09-يوليو-2016

Photo credit should read KHALED DESOUKI/AFP/Getty Images

اختيار الجيش للجنود يتم على أساس المقدرة، مقدرة العسكري على تنفيذ مهمات بالكم والكيف المطلوب، قدرته على تفيذ الأوامر، تقبله لطريقة صدورها، وطريقة تنفيذه للأوامر بالشكل الأمثل من وجهة نظر "قوّاده"، أيضًا التحمل وعدم المناقشة.

قبل 2011 رضي الجيش بالعسكري المتوسط لحماية الحدود، والعسكري العادة كان من نصيب الداخلية لضبط الشارع بالأساس

من كانت تنطبق عليهم هذه المواصفات هم عساكر المؤهلات المتوسطة دون غيرهم، لديهم قدر كاف من التعليم، وسط بين العسكري "العادة" (دون أي مؤهلات تعليمية ويكون تجنيده لثلاث سنوات)، والعسكري "السنة" (مع مؤهل عال ويكون تجنيده سنة واحدة). في الماضي كان العسكري السنة خارج الحسابات لذلك كان "تأجيل في تأجيل ثم اعفا.. لأننا مش محتاجين وجع دماغ من الآخر".

لم يكن الجيش بحاجة لمثل هذا العدد الكبير، فكانوا يستغنون عن العسكري العادة للداخلية، وكذلك الداخلية تقنع بالعسكري العادة لأنه أكثر ملاءمة لطبيعة دورها، أولًا لكونها بحاجة لعسكري يستمر لفترة طويلة ولكون الأمن المركزي أداة مهمة في ضبط الشارع طوال فترة ما قبل 2011 على امتداد فترة الرئيس المخلوع حسني مبارك.

وربما لأن استمرارية العسكري العادة لثلاث سنوات في طبيعة صعبة مثل طبيعة الجيش ستشكل حملًا على العسكري، ومغامرة من قبل الجيش، فلن يكونوا بمأمن من رد فعله. خاصة بعد محاولة تمرد عساكر الأمن المركزي السابق على الداخلية في الثمانينات، فما بالك إن كانوا بالجيش في ظل ظروف أصعب من مثيلتها بجهاز الداخلية.

أيضًا فالداخلية لن تتقبل عسكري "سنة" متعلم، وهو بدوره لن يتقبل هو الآخر أسلوب الداخلية -المعروف- ومن ثم يرى انتهاكاتها عن قرب ويتناقلها. رغم أنها معروفة لكن بهذه البلد كما قيل لنا: "احنا بنصدق الإشاعة بسهولة ونخليها حقيقة كمان، أما الحقيقة فتكون موضع شك حتى نراها ليس بالعين المجردة ولكن بالمكبر".

فكان عسكري السنة المتعلم خارج حسابات الجيش والشرطة لأنه "غلباوي بالأساس ومش هيشرب بسهولة مبدأ الطاعة العمياء في مؤسسات كهذه"، وقد تم تقسيم بقية الغنيمة والتركة -لأننا ما إلا عبيد احسانتهم- بين الجيش الذي ارتضى بالعسكري المتوسط لأمور حماية الحدود -كسليمان خاطر مثلًا- وبعض المهام الأخرى، والعسكري العادة كان من نصيب الداخلية لضبط الشارع بالأساس.

فلماذا تم فتح باب التعبئة العامة ودخلت عساكر السنة في الحسبة من جديد إذن؟

ببساطة لأن 2011 قد وصلت.

لقد اكتشفت مؤسسة السلطة أن "الناس ليها صوت"، وبحسب وجهة نظر أحد ضباط التفتيش على الوحدات فـ "العيال دي ناقصة رباية"، فكان هذا هو أحد الأسباب وربما يكون الأهم لعودة عساكر العليا للحسابات من جديد، ولأن يلتحقوا بالجيش لمدة سنة ليس للخدمة الوطنية لا سمح الله، ولكن بالأساس لدخول إحدى مؤسسات التنشئة لدى السلطة لتخرج منها عبدًا مطيعًا صالحًا للسير مع القطيع.

اقرأ/ي أيضًا: مذكرات عسكري غلبان: قواعد الجيش

السبب الأهم لعودة عساكر العليا للالتحاق بالجيش لمدة سنة هو دخول إحدى مؤسسات التنشئة لدى السلطة لتخرج منها عبدًا مطيعًا صالحًا للسير مع القطيع

هذه هي وجهة نظر السلطة في القضاء على "وجع الدماغ" الصادر من "جيل آخر زمن"، فلا بد وأن يعلموهم الآدب خلال هذه السنة. لن أنسى أبدًا قائد مركز التدريب حينما حدثنا بعد نهاية فترة مركز التدريب -أو كانت قد قاربت علي الانتهاء- "ها؟ مش حاسيين أنكم بقيتوا رجالة، يلحق نفسه، أينعم انتوا رجالة بس مش حاسين أنكم بقيتوا أحسن دلوقتي؟"، وكأننا من وجهة نظرهم فعلًا حفنة من ناقصي الرجولة. نفس الكلمة قالها قائد الكتيبة بعدما تظلمنا من الطريقة الحقيرة التي يعاملنا بها أحد الضباط، قائلًا في خضام حديثه الطويل: "كنتوا بكروش مدلدلين دلوقتي جسمكوا ظبط وشد.. بقيتوا رجالة يعني".

بعد هذا اللقاء مع قائد الكتيبة حدثني صديقي: "عارف، الجيش مش بيعمل راجل، الراجل بييجي من برة راجل وبيكمل راجل وبيخرج راجل، ورغم أن الجيش بيكشف قبل ما تدخل عشان يعرف إن كنت راجل ولا لأ لكن برده في خ**** دخلوا الجيش واتكشفوا لما دخلوا، فبردو اللي مش راجل بيدخل مش راجل وبيطلع مش راجل، اوعى تفتكر أنك لو جبان قلبك هينشف فى الجيش ولا عصبك هينشف فى الجيش، بالعكس هتفضل جبان وهتكتسب صفتين عليهم زيادة: النفاق والوشاية بزملاتك، الجيش بيستخدم كل واحد بصفاته ويوظفه على أساس صفاته، يعني لو أنت فتان هتتحط فرد أمن عشان تتجس على زملاتك وتوصل أخبارهم للقادة بتوعك".

الجيش على ما أظن لم يحقق هدفه "يعلم الآدب لعساكر السنة" وكما دخلوا خرجوا منها، تغييرات بسيطة فقط. فمثلًا من الأشياء التى قد اكتسبها كل العساكر تقريبًا أن تكون سليط اللسان ولعان. لقد نجح الجيش فى أن يخرج كل عساكر الجيش على هدف واحد، أن يجدوا فرصة للسفر للخارج.

في أحد اللقاءات لرفع الروح المعنوية للجنود والترفيه كان الضيف لواء من الذين قد شاركوا في حرب 1973، وتكلم كثيرًا عن الحرب ثم عن السلام وكان يستعجب من "الناس اللي بتقول أنا أول ما هخلص جيش هسافر على طول، أومال مين اللي هيقعد فى البلد"، لقد كان منفعلاً ويوشك على البكاء بالفعل، ثم سأل عسكري من الحاضرين "وأنت هتعمل ايه لما تخلص"، كان رد العسكري في منتهى البساطة "هسافر".

بعد هذا اللقاء حدثني أحد الأصدقاء: "واضح أن الناس دي فى وادي واحنا في وادي تاني.. هما عايشين في مية البطيخ واحنا اللي بنلبس في القشر".

لكن من الجدير بالذكر أن الجيش حقق مكاسب من فتح التعبئة العامة، مكاسب اقتصادية جبارة، فلك أن تتخيل عسكري راتبه ملاليم يوردها مباشرة للكانتين وعليها زيادة من جيبه الخاص مصاريف أكل وشرب وسجاير، فكما قال لي أحد الأصدقاء: "القبض بييجي من هنا سريعًا مارش على الكانتين عدل وكأن دي الحاجة الوحيدة في الجيش اللي سريعًا مارش".

اقرأ/ي أيضًا: 

مصر 2016.. السلاح قبل الخبز أحيانًا

تيران وصنافير.. من المستفيد؟