24-أكتوبر-2016

مروان قصاب باشي

يقول عبد الرحمن منيف عن صديقه الفنان الراحل مروان باشي قصاب (1934-2016): "ينتمي مروان لنوع نادر من الفنانين الذين يؤمنون بأن الفن ليس مجرد جمال سابح في الفراغ، بل هو فعل أخلاقي يربط المتعة والفرح بالحقيقة". ويقول أيضًا: "مروان لم يضيع قطرة واحدة من موهبته على زخرفة العدم، بل كافح نصف قرن ليرى جوهر الناس والحياة وليرينا إياه".

لم يكن مروان يرسم وجوها كما هي الوجوه، بل تجلياتٍ أقرب إلى الأفكار

توفي مروان قصاب باشي، ابن حارات دمشق العتيقة، في برلين في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2016. الفنان الأكثر حضورًا في المعارض الدولية، الذي سحرته شاعرية كلود مونيه، التي رآها تتجلى بشكل طبيعي وعفوي في حجرة بيت دمشقي يدخله نورٌ خافت، حفزت لديه وحي اللون والخطوط، وظل طوال تجربته ينهل من تلك الذاكرة العميقة. لم يكن مروان يرسم وجوهًا كما هي الوجوه، بل تجلياتٍ أقرب إلى الأفكار، فملأ اللون بالوجوه وباعد بين قسماته، حتى باتت تبدو وكأنها تعبر عن أكثر من مجرد وجه، هي كيان ومعنى وجود، حياة وسيرة وحكاية.

اقرأ/ي أيضًا: عمر حمدي "مالفا".. ميراث من وهج الألوان

يقول قصاب عن البدايات الأولى: "اشتريت فرشايتين للألوان، ومن ذلك التاريخ لم أتوقف حتى اليوم عن الرسم". كان قد خطط للذهاب إلى باريس لكن الفرصة لم تكن سانجة بسبب حرب 1956، فذهب إلى ألمانيا حيث تلقاه أستاذه هنرييتا الذي أخذه من يده، على حد تعبيره، رأسًا إلى الفصل دون أن يمر في مرحلة التدريب، وكان وقتها سؤاله الأول هو سؤال الهوية.

ثم جاءت مرحلة الدمى والطبيعة الصامتة التي عكست تجريبًا وترميزًا أكبر، وبعدها "مرحلة الرؤوس"، كما يسمّيها، مكرسًا مزيدًا من التضارب والحيرة والتأمل. لتأتي بعد ذلك محطة أساسية ثانية أثّرت على نحو واضح في نظرته إلى الواقع، وهي هزيمة حزيران/يونيو 1967، هناك غدت وجوهه مهمومة بأزمات بلده وثقافته وسياساتها، وتجدر الإشارة هنا إلى كتابه "من مروان إلى أطفال فلسطين"، الذي ضم توثيقًا لمجموعة الأعمال التي أهداها إلى "جامعة بير زيت" و"مركز خليل السكاكيني الثقافي" في رام الله.

بالنسبة لقصاب باشي، الفرادة والإصرار والعناد والإبداع أهم ألف مرة من حفظ ألف مصطلح فني

اقرأ/ي أيضًا: 8 أعمال روائية من أدب السجون العربي

كانت فلسفته بسيطة؛ الفرادة والإصرار والعناد والإبداع أهم ألف مرة من حفظ ألف مصطلح فني، وإتقان أساليب ألف رسام. متاحف عالمية تتسابق على اقتناء لوحاته، وتكريم الرئيس الألماني عام 2005 بمناسبة إتمامه سبعين عامًا من العمر مانحًا إياه وسام الاستحقاق من الفئة الأولى وسماه "روح ألمانيا". يوضع كل هذا جنبًا إلى جنب بجوار جذور مغروسة في الثقافة العربية، رغم أن سنواته الخمسين الأخيرة قضاها في ألمانيا فهو يدرك أن سؤال الهوية لا يمكن ألا أن يشمل ما مضى، ومهما استحالت العودة إليه لكنه حاضر بصفته مكونًا أصيلًا من الشكل النهائي لكل هذا الفن. 

مروان قصاب باشي وعبد الرحمن منيف 

حكاية صداقة مروان قصاب باشي وعبد الرحمن منيف كانت من الأهمية بحيث توجت في كتاب "في أدب الصداقة- عبد الرحمن منيف ومروان قصاب باشي"، الذي يحوي أكثر من 30 رسالة بينهما، وكان قد صدر بعدة طبعات. يشير فواز طرابلسي الذي كتب مقدمة الكتاب إلى التواطؤ بين الروائي والفنان على العودة إلى الجذور: "منيف يريد غسل الكلمات، ومروان من جهته، يبحث عن براءة اللون الأول، المادة الأولى للحياة، من تقنيات الغسل لدى منيف واستعادة دور العامية والأمثال الشعبية التي أبدع بنقلها في روايتي مدن الملح، وأرض السواد، ومن تقنيات الغسل عند مروان استلهامه فن التصوير الشعبي من الواسطي البغدادي العباسي إلى أبو صبحي التيناوي الدمشقي المعاصر".

 

اقرأ/ي أيضًا:

رحيل نذير إسماعيل.. ضابط إيقاع الوجوه

ستيف ديلون .. صانع خيالات "الكوميكس"