31-مايو-2019

من المسلسل

يقدم محمد عبد العزيز، بالاشتراك مع بشار عباس، في مسلسل "ترجمان الأشواق" عملًا دراميًا يتماهى تمامًا مع ما حدث في سوريا منذ عام 2011 من وجهة نظر النظام السوري، رؤية واحدة تحكم المسلسل الذي لم يحصد الجماهيرية المتوقعة، وأثيرت حوله الأحاديث والأقاويل بأنه سيكون واحدًا من الأعمال الجريئة التي تعارض النظام السوري القائم، ويفضح الفساد المتغلغل في مؤسسات الدولة الرسمية، والأهم من ذلك أنه سيلقى إقبالًا لدى الجمهور المُعارض قبل الموالي، لكنه جاء على عكس ذلك بتخصيصه للجمهور الموالي فقط.

مسلسل "ترجمان الأشواق" عمل دراميّ تلفزيوني يتماهى تمامًا مع ما حدث في سوريا منذ عام 2011 من وجهة نظر النظام السوري

كان من المفترض أن يرى ترجمان الأشواق طريقه للشاشات الصغيرة خلال الموسم الرمضاني لعام 2017 قبل قرار فريق العمل بتأجيله لعام 2018، قيل يومها إن السبب عدم الانتهاء من تصوير المشاهد الأخيرة، لكن العام التالي شهد منع العمل من العرض لعدم حصوله على موافقة رقابة المُشاهد في التلفزيون، بعدها خرج قرار ثانٍ عن وزارة الإعلام في حكومة النظام السوري يناقض الأول، يقول مضمونه "تم الاتفاق على عرض ترجمان الأشواق المتميز فنيًا في الوقت المناسب"، فكان عرضه خلال الموسم الرمضاني الجاري.

اقرأ/ي أيضًا: مسلسل "دقيقة صمت".. حرب البيانات وسجالات الفيسبوك والحبكة الدرامية أيضًا

إذًا، نحن هنا أمام عمل درامي كتب خلال عام 2016 في موازنة تاريخية لتأجيله أول مرة، في المرحلة التي شهدت بدء عمليات التهجير في مناطق ريف دمشق، بالإضافة إلى حلب، لذلك ليس غريبًا أن يلعب غسان مسعود دور عرّاب المصالحات بين النظام السوري وفصائل المعارضة السورية، على الأرجح في أرياف دمشق.

في أحد المشاهد أثناء التفاوض على إبرام اتفاق مصالحة يهدّد مسعود مفاوضه بـ"الباصات الخضراء" إذا رفضوا شروط المصالحة، في إشارة لمقاتلي المعارضة مع عوائلهم الذين رفضوا المصالحة، وقرروا الخروج إلى شمال سوريا بالباصات الخضراء.

أعطى المنع، والسجال الذي دار حول ترجمان الأشواق خلال العامين الماضيين زخمًا كبيرًا للمسلسل في الأوساط السورية، بدأت تهمس بالأسباب التي دفعت وزارة الإعلام لمنعه، وثم السماح بعرضه لاحقًا، رغم أن المسلسل حتى الحلقة الـ25 لم يخرج عن رواية النظام السوري الكلاسيكية لما حدث في سوريا، المؤامرة الكونية، واليد الخارجية التي أوغلت في البلد تدميرًا.

لم يُفضح الفساد الذي تحدّث عنه صنّاع العمل، اللهم إذا كان المقصود عملية دفع الفدية لتحرير المختطف، لأن مناطق سيطرة النظام تعجُّ بالخاطفين وطلبات الفدية، على الأقل هكذا تخبرنا الصفحات الموالية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك؛ لذا المقصود هنا تقديم رواية النظام السوري بشكل أكثر من كامل، بدءًا من جبهات القتال مرورًا بالمحققين اللطفاء جدًا، وتسهيل خطوات العودة إلى "حض الوطن" للراغبين بذلك، وليس انتهاءً بالخطف والقتل.

وينطلق ترجمان الأشواق من إخراج وتأليف عبد العزيز، السيناريو والحوار لعباس، من قصة ثلاثة أصدقاء يساريين قادتهم الظروف للافتراق، عباس النوري (نجيب) الذي هجر السياسة لصالح الترجمة والعمل الفكري بعدما هرب من البلاد بطريقة غير شرعية قبل 20 عامًا من اندلاع الاحتجاجات السورية، وفايز قزق (كمال) صاحب المكتبة الذي لا يزال أسير الشيوعية غير متصالح مع هزائمها، العاشق للراقصة شاليمار، قدمت الشخصية نوّار يوسف بأداء فريد ومتميز، وأخيرًا غسان مسعود (زهير) الطبيب الذي تحول من الشيوعية إلى الصوفية، وأصبح عرابًا للمصالحات بعد عام 2011.

يقرّر النوري العودة إلى سوريا للبحث عن ابنته التي اختطفت أثناء ذهابها لتقديم المساعدات الإنسانية، دون أن يتم تحديد الجهة التي كانت ذاهبة إليها الفتاة، يترك عبد العزيز فضاء المكان مفتوحًا للتأويلات، لكن ليس كما باقي المشاهد، مثل مشهد الحوار بين الضابط المثقف المحب لبلده سعد مينا والنوري عندما يستدعى الأخير للتحقيق بعد عودته إلى "حضن الوطن"، للأمانة لو كان جميع المحققين "لطفاء جدًا" مثل المحقق مينا لما هجّ هذا العديد السوري إلى بلاد الشتات!

ضمن هذا الإطار تنسج حكاية "ترجمان الأشواق"، مع جرعات من الحضرات الصوفية التي يحضرها مسعود، وظهور المقامات الدينية، فعنوان العمل بالأساس مقتبس عن عنوان كتاب يحمل عين الاسم لمولانا محي الدين ابن عربي، كتبه حين وقع بحب النظّام بنت أبي شجاع الأصفهاني، وشارة العمل من قصيدة هجران للشيخ أبي منصور الحلاج، وللأمانة مقدمة العمل المؤداة بصوت ميرنا سكيف كانت ناجحة.

العمل مليء بالترميزات التي يسوقها النص، بوسترات كارل ماركس إلى جانب فيديل كاسترو وفلاديمير لينين، عمر أميرلاي إلى جانب سليم بركات ومحمد ملص مع زياد الرحباني، ونزيه أبو عفش الذي يتهم الجميع بالعمالة إلا نفسه، قصيدة "يا سوريا الحزينة" لرياض الصالح الحسين معلقة كجدارية على الحائط إلى جانب صورته في غرفة ابنة النوري المخطتفة، لوحات يوسف عبدلكي نجدها حاضرة بكثرة في الأمكنة، صحيفة قاسيون الشيوعية لمالكها قدري جميل، يمكن القول إن الإكسسورات الشيوعية حاضرة في المكان والنص معًا بامتياز ملاحظ، باستثناء المقولة الشهيرة للأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي السوري خالد بكداش: "عندما تمطر في موسكو.. نرفع الشماسي في دمشق".

لا يقف الترميز عند المصطلحات الشيوعية كالبريسترويكا، أو الإشارات لآباء المسرح التجريبي السوري، فواز الساجر وسعد الله ونوس، بل يحضر أيضًا الاستعارات الدينية التي يستند لها صناع العمل للإشارة لما يحدث في سوريا، منها الحديث النبوي "تكون فتنة تعرج فيها عقول الرجال حتى ما تكاد ترى رجلًا عاقِلا" خلال أحد الحوارات، والمقصود بالحديث الفتنة الثالثة بالإشارة للاضطرابات التي عمّت الخلافة الأموية بعد وفاة الخليفة هشام بن عبد الملك، كل هذه الترميزات كان واضحًا أن هدفها بعث رسائل منها مباشر، ومنها غير المباشر لطبقات محددة أُريد الحديث عنها من مبدأ نوستالوجي يتغذى على هزائم الاتحاد السوفياتي.

كذلك ينعدم حضور باقي الطبقات الاجتماعية في ترجمان الأشواق، طبقة واحدة التي يصورها المسلسل، هي طبقة اليساريين والمثقفين السوريين، الميسورة ماليًا خلال الأزمة الاقتصادية الراهنة، حتى عائلة كمال اليساري دخلها المالي متوسط ليس لديها الحاجة ماليًا، لا إشارة لحركة النزوح أو العوائل التي كانت تفترش الحدائق قرب حي المرجة أو أحياء دمشق القديمة، لا وجود لكل هذه المظاهر رغم ظهور أصوات القصف.

يذكّر مسلسل "ترجمان الأشواق" بالهاون العشوائي، دون الإشارة للمقاتلات الحربية التي حوّلت سماء سوريا أوتسترادًا مفتوحًا للقصف بشتى أنواع الأسلحة

حضر أيضًا التذكير بالهاون العشوائي دون الإشارة للمقاتلات الحربية التي حوّلت سماء سوريا أوتسترادًا مفتوحًا للقصف بشتى أنواع الأسلحة، لكنها ساهمت باستخدام المناطق المدمرة في حزام الأرياف الدمشقية كمواقع، وجدها عبد العزيز جاهزًة لتقديم عمله المميز من ناحية التصوير، حركة الكاميرا في بعض اللقطات، والموسيقى التصويرية، مع إثقال مفرط لاستخدام لقطات جوية بالطائرات المسيّرة، كانت هي الأخرى متميزة فنيًا عند صاحب "دمشق مع حبي".

اقرأ/ي أيضًا: مسلسل الكاتب.. سقوط الدراما البوليسية من المنافسة الرمضانية

كل هذه الإكسسورات اليسارية المتناسقة مع رواية النظام السوري تدفعنا للتساؤل عن الأسباب الموجبة لمنع العمل من العرض العام الماضي، أتوقّع أن السبب كان انتظار فك الحصار المفروض سابقًا على الأعمال الدرامية السورية عربيًا، وحركة المنع التي فرضت على "ترجمان الأشواق" لم تكن إلا بهدف ترويجه عربيًا كي يحظى بجماهيرية أكبر من المتوقعة بعد فك الحصار عنها.

اقرأ/ي أيضًا:

محمد رمضان.. ممثل ومخرج ومؤلف ومصلّح ساعات!

4 مسلسلات مغربية في رمضان 2019