29-مايو-2023
الرئيس أردوغان وقادة تحالف الجمهور أمام المجمع الرئاسي في أنقرة (GETTY)

الرئيس التركي أردوغان وقادة تحالف الجمهور أمام المجمع الرئاسي في أنقرة (GETTY)

من أمام المجمع الرئاسي في أنقرة، وبحضور قادة تحالف "الجمهور" والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية سنان أوغان، خاطب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الحشود الكبيرة من أنصاره، قائلًا: "لم تخيبوا آمال تحالف الجمهور، وقد أوكلتم إلينا المهمة مجددًا، وسنستمر في بناء مئوية تركيا"، معتبرًا أن "الفائز في هذه الانتخابات هي تركيا والديمقراطية وشعبنا بكل أطيافه"، وتابع: "الانتخابات انتهت، وعلينا الآن أن نسخّر جهودنا للإنتاج وتوفير الخدمات للشعب وتضميد جروح ضحايا الزلزال"، داعيًا لـ "الوحدة والتضامن".

خاطب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنصاره قائلًا: لم تخيبوا آمال تحالف الجمهور وقد أوكلتم إلينا المهمة مجددًا 

الرئيس الذي لا يخسر الانتخابات

وصفت وكالة الصحافة الفرنسية  الرئيس التركي، بأنه "الزعيم الذي لا يقهر"، لكونه لم يخسر أي انتخابات في مسيرته السياسية، بشكلٍ مباشر، رغم أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة شكلت تحديًا كبيرًا، بالنظر إلى تقارب الأرقام التي أعطت مرشح أكبر تحالف معارض في تاريخ تركيا حظوظًا كبيرة، دفعت إلى إجراء جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية.

وخلف نجاح أردوغان الأخير، سيرة سياسية شائكة وطويلة، في طريقة للوصول إلى قمة السلطات في تركيا، على مدار 20 عامًا. دخل أردوغان الحياة السياسية عام 1976، كناشط في اتحاد الطلبة الوطنيين الأتراك، وترأس الفرع الشبابي لحزب السلامة الوطنية في إسطنبول حتى عام 1980، وهو الحزب الذي تم حظره لاحقًا بسبب توجهاته الإسلامية بعد انقلاب عام 1982.

في عام 1984 عاد أردوغان إلى النشاط السياسي مجددًا عبر بوابة حزب الرفاه بقيادة نجم الدين أربكان، واختير رئيسًا لفرع الحزب في إسطنبول وعضواً للقيادة المركزية عام 1985.

الانتخابات التركية 2023

وفي عام 1994 كانت الانطلاقة الفعلية لرجب طيب أردوغان، بعد انتخابه رئيسًا لبلدية إسطنبول، حيث اكتسب شعبية كبيرة بفضل إدارته الفعالة لبلدية المدينة. لكن، هذه المسيرة لم تكن طويلة، بما فيه الكافية، فقد تم إقالة أردوغان من رئاسة البلدية، بضغط من الجيش التركي، بسبب قصيدة كتبها الشاعر التركي ضياء غوقلب، وقدمها أردوغان في تجمع جماهيري، واتهم أردوغان بسبب هذه القصيدة بالتفريق بين الأديان ومعاداة العلمانية، وأودع سجن بينار حصار في 26 آذار/مارس 1999. وبعد 4 أشهر أطلق سراح أردوغان من السجن، وفي 24 تموز/ يوليو 1999، أسس مع رفاقه حزب العدالة والتنمية.

وفي عام 2002، شارك الحزب في الانتخابات العامة، لينال ما يقارب من ثلثي المقاعد البرلمانية، ليصل حزب أردوغان إلى الحكم، ولكن بسبب الحظر السياسي الذي كان مفروضًا على أردوغان، جرى تشكيل الحكومة التركية برئاسة نائب رئيس الحزب عبد الله غل.

ومنذ توليه منصب رئاسة الوزراء عام 2003، بعد إلغاء الحظر السياسي، فاز أردوغان بعدها بجميع الاستحقاقات الانتخابية، إلى أن جاء الاستحقاق الرئاسي الذي جرى في آب/أغسطس 2014، وفاز أردوغان عبر الانتخاب المباشر من الجولة الأولى بحصوله على 52% من أصوات الناخبين، ليصبح بذلك الرئيس الثاني عشر للجمهورية التركية.

الانقلاب والعودة للنظام الرئاسي

في 15 تموز/ يوليو 2016، وقعت أبرز حادثة هددت مسيرة أردوغان السياسي، وأخطر بما لا يقارن مع سجنه قبل حوالي 20 عامًا، حيث وقعت المحاولة الانقلابية التي نفذها الجيش التركي، واتهم أردوغان جماعة فتح الله غولن بالوقوف خلفها، وهي المحاولة التي تمكن أردوغان من إحباطها وتجاوزها.

عقب هذه المحاولة، وفي نيسان/أبريل 2017، جرى استفاء شعبي على تعديلات دستورية، تمت الموافقة عليها من قبل 51.4% من الناخبين الأتراك، وبموجبها تم الانتقال من نظام الحكم البرلماني إلى النظام الرئاسي.

وفي حزيران/يونيو 2018 جرت الانتخابات الرئاسية لأول مرة ضمن النظام الرئاسي الجديد، ليحصل أردوغان على 52.28% من أصوات الناخبين، متفوقًا على منافسه الأبرز في حينه، محرم إنجه.

احتفالات بفوز أردوغان في أنقرة

إنجازات ونجاحات

شهدت فترة حكم أردوغان نجاحات كبيرة، ساهمت بنقلة نوعية للبلاد في جميع النواحي الاقتصادية والصناعية والتجارية، وكانت النجاحات الاقتصادية البصمة الأبرز لأردوغان، خاصةً في سنوات حكمه الأولى، حيث عمل على إطلاق مشاريع ضخمة في كامل البلاد، لعبت دورًا في تحسين البنية التحتية، وتوفير إمدادات الكهرباء، والمياه، وبناء مدارس ومراكز رعاية طبية، وبناء الجسور، والطرق السريعة، والمطارات الحديثة، وشهد عمل المؤسسات في عهده تطورًا ملحوظًا، إضافة إلى ذلك اقتحمت تركيا مجال الصناعات الدفاعية.

كما أصبحت تركيا واجهة سياحية مهمة، وسجلت عائداتها السياحية أرقامًا مرتفعة، ففي عام 2021 ارتفعت المداخيل في هذا القطاع إلى نحو 25 مليار دولار أمريكي.

وخلال 20 عامًا من فترة حكم أردوغان، حدثت ثورة في مجال السكن بتركيا، حيث تم تشييد أكثر من 10 ملايين مسكن، وهو رقم "أكبر من نصف ما تم تشييده في جميع بلدان الاتحاد الأوروبي مجتمعة خلال الفترة ذاتها"، كما يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة أنقرة مليح يشيلباغ لوكالة "فرانس برس".

التحديات

في المقابل، وأمام كل هذه النجاحات، شكل الفشل النسبي في المحافظة على استقرار الوضع الاقتصادي للبلاد هاجسًا لأردوغان، خاصة مع الارتفاع الكبير للتضخم، وتراجع سعر صرف الليرة التركية، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار.

وأمام عجز الحكومة في السيطرة على الوضع، حاول أردوغان تدارك هذا المأزق، بالعمل على رفع الأجور للموظفين، وإطلاق الوعود بتجاوز الأزمة الاقتصادية في المرحلة المقبلة.

وشرع الرئيس التركي في اتباع سياسة اقتصادية جديدة تهدف إلى دعم الصادرات والنمو المحلي، بهدف الوصول إلى فائض في الحساب الجاري التركي.

كما يُعد الملف الأبرز حاليًا، تجاوز نتائج الزلزل الذي ضرب جنوب البلاد في شباط/ فبراير الماضي، وهو أبرز التحديات التي تواجه أردوغان، مع وصوله للحكم للمرة الأخيرة في مسيرته السياسية.

يُعد الملف الأبرز حاليًا، تجاوز نتائج الزلزل الذي ضرب جنوب البلاد في شباط/ فبراير الماضي، وهو أبرز التحديات التي تواجه أردوغان

بدأت مسيرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بتحديات وأزمات تواجه تركيا، كان أبرزها الأزمة الاقتصادية، التي تمكن خلال سنوات حكمه الأولى من تجاوزها، والعمل على تقليل مستويات الضخم، ونقل تركيا من ناحية اقتصادية إلى مستويات مرتفعة، وعلى مدار سنوات تمكن من تثبيت الكثير من هذه الإنجازات، ومع ختام مسيرته السياسية، يعود أردوغان مرةً أخرى من أجل مواجهة التحدي الاقتصادي الأبرز، والذي يتطلب معالجة واسعة له، إلى جانب قضايا سياسية أخرى سواء داخليًا أو خارجيًا.