31-مايو-2018

جيميما جيمسون/ أمريكا

اسمي "إِكْتِيلْ". فقستُ بيضتي يوم دنَّس الصقور ساحة سيوف القادسية ببغداد على متن دباباتهم "م1 أبراهمس" ، مغتصبين أرض حمورابي وهارون الرشيد. إذا كان حمورابي أول إنسان وضع أسس القانون، فإن الـ"جي أَيْزْ"، وهم على خطى السفاح "هولاكو خان" الذي نسف بالخلافة العباسية نسفًا، أوكلت لهم مهمة طمس عراقة حضارة بلاد الرافدين تحت قميص "أسلحة دمار شامل" من كذب! فقد روى لي أبو الهدهد أن نهر الدجلة اسودَّ بحبر الكتب القيمة الكثيرة التي أتلفها جبروت المَغول، وكيف قُتل الخليفة المستعصم بالله بعد لفّه بسجاد ورفسه بحوافر الخيول حتى الموت.

في الحقيقة، كنت الناجي الوحيد من عش ست بيضات. أما الخمس الأخرى فقد قنصها أكبر نصاب عرفته بورصة "نزداك"، عندما كان سائحًا في الصحراء الكبرى. الرذاذ الأسود الزيتي لأمي لم يمنعه من قتل صغار الهدهد الخمسة. كانت جريمة ضد طيور عزل. ولكن الآن أشعر بالسرور بعد إدانته بثلاثين عامًا لكل بيضة زهقت، وسيخرج من السجن، إن طال أجله، عام 2159!

أين أنت، يا نبي الله سليمان؟ الهدهد الذي طالما كان وكالة أخباركَ الصادقة، أيادٍ خفية تريد كتم صوته وشهاداته. "قشرة الأمم المتحدة" برعت في صمتها حيال إبادة طيور الهدهد. قادة قلائل وقفوا إلى جانب قضيتنا ضد "محور القردة والخنازير". ما أحوجنا إلى طينة "هيجو شافيز" و"نلسون مانديلا" و"فيدال كاسترو". نشهد أن خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وسلم) نهى عن أكل الهدهد، إلى جانب النمل والنحل والصرد. كم كان رحيما حيال فصيلتنا.

 

أبصرُ من هدهدٍ

بعض مناقير السوء، من الببغاوات الغبية إلى طيور الطاووس، يسوّقون كلامًا من قبيل أن أعشاش الهدهد كريهة كأدبار البشر! وفي كل مرة، أذكّر تلك الطيور البليدة بأن طائر الهدهد كان له شرف خدمة نبي الله سليمان قبل آلاف السنين.

 

أذكى من هدهد

وكالة أنباء سيدنا سليمان (واس) سبقت بكثير PA وCBB ورويترز، والجزيرة، والعربية، والهاتف والإنترنيت. فأخبارنا "عاجل على يقين" ولا تحتمل التأويلات الكاذبة. لا دخان بركان، ولا نفاد طاقة يمكنهما تعطيل عمل (واس) على مر الأزمنة وفي كل مكان. الهدهد طائر حر يتحرى الخبر في البحار والوديان والصحاري والبراري، مُنيباً عن "البلاك بيري"! أظن أن البشر يمقتون طيور الهدهد لأسباب غير سليمة. ولا غرابة أن موسوعة "ويكيبيديا" أقصت الهدهد من قائمة الطيور الذكية. فالموقع المنحاز إلى الذاتية، تناسى فصيلتنا في سلم الذكاء، مكتفيا بذكر الببغاء، والغراب الأسود، والعقعق، وأبي زريق، والحمام . هذا يذكرني بزمرة "الخمسة الماكرة" في "قشرة الأمم المتحدة"!

منذ رحيل نبي الله سليمان عن هذه الدنيا، وذقنه على منسأته، فَقَدَ الهدهد تاجه وعرفه. لا يراودني أدنى شك، أن الغراب من أذكى الطيور بعدما علّم قابيل كيف يواري جثة أخيه هابيل في التراب على إثر أول جريمة قتل في تاريخ البشرية. 

 

بشرية الأساطير!

ففي دُويلة إستونيا، يعتبر الهدهد منذر شؤم الموت عند تحليقه في أجواء السماء. هراء! الهدهد ليس بملك الموت على الإطلاق. هل يظن سكان البلطيق بأن لا موت لهم لو لم يرفرف الهدهد في سماء المعمورة؟ أتعهد لسكان استونيا باجتناب بِركة "بيبوس" قدر الإمكان! منذ الآن، "طالين" أرض محرّمة على طيور الهدهد! فاتركوا الإستونيين يخلدون في هذه الدنيا الفانية! يا بنو ريشي المرقط ، صوبوا لعنتكم إلى الصين والهند، للتخفيف عن ازدحام كوكب النفاق! آمل أن لا يلفق بنو إسرائيل بالهدهد تهمة معاداة الجنسين الأصفر والأحمر. بالمناسبة، أحتج على اختيار الهدهد "العصفور الوطني في إسرائيل، سنة 2008". أيدٍ مخضّبة بدماء الفلسطينيين العزل لا يشرفنا تنظيفها بـ "أريال... شارون!"

وفي إسكندنافيا، يعتبر الهدهد نذير اندلاع حرب وشيكة. الحمد لله أننا لا نتكاثر في بلد "الفايكينغ" البارد جدا. حرب رسومات مضادة. سرعة طيراننا فائقة، وبصرنا حاد، ونتحمل الجوع والعطش على مسافات طويلة، ونحن أصدقاء الفلاحين بالتهامنا الحشرات الفتاكة بالمحاصيل. إن الحرب التي ننذر بها بوجودنا هي على الدود واليرقات، وليس بين البشر كما يزعم بلدان بحر الشمال! مرتع المومسات الشقراوات!

وعند مروري ببلاد الفرس، سمعت خرافة لا يقبلها عقل بشر وما بالك عقل هدهد. تفتري خرافتهم علينا أن امرأة متزوجة تحولت من شدة الهلع إلى طائر الهدهد بعدما فاجأها حماها وهي تمشط شعرها أمام مرآة، وتحول مِشطها "كافكيًّا" إلى عُرف فوق رأس الهدهد! مُضحك فعلا! فنحن خلق الله ولم ننحدر من حواء أو مِشط! العُرف الذي على رأس الهدهد يتكون من ثماني وعشرين ريشة، فهل كان لهذا المِشط المزعوم ثمانية وعشرين سناً؟ وجدت في أرشيفنا أن عُرف الهدهد كان من ذهب وكثر اصطياده من طرف البشر، فأنقذ نبي الله سليمان طيور الهدهد بتحويل عُرفهم الذهبي إلى عُرف من الريش المرقط!

وفي بلدان المغرب الكبير، تعتقد شعوبها المفتتة أن أكل قلب الهدهد من طرف الأطفال سيجعلهم نجباء في الدراسة. سخيف حقا! فاسألوا ماذا كان يأكل الأنبياء والرسل والعلماء والمخترعون لاكتشاف بهتانكم، يا بنو آدم!

يهذي سكان منطقة الهقار بصحراء الجزائر بأن عُرف الهدهد عقاب أزلي على جرم اقترفه. أي جرم؟ قتل أبيه! هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين! وأغرب ما عرفته، هو ربط سماع صوت الهدهد بحصاد وفير للكروم الموجهة لصناعة الخمور! ثمالة المعتقد!

المصريون القدامى قالوا أن الهدهد صديق الله وهو رمز عرفان الجميل، وأمامكم كتابات الهيروغليفية للتأكد من صحة ذلك. وجُلّ المخلوقات اعترفت لنبي الله سليمان بأن الهدهد أدهى حيوان على وجه الأرض.

أوشك فصل الصيف على احتباس حرارته. لي دور حشد طيور الهدهد للهجرة جنوبا مع بداية الخريف. أخيرا سأحلق فوق البيت العتيق، قبل دفع جناحَيَّ إلى أرض سبأ في اليَمَنْ السعيد، للتبرك بتاريخ طيرنا الجميل.

ولتغاريد الهدهد بقية في زوبعة براميل الخراب العربي المتواصل، من أجل مُلْكٍ زائلٍ وزائفٍ كنزعنا..

ونتنٍ كرائحة الهداهيد!

 

اقرأ/ي أيضًا:

بحضور الغربان الخمسة

صداقةُ العنكبوت