05-مارس-2023
getty

من المتوقع أن يكون هدف الجيش الروسي القادم مدينة تشاسيف يار الأوكرانية (Getty)

تشهد منطقة باخموت شرق أوكرانيا، المعارك الأعنف منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/ فبراير من العام الماضي، وتتحول المنطقة إلى الرمز الأكبر للمواجهة منذ بداية الحرب، وسط إصرار روسي على السيطرة عليها وصمود أوكراني كبير. 

أهمية المعركة في باخموت ظهرت من زيارة قائد القوات البرية الأوكرانية المدينة للمرة الثانية في أقل من أسبوع

وقال الجيش الأوكراني، اليوم الأحد، إن القوات الروسية تهاجم باخموت من ثلاثة محاور في محاولة متواصلة لتطويق القوات الأوكرانية، ومواصلة الضغط على باخموت، التي أصبحت نقطة محورية لهجوم موسكو واسع النطاق في شرق أوكرانيا، موضحةً أن قواتها صدت 130 هجومًا روسيًا في اليوم السابق.

getty

ويقول خبراء إن الهجوم الروسي يخاض في خمس أو ست نقاط على طول خط أمامي يمتد حوالي 100 ميل من بلدة كريمينا في لوهانسك إلى فولدار في دونيتسك حيث تكبدت موسكو خسائر فادحة في معركة دبابات في الأسابيع الأخيرة، بحسب نيويورك تايمز.

getty

أمّا أهمية المعركة في باخموت ظهرت من زيارة قائد القوات البرية الأوكرانية المدينة للمرة الثانية في أقل من أسبوع يوم الجمعة، في انعكاس للموقف الصعب للقوات الأوكرانية المتواجدة في المدينة المدمرة، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

ويستمر القتال والصراع على باخموت منذ آب/ أغسطس الماضي، ومنذ ذلك الحين تعيش المدينة قتالًا مستمرًا، تدافع فيه القوات الأوكرانية، فيما تواصل القوات الروسية هجومها الكبير، مدعومةً من قبل مرتزقة شركة فاغنر، فيما تمكنت موسكو من تحقيق مكاسب ميدانية خلال الأسابيع الأخيرة.

وبحسب المصادر الأوكرانية التي تحدثت لـ"نيويورك تايمز"، فإن الجيش الأوكراني، تمكن من دفع القوات الروسية للخلف قليلًا، مما قلل من خطر المدفعية الروسية على الطريق السريع في محيط باخموت، والذي يلعب دورًا أساسيًا في إمداد القوات الأوكرانية.

getty

ويتحدث قادة الجيش الأوكراني، عن رغبتهم بالصمود لأطول فترة ممكنة في باخموت، بهدف إضعاف القوات الروسية، في محاولة لكسب أكبر قدر ممكن من الوقت، مع بقاء خيار الانسحاب قائمًا.

على الجانب الآخر، نشر مالك شركة فاغنر يفغيني بريغوجين، مقطعًا مصورًا متحدثًا فيه عن حصار باخموت داعيًا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى سحب قواته من باخموت، قائلًا: "الكماشة تغلق". 

وتعلق نيويورك تايمز على مقطع مالك شركة فاغنر، بالقول: "ليست هذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها بريغوجين تصريحات جريئة، وقد ثبت خطأ العديد منها. لكن هشاشة القبضة الأوكرانية على باخموت كانت واضحةً منذ أسابيع"، فيما تحدثت الصحيفة الأمريكية عن انسحاب بعض الوحدات الأوكرانية من المدينة.

المعركة الأطول

وتتابع نيويورك تايمز حديثها عن المعركة، بالإشارة إلى أنها أطول هجوم روسي متواصل منذ بداية الحرب، ونتج عنه خسائر فادحة لدى قوات كييف وموسكو، دون الكشف عن رقم رسمي للقتلى، فيما يتحدث الجيش الأوكراني عن قتل 800 روسي يوميًا، وتقول مصادر طبية أوكرانية على الجبهة إنها تتعامل مع عشرات الجنود الجرحى كل يوم، وكل هذا مؤشر على حدة المعركة.

ولفهم الاستراتيجية الأوكرانية في باخموت، يمكن الانطلاق من تصريح نائب قائد الحرس الوطني الأوكراني فولوديمير نازارينكو، بقوله: "تتمثل مهمة قواتنا في باخموت في إلحاق أكبر عدد ممكن من الخسائر بالعدو، كل متر من الأراضي الأوكرانية يكلف العدو مئات الأرواح".

ويعود القادة الأوكران، للحديث عن معارك سيفيرودونتسك وليسيتشانسك في الصيف الماضي لشرح استراتيجيتهم، حيث قال المتحدث باسم القيادة الشرقية لأوكرانيا سيرهي شيريفاتي، إنه "من خلال صد الجيش الروسي في تلك المدن لفترة طويلة، تمكنت أوكرانيا من إضعاف القدرة القتالية للعدو بشدة، مما مهد الطريق لهجوم مضاد ناجح في الخريف".

getty

الحصار رديف الهزيمة

الخطر الأكبر الذي يهدد القوات الأوكرانية، هو حصارها من قبل الجيش الروسي، حيث تمكنت روسيا من السيطرة على طريق من بين ثلاثة طرق تربط باخموت في محيطها من أجل تأمين الإمدادات، فيما تهدد القوات الروسية الطريق الثانية والثالثة من خلال القصف المستمر.

والطرق التي لم تتمكن القوات الروسية من قطعها، تقوم بإغلاقها من خلال تكثيف القصف عليها، مما يصعب الحركة عليها، لكن مع ذلك فإن الإمدادات الأوكرانية يمكن أن تمر من خلالها، فيما يلوح خطر سيطرة الجيش الروسي على الطرق في أي لحظة.

وتتابع الصحيفة الأمريكية القول: "تم إرسال تعزيزات أوكرانية هذا الأسبوع [إلى باخموت]، وفقًا لقادة أوكرانيين، لكن من غير الواضح ما إذا كانوا هناك للمساعدة في تغطية انسحاب أو لمحاولة الاحتفاظ بالمدينة لفترة أطول".

وحول التكتيك الروسي العسكري، تضيف نيويورك تايمز "يبدو أن الروس يعتمدون الآن على تسوية العديد من المباني بحيث يكون لدى الأوكرانيين عدد قليل من الأماكن التي يلجأون إليها ويطلقون النار منها على القوات الروسية".

ومن المتوقع أن يكون هدف الجيش الروسي القادم، بعد الانتهاء من السيطرة على باخموت، مدينة تشاسيف يار الأوكرانية.

وتسيطر أوكرانيا حاليًا على حوالي نصف منطقة دونيتسك، وتقول التحليلات العسكرية إن موسكو ستسعى لاستخدام باخموت كنقطة انطلاق لاكتساح المنطقة، فيما سيلعب الانتصار دورًا معنويًا للكرملين بعد أشهر من النكسات، في الوقت نفسه تعمل القوات الأوكرانية على تحصين مواقعها في تشاسيف يار، التي ستكون الهدف القادم لروسيا.

getty

الانتصار على الركام

كتب المحلل العسكري واللواء متقاعد بالجيش الأسترالي والباحث في معهد لوي  ميك رايان، أن القوات الروسية، وعلى الرغم من تكبدها الكثير من الخسائر "بدأت ببطء ولكن بثبات السيطرة على باخموت وما حولها"، وأضاف رايان: "الحقيقة هي أنه إذا استولى الروس على باخموت ، فإنهم يستولون على الأنقاض". متابعًا القول: "أنها مدينة ذات أهمية إستراتيجية ضئيلة، مع عدم وجود بنية تحتية متبقية تقريبًا لدعم القوة المحتلة."

من المتوقع أن يكون هدف الجيش الروسي القادم، بعد الانتهاء من السيطرة على باخموت، مدينة تشاسيف يار الأوكرانية

من جانبه، أشار معهد دراسات الحرب وهو مجموعة بحثية مقرها الولايات المتحدة، إلى أن القوات الروسية "لن تكون على الأرجح قادرةً على تطويق المدينة قريبًا"، ولكن من خلال إغلاق الطرق التي تعد شريان الحياة الحيوي لتزويد المقاتلين الأوكرانيين بالإمدادات، فإنها يمكن أن تُجبر قوات كييف على التخلي عن مواقعها الدفاعية والانسحاب.