19-فبراير-2019

معرض الدار البيضاء 2019 (فيسبوك)

انكسر رأس ابن بطوطة على متن رحلة العودة. العمال يرمون الحقائب متبرمين.

الرجل الذي بترت يديه آلة الصناعة الألمانية يؤدي صلاة المسافر في الطائرة إلى الدار البيضاء. ترعاه زوجته، المغربية المحجبة، بابتسامة تعتذر عن عدم قدرته على تناول الطعام وحده. المرأة الأخرى، المغربية المتفرعة، تقرع زوجها السوري العجوز كل لحظة.

في معرض الدار البيضاء، معهد غوته يعرض كتيبات عن تعلم الألمانية والدراسة في ألمانيا. كأن الفيزا الدراسية تمنح لكل من طلبها

اقرأ/ي أيضًا: معرض الجزائر للكتاب.. كأن شيئًا ينقص

أحدهم يصطحبني من باب الطائرة، يأخذني دون انتظار إلى ضابط الأمن الذي يرحب بجواز سفري الألماني بالفرنسية. وعندما يقول له صاحبي إنني أتكلم العربية، يسألني من أين أنت، ما هو أصلك؟

الصبية التي لا تكف عن الابتسام في الفندق تغدق علي بالظرف وتطلب لي إحدى تلك السيارات الفارهة لتأخذني إلى المعرض الدولي للكتاب. أقيم المعرض بجوار مسجد الحسن الثاني الذي اقتطعت تكاليف بنائه من رواتب المغاربة على مدى عشرين عامًا. خلف ساحة المعرض دور مهترئة، متهدمة، مقاه شعبية، وجوه كئيبة ومجانين.

فتيات يضعن شالات زرقاء. كلهن يضعن الشالات ذاتها. أنيقات، مهذبات، مبتسمات. وصور، صور كبيرة للملك في كل الأرجاء. مجموعات تلاميذ المدارس تغني وهي تسير في ساحة المعرض.

في يدي لوحة عليها رأس ابن بطوطة. أحدهم دس في يدي سي دي وطلب مائة درهم. حسنًا، لا أعرف ما في السي دي ولكن تحت إلحاحه أعطيته عشرين درهماً، مع أن الشاعر الذي رافقني حذرني كثيرًا من أبناء بلده. شويعرات يوقعن على مجموعاتهن الشعرية ويهدينها للجميع. كلهم شعراء هنا. شعراء لطيفون يعرفون على أنفسهم ويسألون عن ترجمة مؤلفاتهم إلى الألمانية.

الجولة في المعرض الدولي تدوم نصف ساعة، ربما أكثر بقليل. في الفيسبوك أقرأ عن حضور الكثير من دور النشر وصورًا فخمة لأجنحتها. أبحث عن كتب معينة، لكن لا أعثر عليها. كأن هذه الدور الكثيرة غير موجودة في  الواقع. أحد الناشرين يبيعني كتابًا وهو يأكل. الجولة الثانية والثالثة والرابعة لا تثمر شيئًا.

معهد غوته يعرض كتيبات عن تعلم اللغة الألمانية والدراسة في ألمانيا. كأن الفيزا الدراسية تمنح لكل من طلبها.

بيرة كازا. الحانة الصغيرة محشورة برجال مختلطي الهيئة. فتاتان قد لا تتجاوزان العشرين. الطلاء على وجهيهما يلمع. القواد لا يكف عن التحديق فينا، نحن سوريان وسوداني. ربما كان رجل مخابرات أيضًا. لم أتجرأ على النظر في عينيه.

اقرأ/ي أيضًا: ​معرض الدّار البيضاء للكتاب.. حوار الجغرافيات

في ندوة عن رحلة النص طرح المقدم عشرين سؤالًا جميلًا. وقت الندوة ساعة واحدة فقط والمشاركون ثلاث. عدد الحضور لا يتجاوز العشرة. كاميرا التلفزيون تصور.

المثقفون المغاربة الذين رحبوا بنا، جالسونا وسهروا، حرفيًا، على راحتنا، شكرا لهم جميعًا. كانوا مهمومين حقًا بالثقافة في بلدهم، يطرحون أسئلة لا أعرف لها جوابًا. قد يجدونه، ربما كانوا وجدوه ويتساءلون فقط من باب التواضع.

 

اقرأ/ي أيضًا:

معرض مكتبة الأسد للكتاب.. رسالة الثقافة الدموية

معرض الكويت للكتاب.. سيف الرقابة ورقبة الإبداع