17-أكتوبر-2017

عناصر من مليشيا أنتي بالاكا المسيحية المتورطة في أعمال قتل للمسليمن بأفريقيا الوسطى (أليكسس هيوجت/ أ.ف.ب)

خلال السنوات القليلة الماضية، ازداد تعرض المسيحيين في مصر لاضطهاد يصل للعنف والقتل، إما من قبل السلطات كما حدث في أحداث ماسبيرو 2011 على سبيل المثال، أو من قبل بعض المتطرفين كحادث ذبح القمص سمعان شحاتة قبل نحو أسبوع. لكن الاضطهاد على الهوية ليس سمة مصرية أو عربية فقط، فإلى الجنوب من مصر في القارة السمراء، يتكرر الأمر معكوسًا في جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث يتعرض المسلمون هناك لاضطهاد قد يكون أشد عنفًا، تمثل في مقتل مئات منهم ونزوح آلاف بعيدًا عن مناطق العنف المستمر منذ سنوات.

شهدت أفريقيا الوسطى قبل نحو أسبوع مقتل 25 مسلمًا داخل إحدى المساجد، على يد مليشيا "أنتي بالاكا" المسيحية

وقبل نحو أسبوع، عرف المسلمون في أفريقيا الوسطى حادثًا مأساويًا جديدًا، تمثل في اقتحام مليشيا "أنتي بالاكا" المسيحية، لإحدى المساجد، وقتلوا ما لا يقل عن 25 مسلمًا.

اقرأ/ي أيضًا: ضحية جديدة للتطرف الديني في مصر.. أوضاع الأقباط في خطر؟ 

النزاع في أفريقيا الوسطى

يدين غالبية شعب أفريقيا الوسطى بالديانة المسيحية، ويأتي الإسلام كثاني أكبر ديانة في البلاد، يدين بها 15% فقط من تعداد السكان. وفي عام 2009 تشكلت مليشيا مُسلحة مسيحية تُدعى "أنتي بالاكا"، وذلك خلال عهد الرئيس المسيحي فرانسوا بوزيزيه الذي حكم البلاد ما بين عامي 2003 و2013.

دعمت مليشيا "أنتي بالاكا" الرئيس بوزيزيه، الذي أيدها بدوره ودعّمها بجنود من الجيش. وقد عُرف عهد بوزيزيه، الحاكم الرابع للجمهورية، مزيدًا من القمع وغرقًا في الفساد والمحسوبية، وتكريسًا للعنصرية على أساس الهوية الدينية.

وفي 2012 تشكلت حركة تمرد مسلحة من أغلبية مسلمة، تُسمى "سيليكا"، قادت تمردًا في 2013 ضد فرانسوا بوزيزيه الذي استطاعت الانقلاب عليه، وجاءت بميشال جودوتيا كأول رئيس مسلم للبلاد، حكم أقل من عام، إذ دخلت البلاد في موجة عنف غير مسبوقة منذ استقلالها عام 1960، اضطر على إثرها جودوتيا إلى تقديم استقالته بضغوط دولية.

وكان جودوتيا قد اتهم بشكل صريح، الرئيس السابق بوزيه بدعم مليشيا أنتي بالاكا، وبانخراط فرنسا وتورطها في هذا الدعم، عبر أموال ترسل من حسابات بنكية في فرنسا لصالح مليشيا أنتي بالاكا. حتى أن وزير السياحة في عهد جودوتيا، حذّر من أن استمرار فرنسا في دعم أنتي بالاكا سيؤدي إلى تقسيم البلاد بين شمال مسلم وجنوبٍ مسيحي.

تزعم مليشيا أنتي بالاكا تخليها عن حمل السلاح منذ 2014، إلا أن الحادث الأخير وما سبقه من هجمات نفذتها المليشيا يُثبت كذب ادعائها

في 2014 زعمت مليشيا أنتي بالاكا تخليها عن حمل السلاح وانخراطها في العمل السياسي. لكن لم يكن ذلك إلا مجرد ادعاء ينفيه الواقع والهجمات المستمرة التي نفذتها بحق المسلمين.

اقرأ/ي أيضًا: البحث عن أفريقيا

صمت حقوقي

بعد هجوم أنتي بالاكا على مسجد في أفريقيا الوسطى وقتل ما لا يقل عن 25 من المسلمين، أصدرت منظمة التعاون الإسلامي بيانًا يدين الحادث، ثم تلاه بيانٌ من المملكة العربية السعودية يدين ما حدث، ويُعرب عن التضامن مع أفريقيا الوسطى ضد التطرف والإرهاب، مع أن المثير في بيان السعودية أنه يأتي في الوقت الذي تُدان فيه كل يومٍ تقريبًا بسبب الانتهاكات الخطيرة التي تمارسها عبر تحالفها العسكري في اليمن!

وبخلاف هذين البيانين، لم تصدر أية بيانات أخرى تدين المذبحة المروعة في أفريقيا الوسطى، سواءً من منظمات حقوقية أو ممثلي حكومات. على سبيل المثال آخر بيان صادر من منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية حول الأوضاع في أفريقيا الوسطى، يعود لآذار/مارس الماضي.

ورغم أن العديد من المنظمات الحقوقية والأممية، قد سبق لها أن أصدرت بيانات تحذر من انزلاق أفريقيا الوسطى في مستنقع الحرب الأهلية والقتل على الهوية، إلا أن الحادث الأخير عرف صمتًا مثيرًا للريبة، بلا توصيف للحادث بأنه عمل إرهابي، أو حتى إلقاء الضوء عليه من قبل المنظمات المعنية.

فرنسا في أفريقيا الوسطى

لفرنسا تاريخ سيئ السمعة في القارة السمراء، منذ الاستعمار حتى ما بعده، بتدخلاتها المستمرة خاصة في الدول التي تمثل أهمية استراتيجية لها، ومن بينها أفريقيا الوسطى، الغنية بالماس، والفقيرة رغم ذلك.

وكانت أفريقيا الوسطى جزءًا مما يسمى بأفريقيا الاستوائية الفرنسية، إذ ظلت تحت الاستعمار الفرنسي لنحو نصف قرن، حتى حازت استقلالها عام 1960، لكن يد فرنسا لم تتركها في حالها، وظلت لها دور نافذ سياسيًا واقتصاديًا.

عقب اندلاع الصراع الأهلي في أفريقيا الوسطة، بادرت فرنسا بإرسال آلاف الجنود بعد حصولها على تفويض من مجلس الأمن، لتشارك، أو بالأحرى تقود، القوى الأفريقية المشتركة في أفريقيا الوسطى للحد من الصراع وصولًا لإنهائه كما يفترض. لكن البيانات تُشير إلى تورط القوات الفرنسية في دعم المليشيات المسيحية، تأجيجًا للصراع. وكما سبق ذكره، فقد أشارت إلى ذلك بوضوح حكومة الرئيس السابق ميشال جودوتيا.

تكررت الاتهامات الموجهة لفرنسا بدعم المليشيات المسيحية بأفريقيا الوسطى، وارتكاب القوات الفرنسية هناك انتهاكات بحق أطفال ونساء

كما أن الرئيس التشادي، إدريس ديبي كرر الاتهامات الموجهة لفرنسا بدعم المليشيا المسلحة المسيحية في أفريقيا الوسطى، بل ارتكاب القوات الفرنسية انتهاكات جسيمة بحق أطفال ونساء في الدول الأفريقية التي تعرف حربًا أهلية على الهوية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف تورط الفرنسيون في مجازر الإبادة برواندا؟

3 تجارب مزدهرة لدول إفريقية تُغير نظرتنا النمطية عن القارة السمراء