03-مايو-2019

تسعى إسرائيل إلى تعزيز نفوذها في راوندا رغم تاريخها الدموي هناك (أ.ب)

في شهر شباط/فبراير الماضي، افتتحت إسرائيل سفارة لها في راوندا، في خطوة لتعزيز نفوذها في منطقة شرق أفريقيا. وكانت السفارة قد أغلقت في العام 1973، على خلفية حرب أكتوبر، مثلها مثل الكثير من السفارات الإسرائيلية في أفريقيا، وتعمل اليوم بجهد لإعادة فتحها، وهي التي تمتلك في الوقت الراهن 10 سفارات من أصل 54 دولة في القارة. وقد تعهدت إسرائيل بتقديم خدمات ومساعدات في مجالات الصحة والتعليم والزراعة وتكنولوجيا المعلومات للدولة الأفريقية الغنية بالموارد، غير أن وثائق كشفتها تقارير جديدة، تبين أن تل أبيب قد تورطت بالفعل في التاريخ الدموي، الذي تسعى كيغالي منذ سنوات إلى تجاوزه.

في الوقت الذي ترفض فيه حكومة راوندا اليوم الاعتراف بحقوق لاجئي التوتسي، تستمر إسرائيل في إنكار حق العودة للفلسطينيين، ما يشكل خطًا أساسيًا للتحالف بين النظامين

في سياق افتتاح السفارة، قال السفير الإسرائيلي الجديد رون آدم، على هامش لقائه بالرئيس الراوندي بول كاغامي: "نتقاسم الكثير من القيم والتوجهات المتشابهة نحن وراوندا، وهناك مجال لتعاون كبير في المستقبل في الكثير من الحقول". وبالتزامن مع ذلك، أعلنت شركة الطيران الراوندية البدء بتسيير رحلات مباشرة من راوندا إلى إسرائيل.

اقرأ/ي أيضًا: تصريحات ماكرون تفتح جرح الماضي بين فرنسا والجزائر

ومتنت إسرائيل علاقاتها في الفترة الأخيرة مع عدد من دول شرق أفريقيا، كأوغندا وكينيا، فيما كانت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تشاد، الدولة ذات الغالبية المسلمة، الأكثر إثارة للجدل مطلع العام الحالي.

وتخطو راوندا اليوم خطوات سريعة نحو ازدهار سياسي واقتصادي، فالبلد الذي عاش واحدة من أبشع الإبادات على مر التاريخ في العام 1994، يبدو اليوم أنه تعافى إلى حد كبير، ويُعد رئيسه بول كاغما أحد الوجوه البارزة في إفريقيا والعالم اليوم، وهو يترأس حاليًا المنظمة الإقليمية لدول شرق إفريقيا، ويعمل على تحويل بلاده إلى منطقة تجارية حرة، وهو الأمر الذي يزيد من أطماع تل أبيب. ويذكر أن راوندا تعد اليوم واحدة من أكثر الدول الإفريقية أمانًا.

وكانت إسرائيل قد ساعدت راوندا في الصيف الماضي على الإنضمام لمنظمة OECD، مستخدمة نفوذها الواسع لدى دول القرار، لتكون العضو الـ36 في نادي الدول ذات الاقتصاد الأكثر تطورًا.

وإذا كانت نوايا إسرائيل المعلنة لافتتاح سفارة في راوندا هو تعزيز العلاقات بين البلدين، وتقديم المساعدات، فإنها على الحقيقة كما يشير مراقبون تطمع للاستفادة من الموارد الاقتصادية الكبيرة في هذا البلد، وإلى تعزيز نفوذها وبسط أذرعها في القارة الأفريقية، وتبييض جرائمها المرتبطة بعملية الإبادة واسعة النطاق التي حدث في البلد الأفريقي. وفي الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل الاعتراف بأنها دعمت نظام الهوتو في راوندا في جريمة الإبادة المروعة التي ألحقها بقبائل التوتسي، ترفض حكومة راوندا اليوم الاعتراف بحقوق لاجئي التوتسي، كما هي حال سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي ترفض الاعتراف بحق اللاجئين الفلسطيين، الذين كانت قد طردت مئات الآلاف منهم في العام 1948. وقد استغلت إسرائيل هذا الظرف للدفاع عن موقفها الرافض لحق العودة، فيما تتوطد علاقة النظامين على اعتبار موقفهما الواحد من مسألة "حق العودة". 

وكان موقع "سيحا مكوميت" (حوار محلي) الإسرائيلي، قد نشر وثائق تؤكد دعم إسرائيل المتواصل لللنظام الديكتاتوري في راوندا، سنوات عديدية قبل الإبادة، واستمراره بتسليح قبائل الهوتو التي تمثل حوالى 80% من إجمالي السكان وتأليبها على جماعة التوتسي التي تشكل 20%. وبين الموقع الإسرائيلي، أن إسرائيل استمرت في دعم النظام الديكتاتوري في البلاد وتعزيز التفاوتات من أجل تحقيق مصالح أمنية، على الرغم من إدراكها المسبق بأن الأمورستؤول نحو عملية إبادة.

وليست إسرائيل الدولة الوحيدة التي لها أطماع كبيرة في راوندا اليوم، ففرنسا التي لعبت دورًا أسود في مجزرة الإبادة، تحاول اليوم عبر رئيسها إيمانويل ماكرون، وضع قدمها مرة أخرى في البلاد، وإنهاء التوتر بين باريس وكيغالي. وقد استقبل ماكرون في الإليزيه في الشهر الماضي ممثلين عن جمعية "ايبوكا فرانس" التي تعمل على دعم الناجين من الإبادة، وكذلك الإبقاء على قضية ذويهم حية. وبالرغم من "التنازلات" الشكلية التي قدمها ماكرون، وإنشائه للجنة خبراء لدراسة الأرشيف الفرنسي المتعلق بدور فرنسا في الفترة بين 1990 و1994، فإن اللجنة اعتبرت ما قدمه ماكرون غير كاف.

اقرأ/ي أيضًا: العلاقات الهندية الإسرائيلية.. كيف انتهى فجأة تاريخ من "عدم الانحياز"؟

وتشتهر راوندا بمراعيها الخصبة بشكل خاص، ومحاصيلها الزراعية ذات الجودة العالية، وخاصة البن والشاي والتبغ، كما تشتهر بالقصدير، وبرؤوس المواشي المتوافرة بكثرة، الأمر الذي يجذب أطماع رجال الأعمال وأصحاب الاستثمارات وشركات الاستيراد والتصدير.

كانت فرنسا قد انحازت بشكل تام للهوتو في راوندا ابتداءً من العام 1990، ولعبت دورًا سلبيًا في تأجيج مشاعر الكراهية وصولًا إلى العام 1994، حيث وقعت الإبادة

وكانت فرنسا قد انحازت بشكل تام للهوتو ابتداءً من العام 1990، ولعبت دورًا سلبيًا في تأجيج مشاعر الكراهية وصولًا إلى العام 1994، حيث وقعت الإبادة التي استمرت 100 يوم، وراح ضحيتها حوالى 800 ألف شخص. ولعبت القوات الفرنسية التي وصلت إلى راوندا يومها بحجة العمل على وقف الإبادة، دورًا سلبيًا ومنحازًا، وارتكب جنودها تجاوزات لا تقل بشاعة عن ما فعله الهوتو. وبالرغم من أن ماكرون كان قد حدد السابع من نيسان/إبريل يومًا وطنيًا لإحياء ذكرى الإبادة، فإن فرنسا ما زالت تتهرب من الاستحقاقات الفعلية لهذه الجريمة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المركز العربي يبحث العلاقات العربية الهندية.. تحولات العلاقة مع قوة ناشئة

"تجارة الأمن القومي".. صفقات السلاح تضخ المليارات في جيوب السيسي