20-أبريل-2017

المرشحون الرئيسيون في الانتخابات الإيرانية (عطار كناري/ أ.ف.ب)

ثمة فرضية  لفيلسوف الحرب الصيني سون تزو ذكرها في كتابه الشهير "فن الحرب"، تقول: "إن الحروب تحسم قبل أن تبدأ"، مُؤكدًا على أهمية احترام موازين القوى قبل الدخول في المعارك، لا سيّما إذا كانت مصيرية وفارقة لاحقًا. 

وعلى ما يبدو فإن مؤشرات فترة حكم الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، تكشف عنه أنّه ليس بالسذاجة التي تجعله يخوض صراعات خاسرة، إلا أن تقديم أوراق ترشحه مرة أخرى لرئاسة إيران متجاهلًا أمر المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بعدم الترشح، أثار جدلًا إقليميًا وعالميًا كثيفًا حول السباق الرئاسي المزمع إقامته في حزيران/يونيو القادم، الأمر الذي ألقى الضوء على الصراع حول إيران من الداخل والخارج.

تكشف مُؤشرات فترة حكم أحمدي نجاد، أنه ليس بالسذاجة التي تجعله يخوض صراعًا خاسرًا

كيف تُدار الدولة في إيران؟

تُمارس كافة أشكال السلطات في إيران من تشريعية وتنفيذية وقضائية، تحت إشارة إمامة الفقيه، وتعمل كل منها بشكل مُستقل بدرجة ما عن الأُخرى، لكن خيوط التنسيق بينها في يد رئيس الجمهورية الإسلامية، الذي يُعتبر وفقًا للدستور الإيراني، السلطة العليا في البلاد بعد المرشد الأعلى، وهو أيضًا المسؤول عن تنفيذ الدستور. في المُقابل يُساءل أمام الشعب، كما يقول الدستور، ومجلس الشورى الإسلامي، والأهم أمام المرشد الأعلى.

ويملك المرشد الأعلى أقوى نفوذ سياسي على الإطلاق في إيران، حيث تشمل صلاحياته تعيين رؤساء الجهاز القضائي والجيش ووسائل الإعلام الرئيسية، بالإضافة إلى أولوية موافقته على صلاحية رئيس الجمهورية المنتخب لتسلّم مهام عمله.

اقرأ/ي أيضًا: إيران.. اتهامات الفساد تلاحق قيادات الدولة

وهناك ما يُسمى بمجلس صيانة الدستور، وهو الذي يحدد صلاحية المرشحين في الانتخابات الرئاسية، الذين وصل عددهم هذه المرة حوالي 860 مرشحًا، بحسب آخر إحصاء، لكن اهتمام الصحافة والإعلام ينصبّ على الأربعة الأوفر حظًا وهم إبراهيم رئيسي، وأحمدي نجاد، وحميد بقائي، والرئيس الحالي حسن روحاني.

ليس في الإمكان إلا ما تريده ولاية الفقيه

وعليه بإمكان مجلس صيانة الدستور أو المرشد الأعلى، الرفض القاطع غير المبرر لأحد المرشحين، وكذلك قد يكون الحال مع أحمدي نجاد، كما كان سابقًا مع هاشمي رفسنجاني في انتخابات 2013، تحت مُبرر "تقدّمه في السن بشكل لا يسمح له بتحمّل أعباء الشؤون التنفيذية للدولة"، وقد يستخدم نفس السبب مع نجاد.

وإن كان ذلك  يُؤكد صعوبة أو ربما استحالة تحقيق طموحات الرئيس السابق، أحمدي نجاد، في الفوز بفترة رئاسية ثانية رغم أنف خامنئي، فإنه أيضًا قد يعني أنّ "الثورة الإيرانية" نفسها أصبحت تمثل تكتلًا معقدًا في وجه "الثورية الفردية" التي لا تخرج عن سياق الثورة الإسلامية. أو كما قال مهدي كوجك النائب السابق في مجلس الشورى، وأحد أشد المؤيدين لنجاد أثناء رئاسته: "ما قمتم به من ترشيح أنفسكم لرئاسة الجمهورية، يأتي على الضد من الرؤية الحكيمة لإمام المحرومين والمستضعفين والمجاهدين خامنئي. أنت اليوم ظلمت الناس بنفس قدر الظلم الذي وجه إليك، بل أكثر".  ويظل السؤال مطروحًا عن الدوافع التي جعلت أحمدي نجاد يُقدم على تصرف ترشيح نفسه.

أصبحت "الثورة الإيرانية" بمثابة تكتل معقّد في وجه "الثورة الفردية" التي لا تخرج عن سياق الثورة الإسلامية

خاض نجاد انتخابات 2005 و2009 على التوالي، ونجح في الفوز بهما بدعمٍ كامل من المرشد، ومع انتهاء دوره كرئيس للجمهورية الإسلامية عام 2013، قرّر عزل نفسه تمامًا عن الساحة الإعلامية. لذلك يقول مراقبون إن هذا الترشح الذي جاء بعد تركه العزلة والتقاعد، ربما يهدف إلى إضعاف الكتلة التصويتية المحافظة التي ينتمي إليها أحمدي نجاد إلى جانب المرشح الآخر الأوفر حظًا الملقب بحجة الإسلام إبراهيم رئيسي، نظرًا لتأييد بعض هيئات الدولة والحرس الثوري وقطاع واسع من الجمهور الإيراني له، بالإضافة إلى تأييد خامنئي نفسه.

ويرى آخرون أن ذلك ربما يكون دعمًا لنائبه السابق حميد بقائي، وهو ما يعني أنّه يفكر في كسب أصوات مؤيديه في الريف الإيراني وفي الضاحية الجنوبية الفقيرة من طهران في الانتخابات، ثم الإعلان عن انسحابه لصالح بقائي. ورغم ما أشيع عن اتهام بقائي في قضايا فساد على إثر سجنه سبعة أشهر، دون إبداء أسباب رسمية واضحة، إلا أنه يُعد مُرشحًا قويًا، إذ كان النائب السابق لأحمدي نجاد، ولديه نفس خطابه الشعبوي بالإضافة إلى عدد كبير من مُؤيدي نجاد.

اقرأ/ي أيضًا: إيران.. إمبرياليّة الولي الفقيه

أيضًا يوجد حسن روحاني، الرئيس الحالي الذي يمتلك حظًا وافرًا في الفوز بفترة ثانية، لولا أن استطلاعات الرأي الأخيرة كشفت عن تراجع مؤيديه بسبب أزمات الاقتصاد الإيراني وإدارته لبعض ملفات الدولة، بخاصة ما يتعلق بالأمن الإيراني.

هذا وتصب حالة ما يوصف بـ"الخلاف الحاد" بين أحمدي نجاد ومؤسسات الدولة وعلى رأسها خامنئي، في مصلحة إبراهيم رئيسي، إذ يعتبر إبراهيم رئيسي المرشح المجمع عليه من المحافظين الإيرانيين، وهو رجل له قناعة واضحة بأن من مصلحة إيران الالتفات إلى قضاياها الداخلية، والتواصل مع كل الدول بشرط الاحترام المتبادل، والتوقف عن استراتيجية تصدير الثورة التي جلبت الكثير من الأعداء لطهران.

يُضاف إلى ذلك موقف إبراهيم رئيسي الرافض للتدخل في مشاكل الجوار، مثل التدخل الإيراني في سوريا، وذلك بسبب الأزمات الناتجة عنه من عداء لأغلب الدول العربية. هذا الخطاب الذي يُصدره إبراهيم رئيسي يجعله مرشحًا ذا فرص كبيرة، بخاصة وأنه خطاب مُجرّب في حالة روحاني الذي كان التفاوض حول الملف النووي والعلاقات مع الولايات المتحدة، لهما دورٌ كبير في فوزه بانتخابات 2013.

الصراع الخفي بين "الحجتّية" والمرشد

ينتظر نجاد "المهدي المنتظر" بفارغ الصبر، وهكذا كل من يُطلق عليهم "الحُجّتية" أو "الجمعية الخيرية الحجتية المهدوية"، وهي جماعة نشأت في إيران خلال خمسينات القرن الماضي، ووفقًا لروح الله الخميني، فإن الحجّتية "تُشكّل خطرًا على الدولة والثورة، بل إن مشروعها الأساسي إشاعة الفساد"، لكن الحجتية في المقابل يدّعون أنهم السبب الرئيسي في وجود منصب الولي الفقيه في إيران، رغم أنهم يرون أن نظرة وطريقة الولي الفقيه في إيران سواءً كان الخميني أو خامنئي، هي التي تعيق ظهور المهدي المنتظر، الذي هو أساس كل شيء بالنسبة لهذه الجماعة.

وترجّح تقارير أن يكون انتماء نجاد إلى الحجّتية هو سبب معاندته قرار خامنئي وترشحه للرئاسة رغم ذلك، ولكن مع هذه المعاندة ومع شعبية نجاد الكبيرة، لكنه لا يملك معارضة حقيقية لرغبات خامنئي الذي يُؤيده مجلس صيانة الدستور والزعامة الروحية، وأمرٌ آخر، وهو ما يتردد عن أنّ خامنئي نفسه ربما يكون من الحجّتية، وذلك لأن كثيرين ممن هم حوله يُحسبون على الحجتية، فضلًا عن الصلة الوثيقة التي كانت بين والد خامنئي ومؤسس الحجتية محمود حلبي.

يرجّح أن يكون انتماء نجاد إلى الحجتية هو سبب معاندته قرار خامنئي وترشحه للرئاسة رغم ذلك

ورغم أنه ليس في يد أحمدي نجاد معارضة حقيقية لخامنئي، إلا أنّ هناك من يرى أن تصرفه هذا ينم عن رغبة في إزعاج خامنئي، وهو التصرف الذي وصفته صحف غربية بـ"العمل الثوري".

على كلّ ستسفر الأيام القادمة عمّا لا يزال في دائرة الاحتمال، سواءً فيما يخص الداخل الإيراني وانتخابات الرئاسة، أو الخارج الذي تتغيّر لعبته سريعًا وبشكل مستمر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إيران التي في خاطر الأمريكيين

إيران بعد كابوس العقوبات.. البحث عن الانتقام