حوّل جيش الاحتلال الإسرائيلي مخيّم جباليا شمالي قطاع غزة إلى مدينة أشباح، وذلك بعدما كان قبل الحرب أحد أكثر الأمكنة في العالم ازدحامًا بالسكان، ورافقت عملية التطهير العرقي للمخيم جرائم حرب ومظاهر لا إنسانية عديدة، ليس أقلها صدمةً للضمير العالمي مشاهد الكلاب وهي تنهش جثامين القتلى على قارعة الشوارع.
سلطت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية الضوء على واقع المخيّم المزري، مؤكدةً أن جيش الاحتلال قام بتدمير ما يصل إلى 70% من المباني في جباليا بالكامل، خلال العملية العسكرية التي بدأها هناك في الخامس من تشرين الثاني/أكتوبر 2024. وكانت هذه العملية هي الثالثة التي ينفذها جيش الاحتلال في مخيم جباليا، حيث نفذ العملية الأولى في المخيم في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، والثانية في أيار/مايو 2024، واللافت أنّ جيش الاحتلال لم يعثر على أي محتجز إسرائيلي في المخيم رغم الدمائر الهائل والتهجير.
وبحسب المحلل العسكري في "هآرتس"، عاموس هرئيل، الذي زار المخيم فإنه حتى المباني القليلة التي بقيت واقفةً لحقتها أضرار واضحة، معتبرًا أنّ مستوى التدمير الذي أحدثه جيش الاحتلال في جباليا لا يمكن مقارنته حتى بالمواقع العملاقة لحزب الله اللبناني التي فجرها الجيش في قرى جنوب لبنان، ولا بتلك الواقعة في محور فيلادلفيا الموسع في رفح جنوب غزة، فما حدث في جباليا في أقل من 3 أشهر أشد وأوسع من حيث الدمار.
قام جيش الاحتلال بتدمير 70% من المباني في جباليا وتلك التي لم تدمر لحقتها أضرار ملحوظة، واللافت أنه لم يعثر على أي محتجز إسرائيلي في المخيم رغم الدمائر الهائل والتهجير
ودفع ذلك هرئيل إلى تشبيه جباليا بمدينة أشباح، إذ إنه في الخارج "يمكنك رؤية مجموعات من الكلاب تتجول بحثًا عن بقايا الطعام"، وفق تعبيره، حيثُ أشار تقرير "هآرتس" إلى أن الفرقة 262 مدرعات تتولي إدارة أربع ألوية قتالية في جباليا وفي بيت حانون وبيت لاهيا المجاورتين.
وفي المقابل، تدّعي الصحيفة، أنّ من يتولى قيادة كتائب القسام في شمال غزة، عز الدين حداد، الذي ينسق عمليات المقاومة في مخيم جباليا. كما تزعم الصحيفة أن التكتيك القتالي لكتائب عز الدين القسام في المنطقة يقوم على تزويد مجموعات صغير مكونة من 4 إلى 5 عناصر بأسلحة خفيفة بالإضافة لمتفجرات وعبوات ناسفة وقذائف آر بي جي، وبحسب إحصائية أوردتها الصحيفة، فإنّه منذ العملية الثالثة ضدّ المخيم، فقدت إسرائيل 35 من جنودها سقطوا قتلى، بالإضافة لمئات الجرحى.
ودفعت هذه الخسائر جيش الاحتلال إلى تغيير استراتيجيته القتالية في مخيم جباليا، من استراتيجية تعتمد على دخول المنازل، إلى استراتيجية تقوم على التحرك ببطء وحذر، وهذا ما يفسر إلى حد ما مستوى الدمار الذي يُحدثه، بفعل عمليات القصف والتمشيط عبر الغارات الجوية والمدفعية.
وتسبّبت هذه الاستراتيجية في إحداث ضغط متزايد على السكان الذين اضطرّ كثير منهم إلى مغادرة المخيم بفعل كثافة النيران التي يتم إطلاقها في مساحة كثيفة بالسكان.
واعتبرت هآرتس أنّ هذه الاستراتيجية تأتي ضمن مقتضيات ما تعرف بخطّة الجنرالات التي وضعها اللواء في جيش الاحتياط، غيورا آيلاند، وحازت دعمًا من عشرات الضباط في جيش الاحتلال، وتقضي الخطة بطرد المدنيين من شمال غزة وجنوبها حتى ممر نتساريم الذي أقامته قوات الاحتلال وسط القطاع لفصل شماله عن جنوبه، حتى يتمكن من جعل مدينة غزة بكافة أحيائها منطقةً عسكرية مغلقة.
يشار إلى أنّ الإحصائيات المعلنة من طرف جيش الاحتلال الإسرائيلي، تتحدث عن حوالي 300 ألف فلسطيني يتواجدون في تلك المنطقة، وبحكم الخطة الرامية إلى جعلها منطقة عازلة، فإنّ جميع السكان معرضون لخطر التهجير، عبر الممرات التي حددها جيش الاحتلال بوصفها آمنة.
ومن غير المستبعد أنّ حكومة نتنياهو تخطط، من خلال خطة الجنرالات، لإعادة المستوطنات إلى غزة، استجابةً لمطالب اليمين المتطرف في الحكومة، ممثّلًا في الوزيرين، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريش، اللذان يعارضون بقوة صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار.