26-أكتوبر-2015

صلاة الجمعة بالجامع الأزهر بحضور مرسي والطيب وجمعة، السابع عشر من آب/أغسطس 2012 (Getty)

  تسعى المؤسسات الدينية الرسمية إلى احتكار الخطاب الديني في مصر، وهي في هذا الشأن تبدو على قلب رجل واحد، لكن التنافس بين أبناء هذه المؤسسات أيضًا على الوصول إلى منصب ر سمي كبير والبقاء فيه يجعل "قلوبهم شتى".

الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الحالي، وعلي جمعة مفتي الديار السابق يصنعان مثالًا بارزًا على التنافس بين الكوادر الدينية نحو منصب المشيخة، بينما محمد مختار جمعة وزير الأوقاف الحالي أبرز الأمثلة على خلق المشكلات مع التيارات الدينية لإثبات جدارته بالمنصب أمام السلطة السياسية.

علي جمعة والطيب

قبل عام 2010 كان الدكتور أحمد الطيب رئيسًا لجامعة الأزهر بينما كان الدكتور علي جمعة مفتيًا للديار المصرية، وكان الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخًا للأزهر. كان طنطاوي يحب أن يقرب منه قليلي الكلام، وهكذا كان الطيب الذي لم يكن معروفًا في هذه الأوقات، فأسند إليه رئاسة الجامعة بعد الدكتور أحمد عمر هاشم الذي كان مشتهرًا بخطبه الرنانة.
أثناء توليه رئاسة الجامعة قام بعض الطلاب من جماعة الإخوان المسلمين بعمل ما يشبه العرض العسكري بعد أن تلثموا، فيما سميت هذه القضية بـ"مليشيا الشاطر"، فقام الطيب بفصلهم من الجامعة، وعندما حصلوا على حكم من القضاء الإداري بعودتهم للجامعة رفض تنفيذ الحكم.

بعد وفاة طنطاوي جاء الوقت لاختيار من يخلفه، وكانت بورصة الترشيحات تشير إلى أحمد الطيب وعلي جمعة. لم يكن علي جمعة طالبًا أزهريًا بالأساس، حيث حصل على الابتدائية والإعدادية والثانوية من مدارس وزارة التربية والتعليم، ثم حصل على بكالوريوس التجارة من جامعة عين شمس، ليلتحق بعد تخرجه أخيرًا بجامعة الأزهر. قللت هذه النقطة من رصيد "جمعة"، لأن العرف جرى على أن يكون شيخ الأزهر درس في الأزهر منذ الابتدائية. النقطة التانية أن جهاز أمن الدولة لم يكن يحب علي جمعة، وهو ما ظهر فيما بعد عندما اقتحم المتظاهرون مبني الجهاز ووجدوا ملفًا فيه تفاصيل ترصد حياته الشخصية.

في الوقت نفسه كان الطيب عضوًا في لجنة السياسات في الحزب الوطني، بالإضافة إلي أن وقوفه بصلابة في وجه ما سميت ميليشا الأزهر كان في صالحه. ويقول مصدر أزهري أن الذي حسم المنصب له هو عضو مجلس الشعب عبدالمعطي بيومي، الذي كان معينًا ضمن الذين يختارهم رئيس الجمهورية لعضوية المجلس، كان بيومي أستاذًا في العقيدة والفسلفة-نفس تخصص الطيب-، ورفع مذكرة لزكريا عزمي يطلب فيها عدم اختيار علي جمعة لأنه ليس أزهريًا، ليرفع زكريا عزمي المذكرة لمبارك الذي عين الطيب في النهاية. 

في مواجهة علي جمعة مرة أخرى 

حاول الطيب الإبقاء على نفوذه في مقابل نفوذ الإخوان، فالأصوات التي كانت تنادي للإطاحة بشيخ الأزهر كانت كثيرة، في ذات الوقت انتهت مدة علي جمعة في منصب الإفتاء في مارس 2013 ولم يتم التجديد له. وبقي الطيب في منصبه حتى الإطاحة بالإخوان، ولكنه كان عليه مواجهة نفوذ علي جمعة.

ينظر علي جمعة إلى الطيب على أنه لا يستحق منصب شيخ الأزهر لأنه "ضعيف علميًا" وليس لدية مؤلفات في تخصصه سوى أبحاث الترقي 

بعد الإطاحة بمحمد مرسي من رئاسة الجمهورية، جاء الدور على اختيار حكومة جديدة، وكان علي جمعة مرشحًا لوزارة الأوقاف هذه المرة، حيث كان مقربًا من الجيش بشكل كبير في الفترة السابقة، لكن حسب مصدر أزهري اعترض الطيب بشدة على توليه المنصب ورشح بدلًا منه محمد مختار جمعة الذي يشغل المنصب حاليًا.

أجرى الطيب جراحة القلب المفتوح في فرنسا ولم يتعافى بشكل كامل، لكن ظروفه الصحية لم تعد تسمح له بالظهور في كل المشاهد سوى حضور الاحتفالات الرسمية، ويوفد الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر في باقي المراسم ويكتفي باستقبال الضيوف في المشيخة، بينما كانت علاقة علي جمعة بالجيش تصير أكبر وأكثر وضوحًا.

ينظر علي جمعة إلى الطيب على أنه لا يستحق المنصب لأنه "ضعيف علميًا" وليس لدية مؤلفات في تخصصه سوى أبحاث الترقي، ويقول مصدر أزهري على معرفة بعلي جمعة أنه يسعي بشكل حثيث لتولي المشيخة في حال استقال الطيب لظروفه الصحية، أو قدم استقالته تحت ضغوط من السلطة التي تعتقد أنه لا يخدمها بشكل جيد، لهذا يظهر علي جمعة في مناسبات كثيرة ويطلق تصريحات مضادة للإخوان بشكل دائم ليقول أنا هنا.

الطيب ومختار جمعة

أخبار متناثرة عن خلاف بين وزير الأوقاف محمد مختار جمعة وشيخ الأزهر أحمد الطيب نشرت على مواقع الأخبار في مايو الماضي، لكن معالمه لم تتضح، في المقابل لم يحضر شيخ الأزهر المؤتمر الذي عقدته الأوقاف من أجل تجديد الخطاب الديني في فبراير الماضي.

ويقول مصدر من مشيخة الأزهر أن الطيب قام بعزل جمعة من المكتب الفني لشيخ الأزهر، وفي المقابل عزل مختار جمعة الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر من منصب كان يشغله في إدارة مسجد الحسين، لكن تم التكتيم وتسوية الخلاف دون أن تتضح تفاصيل.

لكن في النهاية قال وزير الأوقاف عن الطيب "هو شيخي وصاحب الفضل عليّ" وتوجه لزيارته في منزله بالأقصر. الوقائع السابقة لا تبدو صراعًا بين المؤسسات الدينية في الدرجة الأولى، ولكنها أقرب لـ"الشللية" من أي شئ آخر.

اقرأ/ي أيضًا: الأزهر التاريخيّ في دورانه

مختار جمعة والإخوان

علاقة وزير الأوقاف بالإخوان لم تكن جيدة منذ زمن، فهو العضو الوحيد في مجلس إدارة الجمعية الشرعية الذي رفض تأييد محمد مرسي في انتخابات الرئاسة، والغريب أن محمد مختار جمعة أثناء حكم الإخوان كان يواظب على حضور الندوات الدينية التي يقيمونها في قريته ، فيما يبدو لـ "تمشية أموره" كما حضر مؤتمر الرئيس المعزول في استاد القاهرة الذي عقد في أكتوبر 2012 .

تم تعيين مختار جمعة وزيرًا للأوقاف بعد الإطاحة بمرسي، ومن وقتها لا يكف عن إلصاق كل مشكلة تحدث في مصر بالإخوان، إلى درجة اتهامهم بتلويث مياه نهر النيل الذي حدث عندما غرق صندل محمل بالكبريت في مياه النيل بصعيد مصر وتسمم المياه عندما حدث بالشرقية. 

تم تعيين مختار جمعة وزيرًا للأوقاف بعد الإطاحة بمرسي، ومن وقتها لا يكف عن إلصاق كل مشكلة تحدث في مصر بالإخوان 

ومع بداية شهر رمضان وضع الرجل شروطًا قاسية للاعتكاف في المساجد أبرزها كان موافقة الجهات الأمنية، حتى لا يتمكن الإخوان من استخدام المساجد حسب اعتقاده، بالإضافة إلى إحياء الوزارة مشروعًا قديمًا يتم من خلاله مراقبة المساجد إلكترونيًا.

مختار جمعة والسلفيين

الخلاف بين وزارة الأوقاف وعلى رأسها الدكتور محمد مختار جمعة وبين الدعوة السلفية وعلى رأسها الدكتور ياسر برهامي،  كان واضحًا، وتمثل هذا الخلاف في منع الأوقاف صعود المنابر على غير منتسبي الوزارة.
آخر هذه التصريحات ما نقلته " البوابة نيوز" عن الوزير في أغسطس الحالي أنه قال لقيادات الوزارة "برهامى لن يعتلي المنبر ولو عمل قرد". وفي وقت سابق اتجهت الوزارة إلى مقاضاة الشيخ السلفي محمد حسين يعقوب لاعتلائه أحد المنابر في محافظة المنيا لخطبة الجمعة دون أن يكون حاصلًا على تصريح منها.

قد تبدو تفاصيل المشكلات التي يثيرها الوزير تافهة بعض الشيء بالمقارنة مع الزوبعة التي يقيمها، حيث لا يطبق هذه التعليمات التى تبدو صارمة إلا على المساجد المشهورة التي تسلط عليها الأضواء فقط. لكن مهتمين بالشان الأزهري يصفون ذلك بأن الوزير يريد إيصال رسالة للقيادة السياسية بأنه متيقظ ومنتبه، وأنه يعمل علي مصلحتهم، لأنه في الواقع لا يتم تطبيق كتير من القرارات التي يقولها مختار جمعة، كما أن هجومه على الدعوة السلفية من باب إيجاد عدو يجب مناوشته، ومن اللافت أن مختار جمعة طلب من حزب النور التابع للدعوة السلفية التوسط لدى السيسي للموافقة على توليه منصب الوزير بعد أن رشحه شيخ الأزهر أحمد الطيب.

الطيب في مواجهة الإخوان

الصراع مع التيارات الإسلامية ليس سلوكًا فرديًا من مختار جمعة بل هو عادة رؤوس المؤسسات الدينية أيضًا. بذل أحمد الطيب مجهودًا للحفاظ على وجوده في المشيخة، فاضطر للتماشي مع الموجات الثورية بعد أن كان رافضًا لتنحي مبارك حتى اليوم الأخير له في السلطة، وقبل انعقاد أول جلسة لمجلس الشعب الذي كان الإخوان يسيطرون على أكثريته، صدق المجلس العسكري على تعديل لقانون الأزهر، الذي يتضمن إنشاء هيئة كبار العلماء يختارها شيخ الأزهر، وتكون مخولة باختيار شيخ الأزهر فيما بعد عند خلو منصبه، كي لا يكون التعيين بيد رئيس الجمهورية. 

بذل أحمد الطيب مجهودًا للحفاظ على وجوده في المشيخة، فاضطر للتماشي مع الموجات الثورية بعد أن كان رافضًا لتنحي مبارك 

علاقة الطيب بالإخوان متوترة منذ قضية "ميليشيا الأزهر" التي سبق ذكرها، فكانت علاقتهم تسودها عدم الثقة. وبعد فوز مرسي بالرئاسة، أقيم حفل بهذه المناسبة في جامعة القاهرة، وتمت دعوة الطيب بصفته شيخًا للأزهر ، لكن القائمين على تنظيم الحفل اختاروا له مقعدًا في آخر الصفوف، وهو ما أغضبه ودفعه للمغادرة.

وأثناء تشكيل حكومة هشام قنديل تم اختيار الدكتور محمد يسري إبراهيم لوزارة الأوقاف، ومن المعتاد أن يتم أخذ رأي شيخ الأزهر في المرشح للوزارة قبل توليه رسميًا، فاعترض الطيب على الترشيح وطلب من المشير طنطاوي أن يتصل بالرئاسة وطلب تغييره بأسامة العبد رئيس جامعة الأزهر في هذا الوقت، لكن قبل قسم اليمين الدستورية وبعد أن تجهز العبد وأثناء توجهه لسيارته مستقلًا إياها نحو الرئاسة، تم إبلاغه أن الدكتور طلعت عفيفي هو المرشح النهائي للمنصب وقد توجه للقصر لتسلم المنصب.

علي جمعة والإخوان 

يعرف عن علي جمعة عداؤه الشديد للإخوان حاليًا، إلا أن ذلك لم يكن معروفًا عنه قديمًا، ففي عام 1990 كان رائدًا لأسرة جيل النصر المنشود -التابعة لجماعة الإخوان- في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، بالإضافة إلي ظهوره الدائم مع الدكتور يوسف القرضاوي والشيخ محمد الغزالي، وكان يدير المعهد العالمي للفكر الإسلامي المقرب للإخوان، وكان علي جمعة يحاضر عن البوسنة والهرسك في عام 1992، وكان البعض يحسبونه على الإخوان المسلمين. لكنه ترقى بسرعة حتى وصل إلى كرسي الإفتاء، ولم تعد العلاقة كما كانت من قبل.

اشتد العداء بين الإخوان وعلي جمعة خاصة بعد الإطاحة بمحمد مرسي، فصار يسبهم على شاشات الفضائيات، وشن هجومًا على الدكتور يوسف القرضاوي المحسوب على الإخوان، كما أنه يصفهم بالخوارج " كلاب أهل النار"، وأنها جماعة مارقة سرقت جماعة المسلمين.

وفي فيديو مسرب له قال جمعة موجهًا حديثه لضباط في الجيش: "اضرب في المليان، وإياك أن تضحي بأفرادك وجنودك من أجل هؤلاء الخوارج، فطوبى لمن قتلهم وقتلوه، فمن قتلهم كان أولى بالله منهم، بل إننا يجب أن نطهر مدينتنا ومصرنا من هذه الأوباش، فإنهم لا يستحقون مصريتنا ونحن نصاب بالعار منهم ويجب أن نتبرأ منهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب" لكنه نفى فيما بعد أنه كان يتحدث عن الإخوان.

النتافس بين الرموز الدينية بعضها البعض، وهجومها على التيارات الإسلامية مستمر، لكن يبدو أن أحدًا منهم لا يقدر على حسم النزاع لنفسه بمفرده دون مساعدة من السلطة السياسية.

اقرأ/ي أيضا: وجهان لسلطة واحدة