12-فبراير-2025
غالبية ضحايا هجوم  أوربرو كانوا من الأجانب (منصة إكس)

غالبية ضحايا هجوم أوربرو كانوا من الأجانب (منصة إكس)

في الخامس من الشهر الجاري، أقدم مسلح على فتح نيران بندقيته على طلاب مدرسة لتعليم الكبار في مدينة أوربرو وسط السويد. كانت الأنباء التي تصل تباعًا مثيرة للقلق في بلد يُعد من بين الأكثر أمنًا في العالم، والبعيد عن الصراعات والحروب منذ أكثر من مئتي عام. 

أسفر الهجوم عن مقتل عشرة أشخاص وإصابة آخرين، إضافة إلى العثور على المهاجم مقتولًا بعد تدخل الشرطة، التي أفادت بأنه انتحر. ورغم تأكيد الشرطة منذ البداية أن الهجوم لا يحمل طابعًا أيديولوجيًا حتى لا يُعتبر عملًا إرهابيًا ويُصنّف كجريمة جنائية، إلا أن طبيعته الفريدة تثير التساؤلات، إذ إن ثمانية من الضحايا العشرة كانوا من أصول أجنبية، فيما أفاد شهود عيان بأن المهاجم كان ينتقي ضحاياه بعناية. يُعدّ هذا الهجوم الأعنف في تاريخ السويد، مما زاد من حالة الجدل حول دوافعه الحقيقية وتأثيراته على المجتمع.

اتجهت بعض التحليلات إلى أن مرتكب مجزرة مدينة أوربرو ربما اعتقد أن المساعدات تذهب للأجانب، مما يؤدي إلى حرمانه منها، وهو الأمر الذي يصب في خانة الدافع السياسي ويؤكده

دوافع سياسية للهجوم

المدرسة التي استهدفها الهجوم تنتمي إلى ما يُعرف في السويد بـ"الكومفوكس"، وهو اختصار لكلمتي "فوكسن" (بالغ) و"كومون" (بلدية)، أي مدارس تعليم الكبار التابعة للبلدية، وعادةً ما تضم أقسامًا لتعليم اللغة السويدية للأجانب، والمواد الدراسية للكبار، والتعليم المهني. أي أن القاتل اختار أن يستهدف مكانًا يضم عددًا كبيرًا من المهاجرين.

ورغم أن الإعلام السويدي حاول أن يصرف الأنظار عن هذه المعطيات ويوجهها إلى أن القاتل، ريكارد أندرشون، السويدي عرقيًا البالغ من العمر 35 عامًا، كان عاطلًا عن العمل، يعيش في عزلة، ويعاني من مشكلات نفسية، إلا أنه لم يُجب عن أسئلة من نوع كيفية حصوله على سلاح مرخص.

بالإضافة إلى ذلك، توجهت الأنظار نحو مؤسسة الخدمات الاجتماعية "السوسيال" باعتبارها دافعًا محتملًا للهجوم، حيث كان القاتل قد تلقى رفضًا متكررًا لطلباته للحصول على مساعدات مالية. ومع ذلك، لم يتضح سبب اختياره استهداف المدرسة بدلًا من مكاتب الخدمات الاجتماعية نفسها!

وعندما سُئلت إحدى المسؤولات في المؤسسة عما إذا كان لديهم مكتب داخل مبنى المدرسة، رفضت الإدلاء بأي تعليق. في الأيام التالية، انتشرت أخبار عن اختفاء موظفين من "السوسيال"، لكن مع اتضاح الصورة لاحقًا، لم يُتابع أحد هذه المزاعم، مما زاد من الغموض حول علاقة المؤسسة بالحادثة.

بعض التحليلات اتجهت إلى أن القاتل ربما اعتقد أن المساعدات تذهب للأجانب، مما يؤدي إلى حرمانه منها، وهو الأمر الذي يصب في خانة الدافع السياسي بل ويؤكده.

التكتم على هوية الضحايا

اللافت أن التدخل لإنقاذ الضحايا من قبل الإسعاف ولتحييد المهاجم من قبل الشرطة تطلب عدة ساعات، وهو الأمر المستغرب في مدينة صغيرة المساحة، كبيرة من حيث عدد السكان والإمكانيات، حيث تتوفر أحدث الأسلحة والأجهزة والسيارات والمروحيات. ومع ذلك، نزف السوري سليم سكيف لساعات، تمكن خلالها من إجراء عدد من الاتصالات قبل أن تصل إليه الشرطة والإسعاف وتجدُه ميتًا.

ستة مصابين، خمسة منهم بحالات خطرة، نُقلوا إلى المستشفيات. ومع ذلك، استمر التكتم عن هوية الضحايا لعدة أيام، وإذا كان الجمهور قد تعرّف إلى بعضهم، فذلك كان من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. حتى هوية القاتل لم تُعلن على الفور.

اليمين المتطرف في مأزق

ظهر ارتباك سياسي وإعلامي غريب، يبدو أنه ناتج عن إحراج الحكومة، التي يحافظ على بقائها دعم برلماني من حزب يميني متطرف ذي جذور نازية، وهو حزب ديمقراطيو السويد (SD)، أكبر أحزاب التحالف الحاكم المعروف بتحالف" تيدو"، نسبةً إلى اتفاقية "تيدو" التي حصلت الحكومة بموجبها على دعمه دون أن يكون جزءًا منها. فهذا الحزب يحمل خطابًا عنصريًا معاديًا للمهاجرين، ولا تتوقف تصريحات قادته الفظة والتحريضية، بدءًا من زعيمه ييمي أوكيسون، الذي دعا في إحدى المرات إلى هدم المساجد لأنها تشجع على التطرف! وحتى رئيس الحكومة، أولف كريسترشون، المنتمي لحزب المحافظين، الذي كثيرًا ما يطلق تصريحات معادية للهجرة، مثل تصريحه الشهير بأن "المهاجرين عبء على السويد"، وهو التصريح الذي قوبل بردود فعل غاضبة من السويديين من أصول أجنبية، الذين شنّوا حملة على وسائل التواصل الاجتماعي أكدوا فيها مساهمتهم الفعالة في البلاد.

المفارقة أن هوية القتلى وخلفياتهم تنسف السردية العنصرية التي تزداد شيوعًا في المجتمع عبر السياسيين والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي تربط بين المهاجرين والبطالة وعدم الاندماج. فجميع الضحايا الأجانب، وحتى الضحيتين السويديتين، كانوا يتلقون تعليمًا مهنيًا لزيادة فرصهم في الحصول على عمل أو عمل أفضل، عدا عن السوري بسام الشلح، الذي كان يدرس اللغة السويدية إضافةً إلى عمله كخبّاز، ومعلمة الرياضيات عزيزة، المهندسة القادمة من كردستان العراق، التي خدمت السويد عشرين عامًا وكانت على أبواب التقاعد.

القاتل السويدي العاطل عن العمل منذ عقود، والذي صرخ، بحسب ما تظهر التسجيلات، "اخرجوا من أوروبا" أثناء الهجوم، لم يكن سوى إرهابي استهدف التنوع والتعددية في عمل إرهابي نموذجي، من حيث دافعه الأيديولوجي وهدفه في نشر الرعب في أوساط الأجانب. الضحايا كانوا رجالًا ونساء، شبابًا وكهولًا، مسلمين ومسيحيين، عربًا وأكرادًا، آسيويين وأفارقة وأوروبيين. جاؤوا من سوريا والعراق وإيران وأفغانستان والصومال وإريتريا والبوسنة والسويد، في تمثيل دقيق لأكبر الجاليات والمجموعات العرقية في البلاد. فهذا المجتمع المتعدد والمتنوع هو ما يكرهه اليمين المتطرف الباحث عن الإقصاء والصفاء والتفوق، وهو ما يضمنه النظام الديمقراطي العلماني في دولة الرفاه الحديثة، التي ترغب قوى التطرف في تغيير طابعها في نزوع تدريجي نحو الفاشية.

خطاب عنصري تحريضي 

رئيس الوزراء، أولف كريسترشون، وبعد أن أقر بالطابع الأيديولوجي للهجوم وأبدى تفهمًا لمخاوف الأجانب الذين يصل عددهم إلى مليوني شخص من بين 10 ملايين سويدي، وعبر عن تقديره لمساهمتهم، صرّح مرتين خلال أسبوع بأنه، بالمقابل، هناك "نسبة مجرمين كبيرة بين الأجانب"، وأن هناك "ارتباطًا بين الجريمة والهجرة" لم يكن الأمر زلة لسان، بل نظرة عنصرية غير معلنة تشبه تلك التي تربط بين السود والجريمة في الولايات المتحدة.

إلا أن الأساس الذي بُنيت عليه محاكمة كريسترشون خاطئ ومُخلّ، فالجرائم التي يتحدث عنها هي جرائم جنائية وليست سياسية ولا أعمالًا إرهابية، والعمل الإرهابي الوحيد الذي عرفته السويد منذ عقود كان في عام 2017، حين أقدم إرهابي من آسيا الوسطى على دهس مجموعة من الأشخاص في ستوكهولم بشاحنة، مما أدى إلى سقوط ثلاثة قتلى.

المفارقة أن هوية القتلى وخلفياتهم تنسف السردية العنصرية التي تزداد شيوعًا في المجتمع عبر السياسيين والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي تربط بين المهاجرين والبطالة وعدم الاندماج

رغم حالة الأمان التي تعيشها السويد، إلا أن هناك نشاطًا لعصابات الجريمة المنظمة، وهي مجموعات مغلقة تخوض صراعات داخلية على النفوذ وحصص تجارة المخدرات. وتتكرر حوادث إطلاق النار بين أعضاء العصابات أنفسهم في مناطق معينة، تُربط غالبًا بالمهاجرين، ويحدث أحيانًا أن يسقط أبرياء بالصدفة.

نعم، هناك زعماء عصابات معروفون بالاسم من أصول أجنبية، لكن لو تعمقنا في التفاصيل لوجدنا أنهم ينتمون إلى موجات الهجرة القديمة، وقد يكونون من الجيل الثاني، الذي لم يعرف بلدًا سوى السويد، مما يؤشر إلى الفشل الذريع في عمليات الاندماج التي تبنتها الحكومات لمواطنين يحمل آباؤهم وأحيانًا أجدادهم الجنسية السويدية.

وهذه الفئة ليست هي التي يستهدفها التحريض السياسي والإعلامي، فموجات الهجرة الجديدة والضخمة، التي يُعلّق عليها الفشل الاقتصادي والخدمي، لم تُنتج إرهابًا ولا جريمة. ومشكلات المجتمع لا تُحل بمنع تعليم اللغة الأم، كما يقترح اليمين، ولا بسحب الكتب المكتوبة باللغات الأجنبية من المكتبات، ولا بالتحريض ضد المسلمين وإهانتهم، وشيطنة داعمي القضية الفلسطينية، ولا بالدعم غير المحدود لإسرائيل سياسيًا وإعلاميًا، وتحويل خطاب الكراهية إلى خطاب رسمي للدولة، في خيانة لصورة السويد كنموذج للتسامح واحترام حقوق الإنسان.