28-مايو-2019

من المسلسل

كانت حلقات مسلسل دقيقة صمت تسير بإيقاع موزون كما كان مخططًا لها من قبل صنّاع العمل، ويدخل ببطء مع تصاعد أحداثه في منافسة باقي الأعمال خلال الموسم الرمضاني حتى قبل أيام قليلة، عندما ظهر كاتب العمل سامر رضوان، على شاشة تلفزيون الجديد اللبناني مثيرًا بتصريحاته سجالًا يدخل في ثنائية نظام/معارضة، وهو الحديث الذي يشكّل حساسية لفريق العمل الذي يضم طيفًا واسعًا من نجوم الدراما المعروفين بتأييدهم للنظام السوري باستثناء كاتب العمل طبعًا.

لم يخرج رضوان في تصريحاته للقناة اللبنانية عمّا يكتبه بشكل دائم عبر صفحته الشخصية على منصة فيسبوك

لم يخرج رضوان في تصريحاته للقناة اللبنانية عمّا يكتبه بشكل دائم عبر صفحته الشخصية على منصة فيسبوك. صاحب "لعنة الطين" أعاد تأكيده على موقفه الثابت من النظام السوري بقوله إن العمل: "صرخة احتجاج في وجه السلطة، معركتي لم تكن في يوم من الأيام مع أي سوري إلا مع هذه السلطة"، وكما كان متوقعًا أشعلت هذه التصريحات جبهات المنصة الزرقاء بين الأوساط المؤيدة والمعارضة التي وجدت حالها منقسمة بين نفسها، ووقعت في سجال الدفاع أو الهجوم على رضوان، لترتفع بعدها وتيرة النقاش مع ظهور تصريحات رسمية تؤكد عدم توافقها مع ما ورد على لسان كاتب العمل.

اقرأ/ي أيضًا:دراما الثورة السورية (2).. الولادة من الخاصرة

أولى التصريحات كانت على لسان منتِجَي العمل، شركتي "إيبلا" السورية و"صبّاح إخوان" اللبنانية، اللتين أكدتا في بيان مشترك نأيهما عن تصريحات رضوان، وأن "إطار المسلسل دراميّ بحت وتوظيفه سياسيًا لا يعبّر عن موقفهما بأي شكل من الأشكال"، دون أن يسهيا عن توجيه الشكر للجهات الرسمية التي ساعدت في إنجاز العمل، وتأكيد حصولهم على "التصريحات اللازمة من الجهات الفنية المسؤولة في سوريا".

يبدو أن تصريح شركتي الإنتاج أثار أزمة نفسية تدخل في ثنائية المسموح/الممنوع لدى الجهات الرقابية في وزارة الإعلام لحكومة النظام السوري، ربما جعلت المسؤول عن منح الموافقة يقع في شرك تأنيب الضمير، وهو الأمر الذي فيما يبدو جعل المؤسسة الرسمية تسرع لتفادي فضيحة السمح، وأصدرت بيانًا تتنصل فيه من مسؤوليتها بالموافقة على النص، ونأت بنفسها عما جرى تصويره لتصرفات "المسؤولين الفاسدين"، دون أن تنسى التذكير بأن المسلسل لم يحصل على موافقة "العرض والتصدير" لأنه لم يعرض على لجان المشاهدة الرقابية رغم تصويره داخل سوريا.

حرب البيانات التي بدأت بين رضوان وصناع العمل أو حتى وزارة الإعلام لم تقف هنا، بل شملت الفنان معين شريف – أدى بصوته مقدمة المسلسل – الذي خرج بتسجيل مصور لا يتجاوز 20 ثانية، أكّد على براءته من تصريحات رضوان، والواضح هنا أن الردود التي نحّت نفسها عن تصريحات رضوان دفعته للخروج مجددًا عبر صفحته الرسمية بتسجيل مصور.

حاول رضوان عبر التسجيل استخدام خطاب متوازن لا يؤثر على الجماهيرية التي بدأ يحظى بها "دقيقة صمت" بعد تصريحاته الأخيرة التي فاجأت الشارع المؤيد للنظام السوري. خلال التسجيل الأخير نفى رضوان أن يكون أراد "إثارة بطولات شخصية"، ونوّه إلى أن الحديث المنشور هو جزء من حوار مدته 40 دقيقة أجراه مع القناة اللبنانية، وأكّد على أنه ضد الفساد والفاسدين والنظام السوري مجددًا.

يقدم "دقيقة صمت" حبكة درامية تعيد البطل من الموت، الأمر الذي يشعل صراعًا في قريته بين شيخها والأشخاص المؤمنين ببركات الأولياء الصالحين

يواجه "دقيقة صمت" حاليًا انتقادات متوالية من الجمهور الموالي للنظام السوري، وأبناء الطائفة العلوية الذين رأوا أن العمل يحرض على الطائفة، وهناك من تكفّل بالدفاع عن مسؤولي وقيادات النظام السوري لاتهامهم بالفساد، لكن الأهم في الانتقادات التي وجهت لرضوان ضمن هذا السياق أنها لم تخرج عن إطار تصريحاته اتجاه النظام السوري، بل جرى تسويقها واستخدامها ضمن انتقادهم لرضوان، ووصول البعض لاتهامه بالعمالة لإسرائيل!

اقرأ/ي أيضًا: 10 مسلسلات سورية للنقد والمتابعة في رمضان

فعليًا شكّل السجال الحاد الذي أثير حول دقيقة صمت دفعة قوية للمسلسل الذي تمكن أخيرًا من حجز مقعد في سباق الموسم الرمضاني لهذا العام بتوقيع المخرج التونسي شوقي الماجري، فالمسلسل تدور أحداثه حول شخص محكوم بالإعدام يهرب من السجن يوم تنفيذ الحكم، ويبدأ في صراع مع مجموعة من المسؤولين في جهاز المخابرات نتيجة اكتشافه لقضايا فساد متهمين بها، ويفاوض على منحه عفوًا عام مقابل صمته رغم اعترافه بارتكاب جريمة قتل.

يقدم رضوان حبكة درامية تعيد عابد فهد (أمير ناصر) من الموت، الأمر الذي يشعل صراعًا في قريته بين شيخها والأشخاص المؤمنين ببركات الأولياء الصالحين، هكذا يتحوّل الرجل المحكوم بالإعدام من قاتل إلى صاحب كرامات، هو بالأصل قبل ارتكاب جريمته كان واحدًا من الأبطال الشعبيين الذين تحاك حولهم الحكايا الأسطورية، تتطور الأحداث مع عودته لبلدته التي اختار رضوان أن تكون واقعة على الحدود السورية – اللبنانية، ولم يحدد فترًة زمنية لأحداث المسلسل، المؤكد هنا أنها تجري قبل عام 2011.

وهنا يجدر بنا التذكير أن رضوان اشتغل سابقًا في مسلسل "الولادة من الخاصرة" بأجزائه الثلاثة على ثنائية الضباط الشرفاء/الفاسدين، وحاول في الجزء الثالث أن يعكس الأسباب التي أدت لتصاعد العنف في سوريا بعد انطلاق الاحتجاجات الشعبية في آذار/مارس 2011، ما جعله مكروهًا عند مؤيدي النظام السوري.

وقد سبقت هذه الأجزاء باكورة أعمالة مسلسل "لعنة الطين" الذي قدمه باللهجة المحلية لسكان الساحل السوري، وكان عملًا متميزًا من كافة الجوانب الفنية والحبكة الدرامية، لكنه لم يخرج عن إطار الصراع الصراع بين الضباط الفاسدين/الشرفاء، وجرى الغمز يومها إلى أن المقصود بالعمل نائب رئيس النظام السوري الأسبق عبد الحليم خدام الذي طار إلى باريس ليصبح معارضَا للنظام بعد إقالته من منصبه.

رغم محاولة رضوان الحفاظ على الحبكة الدرامية للمسلسل، برزت ثغرات واضحة في نوعية صياغتها، كأن يقوم مسؤولون أمنيون خططوا لتنفيذ استعصاء داخل أحد السجون السورية للتخلص من ضباط شهود بمفاوضة رجل محكوم بالإعدام، فكرة غير واردة بالأساس في بلد محكوم من نظام بوليسي، هذه الحبكة ليست واقعية قياسًا إلى أعمال رضوان السابقة، رضوخ المسؤولين لفهد غير منطقي، حتى فكرة إعادته من الموت، وتفاعل عائلته وبعض سكان القرية معها كانت باهتة، وصلنا حاليًا للحلقة الـ21 علينا الانتظار حتى النهاية لنعرف ماذا يخبئ لنا رضوان.

ولعّل هذا السبب في صراع الضباط الشرفاء/الفاسدين هو ما أثار غيرة وزارة الإعلام لتخرج ببيانها الهزلي كرد على تصريحات رضوان، وعلينا هنا التأكيد على نقطة أساسية مرتبطة بحصول العمل على موافقة الجهات الرقابية، فعليًا شهدت الدراما السورية قفزًة فنية متقدمة بجودة الأعمال التي أنتجت منذ عام 2003 تقريبًا، قبل أن تنحدر بمستواها الفني منذ عام 2014 باستنثاء بعض الأعمال التي أنتجت بعد هذا التاريخ، لتعود هذا العام بأعمال مميزة نوعًا ما.

دخل "دقيقة صمت" في دوامة من الصراعات البيانية والافتراضية والدرامية، وأشعل الجبهات التي تريد أن تنأى بنفسها عن تصريحات كاتبه

هنا، لا ننسى التذكير بأنه لو لم تحصل هذه الأعمال على موافقة الجهات الرقابية في وزارة الإعلام ما كانت لترى طريقها لشاشات العرض التلفزيوني أولًا، وأنها جاءت في سياق "مسيرة التطوير والتحديث" التي كان يقودها رئيس النظام السوري بشار الأسد منذ توليه للسلطة ثانيًا، وكانت جزءًا من الترويج لسياسة النظام السوري برفعه السقف الرقابي للحديث عن قضايا الفساد والرشوة و"المعارضة الوطنية" طبعًا من وجهة نظره لا وجهة نظر الشارع.

اقرأ/ي أيضًا: العلويون.. أبناء الخوف أم رعاته؟!

هكذا إذًا دخل "دقيقة صمت" في دوامة من الصراعات البيانية والافتراضية والدرامية، وأشعل الجبهات التي تريد أن تنأى بنفسها عن تصريحات كاتبه، وحاولت التأكيد على أن العمل ليس سوى مسلسل درامي، كل ذلك صبّ في صالح تصنيف العمل الذي كان منتظرًا بطبيعة الحال من قبل متابعي الدراما الرمضانية، لكن الحرب الأخيرة التي دارت رحاها داخل أروقة المنصة الزرقاء جعلت المتفرجين يبدؤون بالتربص بقصة العمل، ورفعت من نسبة التأويلات والتوقعات التي قد لا تخرج عن المألوف والسائد في نهايات الأعمال الدرامية عمومًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الدراما السورية في رمضان 2019.. المكتوب الواضح من عنوانه

أمة فيها "جبل شيخ الجبل" لن تهزم!