09-أبريل-2021

مدينة القدس (Getty)

شكّل اعتقال باسم عوض الله حدثًا بارزًا هذا الأسبوع، فقد جرى الحديث عن محاولة انقلابية في الأردن أدت إلى اعتقال العديد من الشخصيات المتهمة بالوقوف وراء المحاولة، من بين تلك الأسماء ظهر اسم باسم عوض الله الرئيس السابق للديوان الملكي الأردني، ومستشار العاهل السعودي، والصديق الشخصي لمحمد بن زايد ومستشاره السابق. ومما تناقلته وكالات الأنباء من معلومات أن اعتقاله جاء على خلفية علاقات مشبوهة، واستغلال مجلس القدس للتطوير والتنمية لشراء أراض ومنازل في القدس لصالح الإسرائيليين.

باسم عوض الله، المولود في القدس، يعتبر أحد النافذين بمجلس القدس للتنمية والتطوير الاقتصادي الذي يعرف نفسه بأنه مؤسسة أهلية غير ربحية تأسست العام 2019، إذ بحسب مزاعمه يضع كل إمكانياته فيما يخدم ويعزز صمود الفلسطينيين في القدس؟

تسود فكرة تجزم بفعالية العنصر الفلسطيني لتنفيذ سياسات جهات بعينها، حتى ولو كانت تقوم بأفعال ضد تطلعات الشعب الفلسطيني

لكن المعطيات المتوفرة تقول إن مجلس القدس للتنمية والتطوير تأسس بدعم إماراتي، حيث يقول القائمون عنه إن حاجة مدينة القدس للمساعدة كانت واضحة، ولمسنا رغبة إماراتية تحديدا في دعم القدس؟

اقرأ/ي أيضًا: مفاهيم مُربكة في الحالة الفلسطينية

وبحسب وسائل إعلام إماراتية، فإن المجلس حصل على منحة تقدر بـ 12 مليون دولار من صندوق أبو ظبي للتنمية للانطلاق بعمله، وهو يقدم مشاريع لدعم أهالي القدس على كل الأصعدة التعليمية والصحية والاجتماعية.

يرأس المجلس سري نسيبة، الشخصية الأكاديمية المثيرة للجدل، ومسؤول ملف القدس السابق، وصاحب وثيقة نسيبة-أيالون الشهيرة التي تنص بإحدى بنودها على عدم عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها. يتحدث نسيبة في أحد حواراته بصراحة عن تصوره لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين: "سيكون من بين الأسس التي سيقوم عليها حلّ الدولتين أن يتخلى الفلسطينيون عن مطالبتهم بعودة لاجئيهم إلى إسرائيل. وبدلًا عن ذلك من المفترض حصولهم على تعويضات أو العودة إلى الدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى احتمالات أخرى. ولكن مع ذلك يجب أن يكون هذا التنازل جزءًا من اتِّفاق شامل، وإلّا فلن يكون ساري المفعول. وأنا أفهم احتياجات الإسرائيليين، كما أنَّني مستعد للاهتمام بذلك، ولكن فقط إذا احترمت إسرائيل مقابل ذلك احتياجاتي".

مؤخرًا عاد اسم سري نسيبة للتداول بشكل كبير بعد الإعلان عن تنظيم انتخابات تشريعية في الأراضي الفلسطينية الخاضعة لسيطرة السلطة الوطنية فقد ترشح عن قائمة المستقبل المدعومة من قبل رجل الامن السابق محمد دحلان، وكانت مؤسسة القدس الدولية قد كشفت مؤخرًا عن محاولات إماراتية لاستغلال الانتخابات التشريعية الفلسطينية المقررة في 22 أيار/مايو المقبل لجعلها مدخلًا لما سمته دور الوكيل الاستعماري في المدينة المقدسة المحتلة. وقالت في بيان لها إن مسؤول ملف القدس السابق سري نسيبة وبعد فشله في تشكيل قائمة مدعومة إماراتيا تحت اسم "القدس أولا" لخوض الانتخابات الفلسطينية، اضطر لكشف انحيازه الصريح عبر الترشح على قائمة " المستقبل" التابعة لمحمد دحلان، وهو ما يعني أنه سيواصل دوره في القدس مسنودا بالتمويل الإماراتي، ليقيم فيها سلطة وكالة في سياق اتفاق أبراهام "لضرب نبضها الشعبي وإخضاعه".

بعد توقيع اتفاق أبراهام تحتل الإمارات طليعة الدول العربية المؤيدة لخطة ترامب لتسوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وتتبع سياسات تذهب في اتجاه إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لمصلحة "إسرائيل"، بما فيها وضع مدينة القدس المحتلة، وحق عودة اللاجئين، اللافت في الأمر أن الإمارات تدفع بكل ثقلها لدعم وجوه وشخصيات فلسطينية عليها علامات استفهام لتمرير "التفاهمات" الأمريكية الإسرائيلية العربية المسماة مشروع صفقة القرن.

الحالة الفلسطينية بالغة التعقيد وكل المؤشرات تقول إن الفلسطينيين هم حجر عثرة في وجه هذا التوجه، لذا تطرح عدة تصورات لتجاوز هذه العقبة، أحد تلك التصورات هو محاولات الاختراق داخل الصف الفلسطيني.

تسود فكرة طرحت سابقًا، تجزم بفعالية العنصر الفلسطيني لتنفيذ سياسات جهات بعينها، حتى ولو كانت تلك الجهات تقوم بأفعال وتطبق سياسات هي بالأساس ضد تطلعات الشعب الفلسطيني.

نحن أمام مشهد يعيد نفسه، وهو شبيه بتجربة روابط القرى العميلة في الثمانينات، حين سعت إسرائيل إلى محاولة تجاوز منظمة التحرير الفلسطينية كجهة ممثلة ووحيدة للشعب الفلسطيني عن طريق إشراك مجموعة من الشخصيات الفلسطينية المشبوهة في الإدارة المدنية للقرى والبلدات الفلسطينية، إذ قامت بتمويلهم وتسليحهم ومحاولة فرضهم كجهة ممثلة للشعب الفلسطيني.

كان للمآلات التي أفرزها اتفاق أوسلو أن انتهت السلطة الفلسطينية إلى نظام حكم ذاتي محدود يخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، وهي حالة للأسف لم تختلف كثيرا عن التصور الذي طرحته إسرائيل لتجربة روابط القرى العميلة، لكن بالمقابل المشهد الفلسطيني متحرك وغير ثابت ومستحيل أن يختصر بالتجربة المتعثرة لسلطة الحكم الذاتي، والمتتبع للأحداث يقرأ الإخفاق الإسرائيلي في محاولته للسيطرة على المشهد الفلسطيني، لذا هو في صراع محموم ودائم لتجاوز تلك المعضلة.

السير بالعملية السياسية الحالية وفق التصور الإسرائيلي المرسوم له دفع بشخصيات مرتبطة بتيار ذي ماضٍ مشبوه متهم بالعمل لضرب العمل المقاوم داخل الأراضي المحتلة، وذلك بالتنسيق الأمني مع إسرائيل والذي تورط زعيمه كذلك في علاقات استخباراتية وأعمال تخريبية طالت العديد من دول الربيع العربي.

شاركت أطراف عربية ودولية وإسرائيلية في دعم هذا التيار من خلال توفير الدعم المالي واللوجستي الإعلامي لتثبيته على الساحة، في ظل ترهل القيادة الفلسطينية وحالة العجز والشلل السائدة بسبب نهج السلطة التفريطي على مدار ثلاثين سنة من الحكم، وخلق حالة تخضع وتقبل بالوضع القائم ومحاربة كل نهج يدعو للمقاومة وعدم التفريط بحقوق الشعب الفلسطيني.

لطالما سعت إسرائيل إلى فرض شخصيات مشبوهة من أجل فرضهم كجهة ممثلة للشعب الفلسطيني

أصبح هذا النهج يطرح نفسه كبديل للحالة القائمة مستغلًا إنهاك الناس وحالة العوز الذي خلقها الحصار الإسرائيلي، فعمل بدرجة كبيرة تحت غطاء العمل الخيري والإغاثي، وكان التركيز على قطاع غزة ومخيمات لبنان بالدرجة الأولى، لكنه لم يقدم خطابًا سياسيًا أو تصورًا واضحًا، ببساطة لأنه لا يملكه أصلًا، ولأنه وجد فقط للعمل وفق الأجندة التي رسمتها الأطراف التي ساعدت على ظهوره.

اقرأ/ي أيضًا: واشنطن بوست: وفد سعودي يُطالب بإطلاق سراح باسم عوض الله

يتضح مما سبق أن التستر وراء العمل الخيري والإغاثي لم يكن إلا غطاء وذريعة لتنفيذ الأجندة الإسرائيلية بدعم عربي، ومنه يتضح لنا كيف تكون مؤسسة مدعومة ماليًا من قبل الإمارات، وتدعي الدفاع عن المقدسيين ما هي في حقيقة الأمر إلا واجهة لبيع أملاك المقدسيين وتسريبها إلى الإسرائيليين.

الشعب الفلسطيني استوعب وخَبِرَ واقعه وما يحاك حوله، لذا فمجال عمل هذا النهج وتلك الشخصيات يبقى محدودًا، بالرغم من كل محاولات الدفع بهم وإعادة تأهيلهم وفرضهم على الساحة مستغلين حالة الانكسار الموجودة، لكن المحطات التاريخية تقول إن الشعب الفلسطيني تجاوز كل تلك المشاريع التي حاولت تدجينه وكما قيل لا يوجد أفظع من الاحتلال إلاّ بائعي الأوطان.

 

اقرأ/ي أيضًا:

القدس عربية.. هل ستبقى كذلك؟

عزمي بشارة: حول القدس بإيجاز شديد