20-سبتمبر-2015

لا بد من التطرق إلى الازدواجية في تناول الملف السوري عمومًا (أ.ف.ب)

بينما الموت مايزال يعيث في سوريا من أقصاها إلى أقصاها، وطوال سنوات الثورة كان الشارع السوري شاغل الشاشات، ولأن كل الشاشات الإعلامية وبكل توجهاتها لم تكن حيادية تجاه الدم السوري كان الحدث السوري، وربما سيستمر طويلا أشبه بالبورصة، يعلو ويهبط وفق مقتضيات الحاجة إليه كوسيط يدخل في جميع المعادلات الكيمياسياسية ويخرج منها دون أن يطرأ عليه أي تغيير ملحوظ، عدا أنه يخسر في كل مرة وهجه وفرصته بالنجاة.

 وغير بعيد عن كل هذا، كانت تركيا لاعبًا أساسيًا قدم للشعب السوري الكثير، كما كسبت كلاعب انتهازي أيضا الكثير، وما الحدود البحرية سوى ورقة كالكثير من الأوراق التي يتم التعامل معها وبها وفق التجاذبات السياسية دوليًا، وحتى محليًّا. ومحليًّا، يقصد ما يتم التوافق أو الاختلاف عليه في البيت التركي، بين مؤيدي ومعارضي أسلوب الحكم والحكومة التركية في التعاطي مع القضايا المصيرية، ولأن القضية السورية بما فيها من نقاط كثيرة متشعبة ومتجددة تطرح نفسها بقوة على القرار السياسي التركي فمن الطبيعي، حسب مبدأ المكاسب والمصالح السياسية، رؤية تذبذب واضطراب في التعامل التركي مع الملفات السورية، وليس آخرها ما قام به خفر السواحل التركي بتاريخ 15 أيلول/سبتمبر 2015 من انتهاك لكل المعايير الإنسانية في حادثة تتكرر كثيرًا، ولكن بعيد عن عين الكاميرا.

تُعتبر تركيا بوابة العبور الأولى باتجاه دول حقوق الإنسان المزعومة، لذا فإن عليها أن تفتح أو تُغلق حدودها بحسب مقتضيات الضغط والتراخي السياسي

بعد انطلاق مركب سياحي من سواحل بودروم التركية مُحمّلًا بما يقارب الـ180 شخصًا من طالبي اللجوء والأمان السوريين، بينهم أطفال ونساء، منطلقا باتجاه جزيرة كوس اليونانية، قامت قوة من خفر السواحل التركية على متن القارب الذي يحمل الرقم "302" بإطلاق النار على المركب، وضخ المياه عليه حتى تم إغراقه، الضحايا الذين ماتوا غرقًا تجاوزوا 22 شخصًا بينما اقتاد قارب آخر من خفر السواحل التركية بقية المهاجرين باتجاه معتقل "بيت الضيافة العثمانية" المحاط بالقناصة والجاندرما.

 المعتقَلون مخيرون بين البقاء في المعتقل، أو الترحيل القسري إلى سوريا، وهنا لا بد من التطرق إلى هذه الازدواجية في تناول الملف السوري عمومًا، وملف اللاجئين على وجه الخصوص، فالبعض يحمّل المعارضة التركية لسياسة أردوغان مسؤولية هذه التجاوزات الإنسانية بالدرجة الأولى، كما يتهم البعض أردوغان نفسه بأن كل ما يجري يتم التنسيق بصدده مع اللاعب الأوروبي، حيث تُعتبر تركيا بوابة العبور الأولى باتجاه دول حقوق الإنسان المزعومة، لذا فإن عليها أن تفتح أو تُغلق حدودها بحسب مقتضيات الضغط والتراخي السياسي من حيث اعتبار ملف اللجوء أحد أهم وأكثر الملفات التي تؤثر في رسم السياسات العالمية حاليًا، وغير غائب عن أحد مدى الانتقائية التي تعرضت لها الثورة السورية على مدى خمس سنواتها، تلك الانتقائية السياسية التي تلمّع وترتب الأولويات بناء على المصالح الدولية الضيقة.

وهنا يبرز دور الإعلام الانتقائي، أيضا والمُجيَّر أصلاً لإرساء سياسات معينة بالتعامل مع الحدث السوري على أنه مادة إعلامية تحقق المشاهدة من طرف، وعلى أنه أصل من أصول اللعب السياسي بموجب الظروف الراهنة، بمعنى، لا نزاهة مع الحدث. ربما كان من الضروري جدا أن تبدأ ثورات الربيع العربي لتكشف لنا بعد أن وصلت إلى سوريا كمَّ الأوهام التي كانت تُسوَّق على أنها حقوق وواجبات.