07-أغسطس-2015

صحفيون عراقيون في اعتصام ضد قتل زملائهم (أ.ف.ب)

يقف أغلب المراسلين العاملين في القنوات الفضائية العراقيّة في الجبهات المتقدمة للمعارك بلا سترات تشير إلى أنهم صحفيون، والكثير منهم لا يعتمرون الخوذ الواقية، وبالتأكيد لا يمتلكون عدّة الإسعافات الأوليّة. تتداخل أصواتهم مع أصوات الرصاص وهدير الطائرات ودمدمة القنابل، وقد يُقتل أيّ منهم في أية لحظة لأنّه ببساطة لا يتقن عمله، فقد جاء تحت سلطة الجوع التي حلّت بعائلته، فضلًا عن إجباره من قبل إدارة القناة الفضائية حيث يعمل للتوجه إلى جبهات القتال: المجازفة بالموت على تخوم المعارك أم المجازفة جوعًا؟ 

يسقط المراسل بسهولة، لكن الجوع كفيل بأن يُلَقِّم الجبهات بمراسلين آخرين بالسهولة ذاتها

الجوع كافر، لا يرحم أبدًا في العراق. ثمة احتمالات نجاة بالمجازفة الأولى، أما المجازفة جوعًا فتفتقر إلى أي احتمال بالنجاة. هذا هو حال الكثير من المراسلين العاملين في المؤسسات الإعلامية العراقية، لم يذهبوا إلى الجبهات بإرادتهم، فهم أساسًا لا يعرفون عن مهمة المراسل الحربي وآليات مهنته إلا النزر القليل، ولذلك هم يزيدون التباس المشهد على المشاهِد غموضًا. يكاد السؤال السحري الذي يوجهه جميع هؤلاء المراسلين للجنود أو القادة هو: كيف هي معنوياتكم؟ وسؤال كهذا كفيل بتسطير حبل كلام لا ينقطع، لكنه بطبيعة الحال ليس مهمًّا. المهم بالنسبة للمشاهدين والمتابعين رسم جغرافيّة ميدان القتال، ما هي المناطق التي تمت السيطرة عليها؟ ما الصعوبات التي تواجه تقدم وحدات الجيش؟ كيف حال المدنيين هناك؟ لماذا لم يخرجوا؟ كيف عاملهم أفراد الجيش؟

أغلب هذه الأسئلة لا جواب لها. المُراسل منشغل بعرض البطولات والحديث مطوّلًا عن المعنويات العاليّة والمبالغة في أعداد قتلى الخصم، إنه السقوط الحتمي في فخ الإعلام الدعائي الساذج. المُراسل يسقط مضرجًا بإطلاقة قناص أو شظايا قنبلة بسهولة، لكن الجوع كفيل بأن يلقم الجبهات بمراسلين آخرين وبالسهولة ذاتها. لا يُمكن اليوم حصر القتلى من الإعلاميين العراقيين، وليس هناك رادع يوقف نهم عدّاد قتلهم.

الفضائيات التابعة للأحزاب تستغل المراسل الشاب، تمنحه 600 دولار شهريًّا، وتشترط عليه الذهاب إلى جبهات القتال المفتوحة مع "داعش" أربع مرّات في الشهر، وإذا ما رفض فالباب يتسّع لآخرين هم بحاجة لهذا المبلغ. بمقابل هذا، هؤلاء المراسلين ليسوا مدربين على إعلام الحرب، أغلبهم انخرط في دورات إعلامية بسيطة تقيمها مراكز إعلامية تفتقر الخبرة والكفاءات التدريبية، أو أنّه مسكون بحلم الظهور على شاشة الفضائيات، لذا، فهو لم يفاوض على تأمين حياته، ولا حتّى على عقد موقّع بينه وبين القناة الفضائية يضمن حقوقه في حال أُصيب أو قتل، الأمر متروك للمجازفة، وهي سيّدة الموقف.

إذا كنتَ مراسلًا عراقيًّا وقتلت أو أصبت على جبهات القتال، فلا غرابة في ذلك أبدًا. البيئة تسمح أصلًا بموت المراسل، هذا إذا ما لم يكن المراسل أساسًا معدًّا للموت، وليس لتغطية المعارك والأحداث التي تدور قبلها وبعدها. ستنشر صورتك على مواقع التواصل الاجتماعي، وتظلّ القناة التي تعمل لديها تكرّر مشاهد بطولية تصحبها موسيقى ناعمة وحزينة، وفي آخر الأمر لن تحصل على شيء: ستظلّ عائلتك تلعن تلك اللحظة التي أصبحت فيها بطلًا وتركت أرملة ويتامى وأمًا ثكلى دون مدخول شهري، ودون أية حقوق.

هذه هي ببساطة رحلة المراسل الحربي العراقي من الحلم الى الموت المجاني.