03-يناير-2017

مبنى مجلس الدولة (محمد الشاهد- أ ف ب-Getty)

استيقظت القاهرة صباح أمس، الاثنين، على نبأ انتحار المستشار وائل شلبي، الأمين العام السابق لمجلس الدولة، والمتهم في القضية المسماة بـ"الرشوة الكبرى"، داخل محبسه بعد ساعات من قرار النيابة بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيقات.

شكك معلقون في رواية النظام المصري عن انتحار وائل شلبي، المتهم بالرشوة، كون انتحار "الفاسدين" في مصر حدثًا نادرًا وربما لم يحدث من قبل

وكان من المنتظر أن يستجوب شلبي وتتم مواجهته بتحريات هيئة الرقابة الإدارية حول واقعة الرشوة محل التحقيق، وما تضمنته من تسجيلات لمحادثات هاتفية، والتي كشفت عن تورطه فيها، وكذلك الأدلة الأخرى المقدمة ضده من هيئات رقابية مصرية بخصوص تلك الواقعة، وذلك بعد استقالته من منصبه بعدما أكّد مجلس الدولة أنه لا يتستَّر على أي فساد أو فعل يخالف القانون، وطلب منه الاستقالة حفاظًا على سمعته، وحتى لا يقال إن الأمين العام للمجلس يخضع للتحقيق والمساءلة القانونية في تهمة مخلّة بالشرف والأمانة.

وهو ما حدا بمحللين مصريين إلى الدفع بعدة روايات وسيناريوهات وراء انتحار -أو مقتل- وائل شلبي.

اقرأ/ي أيضًا: تيران وصنافير..في المحاكم إلى الأبد؟

الرواية الرسمية: "انتحر شنقًا برابطة العنق"

التحقيقات الأولية، التي جرت مع مدير المشتريات، المتهم الأول في القضية، والذي ضبط بحوزته مبالغ مالية ومشغولات ذهبية بقيمة 200 مليون جنيه مصري، 10 ملايين دولار، أشارت إلى أن شلبي هو المسؤول الأول عن الموافقة على صفقات المشتريات والتوريدات كافة، والتي يجريها مجلس الدولة على مستوى الجمهورية. ووقع شلبي تحت عدة ضغوط ساهمت في قراره بالانتحار، علمًا وأن الرواية الرسمية هي أنه فكّ رابطة العنق التي كان يرتديها، وشنق نفسه بها خلال تواجده بالحبس الانفرادي، وكان الانتحار الغامض مربكًا للنظام المصري ، لذا أراد الخروج من القضية بنتيجة تبيّض وجهه.

أول الضغوط هي الاتصالات والوثائق التي أكدت تورطه في القضية عن طريق تسهيل تعاقد مجلس الدولة مع بعض الشركات، مستغلًا منصبه كأمين عام. الثاني، قرار النيابة بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق. الثالث، الكشف عن تورطه في وقائع فساد منذ عام 2012 حين كان عضوًا بالأمانة العامة للمجلس، وهو ما حوّله من شاهد إلى متهم.

تحليل نفسي: "الاكتئاب وراء الانتحار"

في تصريحات صحفية، كشف الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، سر انتحار وائل شلبي في إطار ظاهرة انتحار المسؤولين. قال: "الاكتئاب وراء انتحار أي مسؤول كبير، وانتحار المسؤولين سلوك سيكوباتي يخرج من شخص يشعر بالتعالي وأنه فوق القانون ولذلك لا يستوعب أن يحبس، أو يدخل السجن، وعند صدور القرار، فقد ثباته الانفعالي وانتحر". يرجّح استشاري الطب النفسي أن "شلبي لم يجد مخرجًا من القضية، وتذكر مركزه الوظيفي وأسرته.. ماذا تفعل حيال تلك الأزمة؟.. فأصبح رجل القانون مرتشيًا وفقد اتزانه وثباته، ولم يجد فرصة للنجاة سوى الانتحار لأنه تأكّد أن حياته لن تكون أفضل فيما بعد".

معلقون آخرون قالوا إن خيار انتحار "الفاسدين" في مصر حدث نادر في ظل قوانين تسمح بالمصالحة، ودللوا على ذلك بأن أحدًا من رجال مبارك لم يفعل ذلك، حين تم سجنهم بعد الثورة.

اقرأ/ي أيضًا: إبراهيم عيسى خارج حظيرة السيسي..طباخ السم يذوقه

زميله بمجلس الدولة: "لم ينتحر"

وضع المستشار فؤاد عبد الفتاح، الأمين العام الجديد لمجلس الدولة، الذي جاء خلفًا لشلبي، سيناريو ثالثًا. شكَّك في قيام وائل شلبي بالانتحار، مستبعدًا فكرة أن يكون المستشار قتل نفسه داخل محبسه، بحجة أن "شخصيته لم تكن تميل للانتحار". وقال: "أعتقد أنه تعرض لضغوط نفسية كبيرة". وأشار زميله إلى أنه لم يكن قابلًا لفكرة إنهاء حياته خاصة قبل استقالته بقليل. وأكّد، من وجهة نظره، أن الوفاة غامضة. وروى مصدر قضائي تفاصيل الساعات الأخيرة قبل الوفاة الغامضة للمستشار شلبي. طلب رؤية عائلته، وقوبل طلبه بالرفض باعتبار أن الوقت لا يسمح خاصة خلال التحقيقات، وأصيب ببكاء هستيري، مردّدًا: "أنا معرفش حاجة، ومقدرش أتكلم".

شكك نشطاء في رواية السلطات المصرية عن انتحار وائل شلبي، مؤكدين أنّ خلية الفساد، التي شاركت شلبي في تقاسم الرشوة، وراء تصفيته

نشطاء: "نحروه ولم ينتحر"

رسم نشطاء مصريون خيوط سيناريو رابع يناقض الرواية الرسمية، التي تؤكد انتحار مستشار الرشوة الكبرى، خاصة أنه لدى المصريين تراث من حوادث التصفية بالشنق في السجون، ونسب القضية ككل إلى الانتحار، ما جعل أصابع الاتهام تتوجه إلى الدولة المصرية متهمين إياها بتصفية وائل شلبي في محبسه للتستّر على فاسدين آخرين كان سيعترف عليهم في أقواله، مسترجعين أحداث الفيلم المصري "واحد من الناس"، التي دارت حول حادث شبيه لمواطن تمّت تصفيته في السجن لكي لا يعترف على مسؤولين كبار.

وانتشرت تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي تصف الوفاة الغامضة لشلبي بالدرامية، وشكك نشطاء في رواية السلطات المصرية، مؤكدين أنّ خلية الفساد، التي شاركت شلبي في تقاسم الرشوة، قد تكون وراء تصفيته الآن.

لكن رغم تعدد السيناريوهات، يبدو أن قضية وفاة/انتحار وائل شلبي، ستمثل لغزًا جديدًا لن يتم فك شفراته بسهولة، قبل مرور زمن طويل.

اقرأ/ي أيضًا:

أحكام عارض فيها القضاء الإداري قرارات الدولة

 بحكم المحكمة..تيران وصنافير مصريتان