20-ديسمبر-2015

ثائر معروف/ سوريا

يبدو التحول الديمقراطي في سوريا بعد نحو خمس سنوات من بدء الثورة أبعد منالًا، مع تصاعد العنف وازدياد المشهد الإقليمي والدولي تعقيدًا، إلاّ أن الاهتمام بموضوعة الديمقراطية والتحول الديمقراطي لا تزال الشاغل الأول لعدد من الباحثين والكتاب والصحافيين السوريين، ويعتبر "مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية" من أبرز الجهات السورية المهتمة بهذه الموضوعة.

الاهتمام بموضوعة الديمقراطية والتحول الديمقراطي لا تزال الشاغل الأول لعدد من الباحثين والكتاب والصحافيين السوريين

يقول القائمون على المركز إن عملهم الأساسي يتمحور حول رصد الظواهر التي نشأت خلال الثورة السورية، وأوضاع المعارضة، ومشكلات اللجوء واللاجئين السوريين، وأثر الحرب على المجتمع، إضافة إلى الاهتمام بالجانب الإحصائي للضحايا، من خلال مقاطعة المعلومات وجمع البيانات من مصادر عدة، والهدف من كل ذلك دراسة أسباب وآثار ما جرى ويجري، وفق مناهج البحث العلمي.

يصف طارق عزيزة، أحد الباحثين في المركز، هاجس العاملين فيه بالقول: "إن القضية الوحيدة والموقف المسبق الوحيد هو قضية الديمقراطية في سوريا، والانحياز للضحايا المدنيين بصرف النظر عن هوية من يعتدي عليهم". وحسب تعريف المركز، فهو ينطلق من "أولوية الإنسان وحريته وحقوقه وتوقعاته وآماله، ويجتهد في متابعة الظروف التي يعيشها ضمن الفضاء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، المتبدل بشدة في ظل الصراعات الجارية، بهدف تمكين الإنسان من حرية التعبير وأدواته، التي تعزز الديمقراطية والتواصل الصحي والتفاعل الإيجابي والمشاركة في صنع القرار، ويدرس العوائق التي تحول دون تحقيق ذلك، ويقترح البدائل الممكنة".

ينظّم "مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية" ورشات عمل سياسية، للنقاش حول قضايا متعلقة بالديمقراطية والتحول السياسي في سوريا، يدعى إليها مفكرون وكتاب وسياسيون، يصفها القائمون على المركز بأنها "منصّات تفكير"، وفرصة لتعميق النقاش حول مختلف المسائل بين مختلف الأطراف الفاعلة في المشهد السوري، وتنشر أعمال الورشات على الموقع الإلكتروني للمركز، كما تجمع في كتب إلكترونية يمكن تصفحها وتحميلها عبر الموقع ذاته.

أما عن آلية تنظيم هذه الورشات، التي يؤكد منسقها طارق عزيزة أنها منتج عمل جماعي، فيوضح: "عادة ما تقام ورشات العمل في قاعات خاصة مجهزة، ويدعى المشاركون إليها، فيما تتولى الجهة المنظمة مهمة تأمين الحجوزات الفندقية والسفر والطعام، إلا أننا فكرنا بطريقة أخرى، تحقق الغاية المرجوة من اللقاء ضمن إمكانياتنا البسيطة والمحدودة وبأقل التكاليف، إذ لجأنا إلى إقامة الورشات باستخدام برامج مثل سكايب وغيره، لنجمع المشاركين كل من مكان عمله أو إقامته اعتمادًا على شبكة الإنترنت".

تناولت ورشة العمل الأولى التي نظمها المركز "المعارضة السياسية والديمقراطية في سوريا"، ويشرح عزيزة أنهم عادة ما يعدّون ورقة خلفية حول الموضوع المطروح للنقاش، توزع على المشاركين الذين قبلوا الدعوات الموجهة لهم، ليطلع كل منهم عليها ويقدم مساهمته المكتوبة وتعليقاته عليها، ثم توزع المساهمات أيضًا على كل المشاركين ليقرؤوها تمهيدًا لجلسات النقاش بين المشاركين.

يهدف "مركز دراسات الجمهورية" إلى إنشاء قاعدة بيانات تكون مرجعًا لكل من يرغب بدراسة الوضع السوري

يجري تسجيل الحوارات كاملةً بعلم وإذن المشاركين، ليتم تفريغها لاحقًا وإطلاع المشاركين عليها، بهدف التأكد من أمانة النقل والموافقة على النشر، وذلك قبل أن تنشر على موقع المركز ضمن ملف متكامل يضم أعمال الورشة.

ويشير منسق الورشات أن النقاشات خلال الورشة غالبًا ما تجعل المشاركين يخرجون بتطوير لأفكارهم، أو إعادة النظر ببعض الأوراق والخروج بأفكار جديدة، معتبرًا أن هذا الأمر مؤشر على نجاح الورشات وتحقيق أهدافها، لافتًا أنها فرصة لجمع الكاتب والباحث مع السياسي، أي من يعمل في مجال السياسة بشكل مباشر مع من يرصد ويحلل ويكتب، مضيفًا: "الطرفان فاعلان بالنشاط السياسي السوري، وهنا تكمن أهمية لقائهما وتلاقح أفكارهما".

وتناولت الورشة الثانية الموضوع ذاته، إذ رأى فريق المركز أن الطرح يحتاج مزيدًا من النقاش والعلاج، لذا تمت دعوة مشاركين جدد للحوار حول "المعارضة السياسية والديمقراطية في سوريا"، فجاءت الورشة الثانية لإثراء النقاش والتوسّع في مختلف المحاور.

يهتم المركز برصد الأحداث وتحليلها، ورصد نتائجها وآثارها في البنى المجتمعية، عبر أبحاث ودراسات ميدانية وتقارير دورية وغير دورية، مستندًا إلى منهجية علمية، واضعًا مخرجات العمل بين أيدي الباحثين والدارسين وصناع القرار من مختلف المجالات.

ويهدف المركز إلى إنشاء قاعدة بيانات تكون مرجعًا لكل من يرغب بدراسة الوضع السوري، أو العمل على موضوع الديمقراطية في سوريا أو الكتابة عنها، ويقع الجانب الإحصائي من عمله في هذه الخانة، إذ ليس فيه أي جانب قانوني، والمادة الإحصائية التي ينتجها المركز متاحة للباحثين وصناع القرار والكتاب والحقوقيين.

وتمر البحوث الصادرة عن "مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية" عبر فريق، للمراجعة والتحرير والإشراف والنقاش، ويعلق "عزيزة": "نحاول من خلال هذه الآلية تكريس ثقافة العمل المشترك، وتعزيز عمل الفريق لإغناء المواد التي نعمل عليها، كي تستحق أن تكون مرجعًا وقاعدة بيانات يمكن الاعتماد عليها".

تمكن "مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية" من إنجاز أكثر من عشرين كتابًا ودراسة وتقريرًا

استمر المركز لسنتين ونصف بالاعتماد على قدرات أعضائه، قبل أن يعتبر أن بنيته المؤسسية تسمح له بالتوجّه إلى الجهات الداعمة دون خشية من الفساد والهدر، ونتج عن ذلك دعم محدود لمرة واحدة من قبل مؤسسة معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، تم توجيهه لمشروع "دراسات ميدانية في أثر الصراع في سوريا على المجتمع" الذي أُنجز مؤخّرًا، مع الحرص على العمل التطوعي من خلال إبقاء دورة إنتاج المركز التطوعية وعبر تطوع مدير المشروع الوحيد الممول ومعظم المحكّمين والإداريين بمن فيهم المحاسب، كما حصل الباحثون والمترجمون على نحو نصف أو أقل من نصف ما يستحقونه من مكافآت، أي أنهم تطوعوا بالقسم الأوفر من جهدهم إن لم يكن به كله.

إلى جانب ندرة الدعم، تبرز تحديات عدة أمام نشاطات المركز، لعل أهمها صعوبة التواصل مع الباحثين المقيمين في سوريا، ويعمل هؤلاء بأسماء مستعارة مراعاة لأوضاعهم الأمنية وتجنبًا للمخاطر التي تتهددهم، يضاف إلى ذلك الصعوبات التقنية عند عقد ورشات العمل، حيث لا تتوفر الكهرباء أو الاتصالات أو شبكة الإنترنت في أوقات كثيرة لدى المشاركين من داخل سوريا. من الصعوبات أيضًا غياب ثقافة التعاون والشراكة بين مختلف الأطراف والفئات المهتمة بالشأن السوري، أو ذات الاهتمامات المشتركة، من مراكز أو منظمات، رغم الصلة الوثيقة بين ثقافة التعاون والعمل المشترك والديمقراطية، ورغم ضعف التغطية الإعلامية نسبيًا لعمل المركز ونشاطاته إلا أن العاملين فيه متفائلون باهتمام بعض وسائل الإعلام، وازدياد عدد الزيارات إلى موقع المركز وصفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي.

تمكن مركز دراسات الجمهورية من إنجاز أكثر من عشرين كتابًا ودراسة وتقريرًا، تناولت موضوعات متنوعة، بينها: "اللاجئون الفلسطينيون في المحنة السورية" وهو كتاب تحليلي إحصائي عن وضع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، و"استراتيجية سلطة الاستبداد في مواجهة الثورة السورية" كتاب تناول الموضوع من نواح سياسية واقتصادية وإثنية، وكتاب إلكتروني بعنوان "سوريا: عصر أمراء الحرب وعودة الحمايات والوصايات – (1) المليشيا الشيعية"، وسواها الكثير، والعمل جار على إطلاق موقع المركز باللغة الإنجليزية وترجمة أعمال المركز. 

اقرأ/ي أيضًا:

ثلاث رسائل إلى سنديانة بانياس قبل القصف

حنة آرندت.. فيلسوفة تفكيك الشمولية