26-أغسطس-2017

أحد الأنشطة الثقافية داخل آرت هير (فيسبوك)

شكلت دول الشتات التي لجأ إليها السوريون إبان الحرب تجربة جديدة وتحولت هذه الدول إما لمحطات مرحلية ريثما يتم اختيار الوجهة النهائية، أو هناك من اختار البقاء حيثما حل ترحاله، حيثُ نشأت تجارب في مختلف المجالات التي كانت التجارب الفنية أحدها.

أسس آرت هير حتى يكون ملتقى لاجتماع الفنانين السوريين ولتسهيل تواصلهم مع فنانين من جنسيات مختلفة مما يساعدهم في حياتهم الجديدة

في منطقة كاديكوي الواقعة بداية الشطر الآسيوي شمال بحر مرمرة في مدينة إسطنبول، يتواجد مركز آرت هير الذي أسسه الفنان السوري عمر بيرقدار ليكون ملتقى للفنانين السوريين للتواصل مع فنانين من جنسيات مختلفة، ويساعد على تنظيم المعارض الفنية بمختلف أنماطها، إضافة إلى كونه أحد المنابر الثقافية القليلة للسوريين في المدينة التي تصل بين الشرق والغرب.

اقرأ/ي أيضًا: قنوات يوتيوب بدل المدرسة في بلدان اللجوء؟

نشاطات متنوعة

يخصص المركز مساحة للفنانين الذين يبحثون عن مشاغل فنية لإنتاج أعمالهم، فهو مؤلف من ثلاثة طوابق، الأول يضم غرفة مجهزة لتحميض الصور الضوئية مع حديقة يستفاد منها الفنانون في عملهم، والتي اشتغل فيها المركز على تنفيذ الأثاث الموجود بالمقهى، والطابق الثاني يستخدم كصالة للعرض، ومقهى ثقافي في الوقت ذاته، ويتواجد في الطابق الثالث مركز أعمال، ومشغل للرسامين.

وتتنوع النشاطات التي يشارك فيها أو ينظمها المركز على مختلف الفنون البصرية والسمعية، وكان أخرها تنظيمه يومي الثلاثاء والأربعاء الفارطين قراءات مسرحية بعنوان "ماذا سنفعل في إسطنبول؟" للسورية هلا صياصنة، والتركيين بيزا دوت ويلماز كارمان، مع ترجمة النصوص المختارة للعربية والتركية، كما يشارك المركز بشكل مستمر في فعاليات ثقافية بالاشتراك مع جهات تركية أو غربية.

كيف ظهر آرت هير؟

عن فكرة تأسيسه، يقول عمر بيرقدار (52 عامًا)، وهو درس التصوير الضوئي في النمسا، إنها جاءت من حاجة الفنانين السوريين الذين خرجوا من سوريا بعد اندلاع الثورة ليجتمعوا مرة أخرى خارجها، ويستذكر في معرض حديثه أنه في سوريا لم يكن أساسًا هناك أي تشجيع للفن أو باقي الحقول الثقافية التي كان مقتصرًا عملها على المراكز الثقافية التابعة لوزارة الثقافة، حيثُ أنها "لم تكن تقدم أي تطور أو محاكاة للفن في العالم".

أما في إسطنبول فإن الموضوع مختلف تمامًا كان يجب إدراك ما يحدث من تطور فني في العالم، ويقول عمر في هذا الخصوص إن فكرة آرت هير الذي تأسس عام 2014 "نشأت حتى يكون ملتقى لاجتماع الفنانين، والتعاون معهم على تنظيم المعارض الفنية، والتواصل مع فنانين من جنسيات مختلفة تساهم بالتهيئة للمرحلة الجديدة"، فالهدف الرئيسي من آرت هير تواجد مركز يديره فنانون سوريون يتعاون مع مراكز أخرى لتقديم أعمال فنية تساهم بخلق مشهد فني جديد.

ويضيف بيرقدار في حديثه مع موقع "ألترا صوت" أن المركز يقدم الدعم لأي عمل فني في مختلف الحقول الثقافية، والتي يشترط ضمن سياسته المتبعة مع جميع الفنانين المتعاونين معهم على أن تكون "أعمالًا فنية على مستوى عالٍ لا أن تكون فنًا منغلقًا يعيد تكرار ما حدث في سوريا"، ويشدد في هذا الخصوص على أنه من ضمن أهداف المركز "الانفتاح والتواصل مع الفنانين من مختلف الجنسيات والثقافات حتى يكون هناك حوار حقيقي يساهم في تقديم أعمال مختلفة".

اقرأ/ي أيضًا: أبو صطيف يرسم ذكريات سوريا في ألمانيا

شرط خاص للمشاركة بالنشاطات الثقافية

عند سؤالنا بيرقدار إن كان هناك جهات داعمة بشكل دائم للمركز، أجاب أنه متأرجح من ناحية تمكنهم في بعض الأحيان من الحصول على الدعم عبر إحدى المنظمات المانحة، وفي أغلب الأحيان لا يتمكنون من ذلك، لأن النسبة الأكبر من المشاريع المخصص لها منح من الجهات الداعمة "لا تتوافق مع سياسة المركز".

ويضيف أن جهد آرت هير ينصب أكثر على "محاولة إقناع الجهات المانحة بدعم الفنانين السوريين ليحصلوا على بعض الاستقرار، ويتمكنوا من العمل على مشاريع فنية جديدة"، ويشير هنا لوجود "محاولة لتأمين الاكتفاء الذاتي" من خلال بيع بعض الأعمال الفنية أو "الحصول على دعم مقابل تنظيم المعارض الفنية لكنها ليست دائمة"، منوهًا أن آرت هير مؤسسة غير ربحية.

وحول آلية اختيار الأعمال الفنية للمشاركة في المعارض يوضح بيرقدار أنهم يشترطون أن يتم اختيار أعمالهم "لقيمتها الفنية لا على أساس أن صاحبها سوري أو فنان لاجئ"، ويشير أن المتعاونين معهم يعرفون حساسيتهم اتجاه هذه النقطة، لكنه لا يخفي تعرضهم لها عبر "بعض وسائل الإعلام التي يقدموننا بهذه الصورة"، في الوقت الذي يصر المركز على منح الفرصة للجميع بناء على اتقانهم لعملهم لا كونهم لاجئين التي يشمل ضمنها أنماط العمل مختلفة، ومن هنا يطالب آرت هير بأن يتم منح الفرصة للفنانين بموجب عملهم الفني لا بسبب أنهم لاجئين.

يتم اختيار الأعمال الفنية المعروضة في مركز آرت هير بناء على الإتقان في العمل لا لكونهم أعمالًا للاجئين

التواصل مع جمهور لا تتقن لغته

وعن اختلاف التجربة بين سوريا وتركيا، يقول الرسام علي عمر (32 عامًا)، وهو خريج كلية الفنون الجميلة بدمشق، إن تجربته في سوريا اقتصرت عندما كان طالبًا على المشاركة في معرض مشترك مع أساتذته في الجامعة، أما في تركيا فإنه مر بثلاث تجارب.

ويلخص عمر تجاربه الثلاث في تركيا بأن الأولى كانت العمل لوحده، أما الثانية فهي التعاون مع آرت هير، وكانت الثالثة مع مجموعة "واحة" عن طريق المشاركة بمعارض فنية في سويسرا، والتي كان فيها خوضه تجربة التواصل مع المنظمين عبر وسائل التواصل على شبكة الانترنت، وكان من بينها إجراء لقاء صحفي عبر تطبيق السكايب، وتكمن فكرة التعاون مع آرت هير بأنه "يعمل مع الأصدقاء، ولوجود أريحية من جانب تنظيم المعارض، وتوافق على آلية العمل من خلال التنسيق مع بعضهما".

ولا يخفي عمر وجود مشكلة التواصل مع جمهور مختلف لا يتقن لغته قائلًا في هذا المنحى "اللوحة الفنية خطاب بصري لا يحتاج لمفردات سمعية أو أدبية للتعبير، وهنا تظهر اختلافات الجمهور نفسه لأنه في أي مكان من العالم توجد مستويات مختلفة للجمهور"، ما يجعله يقف في هذه الحالة أمام "جمهور بصري يعنيه كل تفصيل في اللوحة، وجمهور مختلف يسأل أسئلة أخرى".

الفنان علي عمر (فيسبوك)

وسائل الإعلام تعاملنا على أننا لاجئين لا فنانين

ويتفق عمر مع آرت هير في سياسة المشاركة في المعارض الفنية على أساس أنه فنان لا لاجئ، ويضيف "أقدم نفسي في المعارض كفنان لأن التعامل معنا على أننا لاجئين سوريين فيه نوع من الاستغلال لقضية موجودة في الحقيقة"، ويوضح هنا مقصده برواية حادثة تعرض لها خلال مشاركته في معرض فني مشترك عندما وجد الجمهور اللون الأحمر في واحدة من لوحاته فتوجهوا له بالسؤال عن إن كان استخدامه للون الأحمر إشارة للحرب في سوريا.

ويرى عمر في حديثه لـ"الترا صوت" أن هذا "النوع من التلقي مبرمج أساسًا من قبل وسائل الإعلام"، والتي يواجهون معها مشاكل عديدة كون الصحفي وفق ما يصف دائماً "عادة ما يأتي محملًا بأسئلة جاهزة من وسيلة الإعلام التي يعمل لديها"، ولا يخفي في نهاية حديثه ما يتعرضون له من معاناة مع وسائل الإعلام التي "تقول على لسانهم أشياء لم يقولوها في إجاباتهم" دون أن يتمكنوا من فعل شيء إلا الاعتراض على مضمونها بعدم مشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"أكثر من لاجئ".. حملة في مواجهة التطرف

رحيل فدوى سليمان.. صوت الثورة السلمية