09-يوليو-2019

تسعى روسيا إلى إعادة تأهيل النظام السوري دوليًا من بوابة تل أبيب (أ.ب)

الترا صوت – فريق التحرير

يبدو أن الاجتماعات التي باتت تجمع بين ضباط من النظام السوري مع الجانب الإسرائيلي بوساطة روسية لم تعد مفاجئة، بعد موجة التنافس بين الأنظمة العربية ضمن السباق الجاري بدعم أمريكي في المنطقة العربية للتطبيع مع إسرائيل، على الرغم من أن الاجتماعات التي تجري بين النظام السوري وتل أبيب تحمل طابعًا خاصًا في إطار المساعي الروسية لإعادة تأهيل رئيس النظام السوري بشار الأسد دوليًا، والذي يظهر أن موسكو تريد استثمار تل أبيب فيه كورقة ضغط دولية تعيد الشرعية للأسد المعزول دوليًا.

من الواضح أن تل أبيب لا تزال ترغب بإبرام اتفاق مع النظام السوري رغم ما يعانيه من عزلة دولية، وليس مستبعدًا أن تلعب موسكو دورًا مهمًا في هذا السياق يمكن إدراجه ضمن محاولتها إعادة الشرعية للنظام

الروس ينظمون لقاء بين رجل الأسد وضباط إسرائيليين

فضمن الحراك الروسي دبلوماسيًا لإعادة تدويل الأسد في المنطقة العربية أولًا، كشفت تقارير صحفية  قبل أيام عن اجتماع عقد بين وفد من النظام السوري برئاسة رئيس إدارة المخابرات الجوية جميل الحسن وضباط من الفيلق الخامس مع ضباط من الاستخبارات الإسرائيلية نهاية الشهر الماضي، في قرية سرية الصفرة في أم اللوقس المحاذية للحدود مع هضبة الجولان المحتل، والمنطقة هي نقطة مراقبة روسية تنتشر فيها الشرطة العسكرية الروسية التي قامت بتنسيق الاجتماع بين الطرفين.

أقرأ/ي أيضًا: الغارات الإسرائيلية والأمريكية على سوريا.. ما علاقة لقاء القدس الأمني بذلك؟

الاجتماع الذي استمر بين الطرفين قرابة الأربع ساعات لم يخرج بنتائج مهمة وفقًا لما ورد ضمن التقارير الصحافية، التي أشارت إلى أن الحسن رفض عرضًا إسرائيليًا رغم أنه لقي ترحيبًا روسيًا، ينص على دمج الفيلق الخامس مع قوات النظام السوري، واعتباره جزءًا من المؤسسة العسكرية للنظام، وإخراج المليشيات الإيرانية من المنطقة مسافة 55 كم عن الحدود مع الجولان، مقابل تمويل إسرائيل عملية قتال المليشيات الأجنبية المدعومة من إيران التي ترفض الانسحاب من الحدود بدعم روسي.

وكان النظام السوري قد أعلن في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2016 عن تشكيل الفيلق الخامس اقتحام ليكون بمثابة قوات رديفة لقوات النظام السوري، ولقي الفيلق في بدايات تشكيله دعمًا من طهران وموسكو اللتين أشرفتا على تدريبه، قبل أن تنفرد موسكو بإدارة الفيلق ليصبح ذراعها العسكرية محليًا في سوريا، حيثُ رأى مراقبون سابقًا أن موسكو تريد من وراء الفيلق الخامس مواجهة الميليشيات الأجنبية الموالية لإيران في سوريا.

ماذا تريد إسرائيل من الأسد؟

من الواضح أن تل أبيب لا تزال ترغب بإبرام اتفاق مع النظام السوري رغم ما يعانيه من عزلة دولية، وليس مستبعدًا أن تلعب موسكو دورًا مهمًا في هذا السياق يمكن إدراجه ضمن محاولتها إعادة الشرعية للنظام السوري من بوابة صفقة القرن، والزيارات المتبادلة بين مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية ومسؤولين عرب بشكل مكثف كما هو ملاحظ خلال الشهرين الماضيين.

ولعبت موسكو في وقت سابق من العام الجاري دورًا مهمًا في هذا الإطار عندما قادت وساطة بين النظام السوري وتل أبيب في نيسان/أبريل الماضي أفضت لإطلاق تل أبيب سراح الأسيرين السوريين أحمد خميس وزيدان الطويل مقابل تسليم روسيا قبلها بأيام رفات الجندي الإسرائيلي زخاري باومل الذي كانت رفاته متواجدة في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوب دمشق.

وكانت صحيفة هآرتس العبرية قد نشرت موخرًا تقريرًا مطولًا كشف عن وصول محادثات السلام بين النظام السوري والجانب الإسرائيلي لمراحل متقدمة بوساطة كانت تقودها واشنطن جرى خلالها مناقشة الانسحاب الإسرائيلي إلى خط الرابع من حزيران/يونيو 1967، لكنها توقفت في عام 2011 بعد انطلاق الثورة السورية.

ووفقًا لمعظم التقارير الصحفية، أو التصريحات الصادرة عن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، فإن تل أبيب تعتبر مشكلتها الوحيدة مع النظام السوري هي تحالفه مع طهران التي ينتامي بشكل متسارع في جنوب سوريا قرب الحدود مع هضبة الجولان المحتل، الأمر الذي يثير مخاوف تل أبيب من تنفيذ الميليشيات الأجنبية المدعومة من إيران هجومًا على حدودها الشمالية.

وهو ما يظهر واضحًا في تصريحات نتنياهو السابقة، والتي أكد فيها على أن تل أبيب لم تواجه "أية مشكلة مع نظام الأسد منذ 40 عامًا"، ومشيرًا في الوقت ذاته إلى أن مشكلتها الأساسية تكمن في التواجد الإيراني على الأراضي السورية، وهو ما أكدته التطورات السابقة التي كان أهمها تغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعلانه اعتراف بلاده بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتل في وقت سابق من العام الجاري.

تل أبيب قدمت عرضًا مماثلًا لموسكو

التطورات السابقة بخصوص التنسيق الذي تقوده موسكو كوسيط متوافق عليه بين النظام السوري وتل أبيب أولًا، وقبول أمريكي بشكل أصبح مباشرًا مؤخرًا في المرتبة الثانية، تضعنا أمام ترجيحات تقود لعدم فصل لقاء الحسن مع الضباط الإسرائيليين الذي جاء بعد أيام قليلة من لقاء القدس الأمني الذي نظمته تل أبيب بحضور نتنياهو، ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شبات ونظيريه الأمريكي جون بولتون، والروسي نيكولاي باتروشيف، الذي ناقش التواجد الإيراني في سوريا، وتقديم الجانب الإسرائيلي ضمانات لموسكو فيما يخص تواجدها في سوريا.

وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية وغربية عن أن الاجتماع ناقش مجموعة من القضايا فحواها النهائي استعداد واشنطن وتل أبيب للمساعدة في تأهيل النظام السوري إقليميًا ودوليًا، مقابل مساعدة روسيا في إخراج القوات الإيرانية والميليشيات الأجنبية التي تمولها طهران من سوريا، ويشابه العرض الذي قدم لموسكو خلال اللقاء الأمني عرض وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو خلال زيارته سوتشي في منتصف أيار/مايو الماضي التي التقى فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فضلًا عن طرح مماثل قدمه نتنياهو خلال زيارته الأخيرة لموسكو في نيسان/أبريل الماضي.

كذلك فإن الضربة الإسرائيلية الأخيرة استهدفت مطلع الشهر الجاري مواقع عسكرية في أرياف دمشق وحمص تستخدمها القوات الإيرانية والميليشيات الأجنبية الموالية لها، لا يمكن فصلها عن إطار الاجتماع الذي جرى بين الحسن والضباط الإسرائيليين الذي نتج عنه رفض الحسن للمقترح الإسرائيلي، ويمكن تعزيز هذا الربط بحجم الضربة التي قيل إنها الأعنف حيثُ أسفرت عن مقتل ستة مدنيين بينهم طفل وامرأة، هذا وكان الجيش الإسرائيلي قد نفذ على مدار السنوات الثماني الماضية مئات الغارات الجوية بالتنسيق مع واشنطن وموسكو للحد من النفوذ الإيراني المتنامي في سوريا.

لذا فإن تفاصيل العرض الإسرائيلي الذي قدم للحسن لا يمكن فصله عن لقاء القدس الأمني الذي فشل خلاله المجتمعون بالتوصل لاتفاق حول التواجد الإيراني في سوريا، أو الضربة الأخيرة التي أكدت فشل لقاء القدس الأمني، وهو ما ظهر واضحًا في رد موسكو على الضربات الإسرائيلية الذي خرج عن التصريحات التقليدية بخصوص الضربات الإسرائيلية السابقة، وجاء على لسان المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بقولها إن الضربة تمثل "تصعيدًا للوضع"، وتحمل في مضمونها "تهديدًا بزعزعة الاستقرار الإقليمي، التي لا يمكن في ظروفها ضمان مصالح الأمن القومي لأي من دول الشرق الأوسط بشكل آمن".

تغييرات في رؤوس قادة الأجهزة الأمنية للنظام السوري

وتزامنًا مع ظهور التقارير التي كشفت تفاصيل اجتماع الحسن مع الضباط الإسرائيليين، تداولت صفحات موالية للنظام السوري على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أمس الأحد أخبارًا حول تغييرات طالت رؤوس أفرع المخابرات والأجهزة الأمنية للنظام السوري، والتي كان فرع المخابرات الجوية الذي يرأسه الحسن جزءًا منها، وهو ما أكدته وكالة رويترز.

ووفقًا لما تداولته الصفحات الموالية فإن النظام السوري عيّن اللواء حسام لوقا مديرًا لإدارة المخابرات العامة المعروف بمسمى "فرع أمن الدولة" خلفًا للواء ديب زيتون، واللواء ناصر العلي رئيسًا لشعبة الأمن السياسي خلفًا للواء لوقا الذي أصبح مسؤولًا عن فرع أمن الدولة، كما عيّن اللواء ناصر ديب مديرًا لإدارة الأمن الجنائي خلفًا للواء صفوان عيسى، واللواء غسان جودت إسماعيل مديرًا لإدارة المخابرات الجوية خلفًا للحسن، ومن المعروف أن الحسن وإسماعيل مدرجان ضمن قائمة الأسماء التي استهدفها الاتحاد الأوروبي وواشنطن بعقوبات اقتصادية لارتكابهما جرائم بحق الإنسانية.

أقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: الاجتماع الأمني الثلاثي في القدس.. الأهداف والنتائج

وليس معروفًا إن كان التغيير الذي طال الحسن مرتبط بموسكو التي تحاول أن تضع ضباطًا موالين لها في مناطق حساسة حتى تضمن عدم سيطرة طهران على المؤسسة العسكرية السورية، فهي ضمن هذا الإطار عملت في وقت سابق على تعيين اللواء كفاح ملحم رئيسًا لشعبة المخابرات العسكرية خلفًا للواء محمد محلا المحسوب على الجانب الإيراني، وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على الحسن المعروف عنه قربه من الجانب الإيراني عوضًا عن الروسي. بالإضافة إلى ترجيح بعض الآراء، أن الإقالة قد تكون مرتبطة بانتشار الأنباء عن الاجتماع مع الإسرائيليين.

وفقًا لمعظم التقارير الصحفية، أو التصريحات الصادرة عن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، فإن تل أبيب تعتبر مشكلتها الوحيدة مع النظام السوري هي تحالفه مع طهران التي ينتامي بشكل متسارع في جنوب سوريا

وفي وقت سابق من العام الجاري عملت موسكو على تجميد العميد غسان بلال اليد اليمنى لقائد الفرقة الرابعة ماهر الأسد، ومدير مكتبه بالوقت ذاته، حيثُ عملت موسكو على وضعه رهن الإقامة الجبرية، وعملت على تقليص صلاحياته بشكل كبير، وأفادت تقارير أن موسكو من وراء المكتب الأمني للقصر الجمهوري تقوم بالتحقيق مع بلال في ملفات تصنيع وترويج المخدرات، وهو ما يظهر تصفية روسية لنفوذ بلال في الفرقة الرابعة المعروفة بولائها لإيران.

 

أقرأ/ي أيضًا:

الفيلق الخامس اقتحام.. روسيا تزج برجال الأسد في المحرقة

مطار دمشق تحت نيران إسرائيل.. تنسيق مناورات تل أبيب وموسكو المستمر