تعيش العاصمة السورية دمشق، والعاصمة الاقتصادية حلب، إلى جانب بقية مناطق سوريا، ظروفًا إنسانية واقتصادية صعبة. فبعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، تزايدت الضغوط الاقتصادية على المدنيين وسط تأخر صرف الرواتب ونقص المساعدات وانهيار الليرة السورية أمام العملات الأجنبية.
وفي ظل الأزمة الإنسانية المستمرة، تَبرز تحديات كبيرة في تلبية الاحتياجات الأساسية لملايين سوريين. في الوقت نفسه، تتعالى أصوات المواطنين السوريين مطالبةً حكومة تسيير الأعمال المؤقتة في سوريا بالإسراع في صرف الرواتب الشهرية وضبط موجة الغلاء التي تضرب الأسواق والمواصلات وقطاع المحروقات والطبابة والدواء، يضاف إليها استمرار انقطاع الكهرباء التي تؤثر على الكثير من المشاريع في دمشق أو حلب وغيرها من المحافظات، مما انعكس بشكل سلبي على الحياة المعيشية.
وفي هذا السياق، أجرى موقع "الترا صوت" مقابلة خاصة مع نائب الناطق الرسمي باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) في جنيف، ينس لاركي، تحدث خلالها عن الخطوات اللازمة لمواجهة هذه التحديات، ودور المجتمع الدولي في دعم الجهود الإنسانية وإعادة الإعمار، وكيفية تمهيد الطريق لعودة آمنة للاجئين والنازحين إلى ديارهم.
- ما هي الخطوات اللازمة لمعالجة الوضع المعيشي للسوريين بعد توقف رواتب العاملين بالدولة نتيجة إفلاس الخزانة المركزية ونهب الاحتياطيات؟
تواجه سوريا أزمة اقتصادية طويلة الأمد، حيث انخفضت القوة الشرائية للناس بينما ارتفعت معدلات الفقر والاحتياجات الإنسانية. وبالنسبة للمنظمات الإنسانية العاملة في سوريا، تظل الأولوية هي معالجة الاحتياجات الأكثر إلحاحًا للناس مثل الغذاء والتغذية والمأوى والخدمات الصحية والمياه النظيفة وما إلى ذلك.
لكن هناك حاجة واضحة للاستثمار في تحقيق استقرار طويل الأمد في سوريا لإعادة بناء الخدمات الأساسية، بما في ذلك الوصول إلى الكهرباء ومساعدة الناس في الحصول على دخل ووسائل لإعالة أنفسهم.
لاركي: أولويتنا هي ضمان أن تكون لدى وكالات الأمم المتحدة الأخرى وشركائنا غير الحكوميين أفضل الظروف والوصول والتمويل لمساعدة أكبر عدد من الأشخاص
قد يستغرق هذا بالطبع وقتًا، وفي الأثناء من المهم دعم أنشطة التعافي المبكر التي تعالج الاحتياجات الإنسانية الحرجة، وتساعد أيضًا في وضع الأساس لحلول أكثر استدامة، مثل إصلاح إمدادات المياه أو الاستثمار في الري.
- كيف تقيمون الوضع الإنساني الحالي في سوريا، خاصةً في المناطق الأكثر تضررًا مثل دمشق وحلب والشمال السوري؟
لا تزال سوريا واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، إذ إن هناك حوالي 17 مليون شخص، أي 70% من السكان يحتاجون إلى المساعدة، وأكثر من 7 ملايين نازح داخليًا، كما أن حوالي 13 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وارتفعت معدلات سوء التغذية بشكل حاد.
بالإضافة إلى ذلك، تنتشر مخلفات الحرب المتفجرة على نطاق واسع، مما يشكل تحديًا أمام عودة الناس إلى ديارهم، بينما تعرضت الخدمات الصحية لتراجع خلال سنوات الصراع ونقص الموارد، ولا ننسى أن مناطق شمال سوريا لا تزال تشهد أعمال عدائية، مما يزيد من المخاطر على المدنيين ويعقد جهود تقديم المساعدات الإنسانية والخدمات الأخرى.
- ما أبرز العقبات التي تواجه تقديم المساعدات الإنسانية داخل سوريا؟
ترحب الأمم المتحدة بتعهد السلطات الانتقالية الجديدة بتسهيل زيادة الدعم الإنساني في جميع أنحاء سوريا، في حين أن العاملين في المجال الإنساني قادرون على الوصول إلى معظم مناطق سوريا، إلا أن الأعمال العدائية وعدم الأمان لا يزالان يمنعان العمليات في بعض المناطق، مثل أجزاء من حلب ودير الزور، كما أن نهب الإمدادات يمثل تحديًا أيضًا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن نقص الوقود وعدم الوصول إلى النقد يجعل العمليات أكثر صعوبة، كما أن تمويل عملياتنا يمثل قيدًا كبيرًا، حيث تم توفير ثلث الأموال فقط التي كنا بحاجة إليها لعام 2024.
- ما هي الخطط العاجلة والطويلة المدى لمكتب OCHA لدعم إعادة الإعمار وضمان عودة آمنة للاجئين والنازحين؟
بصفتنا مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، فإن أولويتنا هي ضمان أن تكون لدى وكالات الأمم المتحدة الأخرى وشركائنا غير الحكوميين أفضل الظروف والوصول والتمويل لمساعدة أكبر عدد من الأشخاص المحتاجين، وهذا يشمل الوكالات التي تساعد اللاجئين السوريين أو النازحين الذين يعودون إلى ديارهم.
سنواصل العمل مع الشركاء لدعم جهود التعافي المبكر التي يمكن أن تمهد الطريق لعودة أكثر استدامة للناس إلى ديارهم. كما أننا سندعو لدعم إعادة الإعمار طويلة الأمد، والتي ستكون حيوية للحد من الاحتياجات الإنسانية في المستقبل بشكل مستدام.
- ما هو حجم الدعم المطلوب لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة في سوريا؟
في العام الماضي، طلبنا 4.1 مليار دولار أمريكي لدعم 10.8 مليون شخص، ولكننا تلقينا ثلث هذا المبلغ فقط، وبالتالي سد هذه الفجوة أمر بالغ الأهمية.
- كيف يمكن التنسيق مع الأمم المتحدة لرفع العقوبات المفروضة على سوريا بعد زوال النظام السابق؟
بصفتنا منظمة إنسانية، نعمل مع شركاء مختلفين لضمان ألا تتعارض العقوبات أو الإجراءات الأخرى مثل قيود مكافحة الإرهاب مع برامجنا الإنسانية، ومن المهم أن يتحرك المجتمع الدولي بسرعة للنظر في الخيارات التي تمكن من تقديم دعم طويل الأمد.
- ما هي الشروط التي ترونها ضرورية لضمان عودة آمنة وطوعية للاجئين والنازحين إلى سوريا؟
قامت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) مؤخرًا بتحديث موقفها بشأن العودة إلى سوريا وهو ما ندعمه بالكامل، أي لضمان عودة طوعية وآمنة وكريمة للاجئين السوريين إلى ديارهم، يجب تعليق أي عمليات إعادة قسرية لهم في الوقت الحالي، كما أوصت المفوضية بتجميد إصدار القرارات السلبية بشأن طلبات الحماية الدولية المقدمة من السوريين، وهذا الموقف يأتي في ضوء استمرار التحديات الأمنية والإنسانية في سوريا، والتي تجعل العودة غير آمنة في الظروف الراهنة.