22-يناير-2016

أسواق من قماش في موريتانيا ودعوات لتحديثها (الترا صوت)

مشهد مختلف، وأي مشهد هو، المئات من "الملاحف" (أزياء المرأة الموريتانية)، متنوعة الألوان والتطريز معلقة بشكل عمودي، مرصوصة على جنبات أزقة سوق العاصمة الموريتانية نواكشوط أو "مرصة كابيتال" كما يحلو للموريتانيين تسميته، أكبر أسواق البلاد. وتسيطر الأقمشة والملابس على أغلب المعروض فيه، رغم وجود محلات متخصصة في بيع الأجهزة الإلكترونية، والعطور ومستحضرات التجميل داخل أروقته، إلا أن العديد من المواطنين رأوا أن السوق لم يعد يلبي حاجاتهم وتطلعاتهم، مطالبين بأن حان الوقت لترميمه بل وتغيير شكله وتطويره.

لم يترك المستعمر الفرنسي في موريتانيا خلفه لا خيال مدينة، ولا بنى تحتية لإقامة دولة مركزية جديدة مستقلة

كانت مطالب تطوير السوق وتحديثه وجيهة لدى العديد من الموريتانيين، حيث عانى هذا السوق، والذي تم تشييده في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، طوال تاريخه من انعدام الصيانة، واكتظاظ شوارعه ومحلاته بالباعة المتجولين والمستقرين، كما شهدت ممراته وعدد من محلاته وأجنحته، خلال السنوات الماضية، حرائق عدة، وساهمت الأسقف القماشية للسوق، وفوق ممرات السوق من انتشار ألسنة اللهب بشكل سريع. وغالبًا ما تعود الأسباب إلى استخدام أنابيب الغاز عند بائعي الشاي الذين يغص مبنى السوق وحوافه بهم، كما تسبب عشوائية الأسلاك الكهربائية والتماس الكهربائي مرات عديدة في وقوع حرائق خطرة، بسبب عدم تماشي مواصفات بناية السوق مع معايير السلامة.

وتشهد البلاد في الآونة الأخيرة حركة دائبة للعمران وتشييد البنى التحتية ومن بينها سوق عصري للعاصمة نواكشوط يتكون من أربع مركبات، في إطار تعويض التخلف الحاصل في المنشآت الحيوية بالمدينة، إذ غادر المحتل الفرنسي أرض موريتانيا في العام 1960 بعد سنين طويلة من الكفاح، لكن الفرنسيين غادروا بعد استغلالهم لخيرات البلاد، ولم يتركوا خلفهم لا خيال مدينة، ولا بنى تحتية لإقامة دولة مركزية جديدة مستقلة، ستدعى الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وبدأ الرئيس المؤسس للبلاد المختار ولد داداه حينها طريق الألف ميل لبناء دولة من الصفر.

ورغم حداثة عهدها بالاستقلال آنذاك كانت موريتانيا في عزلة دولية تامة وواجهت مشاكل كبيرة في تمويل بناء مدينة عصرية تكون عاصمة للكيان الجديد، يمكن أن تقنع أهل البادية وسكان الريف بانتهاء عصر الانتجاع والارتحال، وكانت المؤسسات تشيد بشكل متواضع للغاية، فمثلاً كان مبنى الرئاسة عبارة عن بيت صغير من غرفتين وبهو مكشوف، وكانت الوزارات غرفًا مشابهة لمبنى الرئاسة الذي أطلق عليه حينها اسم "القصر الرئاسي".

تتعدد مطالب تطوير سوق نواكشوط وتحديثه وتبدو وجيهة لدى العديد من الموريتانيين لتعويض التخلف الحاصل في المنشآت الحيوية بالمدينة

ولم تكن المباني الحيوية الأخرى والبنى التحتية أحسن حالًا، بل جاء السوق المركزي ليأخذ شكل القلاع العسكرية الفرنسية، ويبدأ التجار افتراش أزقتها وتغطية الفضاء المكشوف داخلها بقطع قماش كبيرة، كانت تلتصق ببعضها البعض مشكلة سقفًا جديدًا هشًا عاكسًا حقيقة ضعف البنى التحتية بشكل عام في البلاد، والتي من المفارقة أنها تزخر بعديد أشكال الثروات الطبيعية التي تمثل حصة الأسد من مجموع الدخل القومي.

يقول عبد الرحمن ولد المهدي وهو صاحب أحد المحلات بسوق العاصمة نواكشوط لـ"الترا صوت": إن "السوق تعمه فوضى كبيرة، بسبب عشوائيته وتوزع التجار والباعة بشكل غير مدروس داخل أزقته وأجنحته رغم محاولات السلطات المحلية تنظيمه مرات عديدة"، مضيفًا أن "المتسوقين والزبائن غالبًا ما يجدون صعوبة بالغة بسبب ضيق الممرات بسبب البضائع المعروضة فيها، وخاصة في موسم الأمطار حيث تتحول أغلب ممراته إلى مستنقعات نظرًا لعدم تغطيته إلا بالقماش".

ويرى ولد المهدي أن "في ذكرى المولد النبوي (ويعتبرها غالبية الموريتانيين عيدًا) وفترات الأعياد يصبح السوق أكثر ازدحامًا وهو ما يضاعف إمكانية وقوع حوادث من قبيل الحرائق والسرقات" بل ويؤكد أنه "أحيانًا تحدث انهيارات في جوانب من السوق"، مستدركًا أن "في إحدى المرات انهار السلم الجنوبي للسوق بسبب اهترائه وعدم استطاعته تحمل الكم الهائل من المارين عبره".

ويبدو أن كابوس الحرائق في السوق المركزي طالت لعنتها معارض وأسواق موريتانية أخرى داخل البلاد وخارجها، ففي جانب آخر من العاصمة نواكشوط، وفي الأيام الأولى من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، شهد معرض نسوي ذو سقف قماشي بالكامل، مخصص للأثاث وأدوات المطبخ، حادثًا في عتمة الليل أدى إلى اشتعال النار في جميع محتويات المعرض مما تسبب في خسارة تقدر بعشرات الملايين من الأوقية، وقد أرجع المحققون سبب الحريق إلى تماس كهربائي، كما شهد الجناح الموريتاني من معرض دولي للمعدات وتقنيات الصيد البحري في العاصمة السنغالية داكار قد شهد (في 13 كانون الأول/ديسمبر الماضي) حريقًا مماثلًا جاء عليه بالكامل وأدى إلى تلف جميع محتوياته.

اقرأ/ي أيضًا: 

موريتانيا.. مبادرة لدعم مكتبات المعاهد والمدارس

الخيمة تزاحم المباني في موريتانيا