفاء جدد لإسرائيل في المنطقة.

تطبيع اقتصادي

وعلى ما يبدو يلعب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دورًا هامًا في هذه التطورات، وهو الذي كان قد وعد في الشهور الأولى من رئاسته، بـ"اتفاق سلام عظيم" في الشرق الأوسط. وتقول وكالة بلومبيرغ إن ترامب يرى أن العلاقات الاقتصادية مع السعودية من بين أهم الفوائد التي قد تجنيها إسرائيل من اتفاق سلام يشمل المملكة. ووفقًا لها فقد حدد المسؤولون الإسرائيليون منطقة خليج العقبة في البحر الأحمر، كمكان مثالي لإقامة ما يُمكن تسميته بحلف تجاري جديد يجمع كلًا من السعودية والأردن ومصر إلى جانب إسرائيل.

يتضح أن مشروع نيوم يأتي في إطار مساعي التطبيع الاقتصادي بين السعودية وإسرائيل، ويبدو أن هذه المساعي بدأت باتفاقية تيران وصنافير

اتفاقية تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير، التي شهدت معارضة واسعة في مصر، ومعركة قضائية دامت شهورًا بين النظام والمعارضة، قبل أن يحسم النظام المعركة لصالحه عبر البرلمان؛ يتضح أنّها كانت تمهيدًا لهذه التطورات التي ستضمن قريبًا -على الأرجح- الإعلان عن تطبيع اقتصادي بين السعودية وإسرائيل.

اقرأ/ي أيضًا: تيران وصنافير في الصحف الإسرائيلية: "السعودية ملتزمة بمصالح تل أبيب"

هذا ويُشار إلى أنّه عقب إلقائه كلمته في مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" في الرياض، اتجه وزير الخزانة الأمريكي إلى إسرائيل لعقد اجتماعات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم الخميس، والتي يُرجح أنها مرتبطة بزيارته للسعودية وتحديدًا بالمؤتمر الذي اُعلن فيه عن مشروع "نيوم".

ونقلًا عن بلومبيرغ، يرى سايمون هندرسون، الخبير بشؤون الخليج العربي ومدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط، أنّه في حال لم تتشاور السعودية مع إسرائيل قبل إقامة الجسر فإن ذلك "سيثير المشاكل"، مُؤكدًا أنه لا شك لديه من أنّ السعودية قد تشاورت بالفعل مع إسرائيل بهذا الشأن، سواءً بشكل مُباشر أو عبر واشنطن، مُفترضًا أن إسرائيل "سعيدة" مما هي عليه الآن الأوضاع، يقصد تطور العلاقات مع حلفاء جدد في المنطقة على رأسهم السعودية وبالطبع الإمارات.

"نيوم".. حجر جديد في أساسات التطبيع مع إسرائيل

هذا وقد سبق لنتنياهو أن صرح مرارًا بأن العلاقات مع ما أسماها بـ"الدول العربية السنية المعتدلة" أفضل من أي وقتٍ مضى. كما أنّ وزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب قرّا سبق له أن ألمح بوجود علاقات بين إسرائيل وما أسماه بـ"الحلف السعودي"، مُفضلًا عدم الحديث علانية عن هذه الأمور في هذه المرحلة. كما سبق أن أخبر رجال أعمال إسرائيليون بأن العلاقات مع السعودية تشهد ازدهارًا، خاصة في مجالات الأمن السيبراني والبنى التحتية.

سبق لمسؤولين إسرائيليين، بينهم نتنياهو وأيوب قرّا، أن صرحوا باتجاه العلاقات مع السعودية نحو الأفضل على عدة مستويات

يتضح إذن أن مشروع "نيوم" الذي أعلن عنه محمد بن سلمان، ليس إلا حجرًا جديدًا، ربما يكون أكثر ثقلًا من سابقيه، في أساس العلاقات التطبيعية بين السعودية وإسرائيل والتي سبق وأن كشفت العديد من التقارير عن التمهيد لها منذ وصول ابن سلمان إلى القصر الملكي بالرياض في 2015.

 

اقرأ/ي أيضًا:

السعودية تستأنف رحلة تطبيعها الكامل مع إسرائيل.. تل أبيب محبوبة "العرب"!

تطبيع أبوظبي والرياض مع إسرائيل.. اتهمْ قطر لتنجو بجريمتك!