تسببت الحرب المستمرة في السودان منذ أكثر من عامين في لجوء عشرات الآلاف إلى دول الجوار، وعلى رأسها تشاد، حيث أقامت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مخيمات لإيواء الفارين بحثًا عن الأمان. وتتزايد في المقابل مخاوف المنظمات الدولية والإنسانية من تفشي سوء التغذية، لا سيما بين الأطفال والنساء، في ظل نقص الغذاء والخدمات الأساسية.
وقال تقرير صادر عن مفوضية اللاجئين في آذار/مارس الماضي إن عدد اللاجئين السودانيين المسجلين لديها بلغ ما لا يقل عن 760 ألف، من بينهم 88% من النساء والأطفال، فضلًا عن وصول 41 ألف لاجئ إضافي خلال العام الجاري. وفي المقابل، تشير المفوضية إلى أن أكثر من ثلاثة ملايين سوداني لجأوا إلى دول الجوار جراء الحرب التي دخلت عامها الثالث في نيسان/أبريل الجاري.
"نحن نعاني قلة الأكل"
سلّطت وكالة "الصحافة الفرنسية" في تقرير لها الضوء على الأوضاع الإنسانية في مخيم "طولوم" شرق تشاد، الذي يؤوي ما بين 25 و30 ألف لاجئ سوداني. وتشير إلى أن مفوضية اللاجئين أنشأت في هذا المخيم، الواقع في منطقة شبه صحراوية مقفرة قرب بلدة إيريبا المحاذية للحدود السودانية، ملاجئ من صفائح معدنية وخيام من الخيش الأبيض.
تشير تقارير مفوضية اللاجئين إلى أن مقاطعات شرق تشاد، التي تأوي أصلًا 400 ألف لاجئ سوداني لجأوا إليها عقب اندلاع حرب دارفور عام 2003، تُعد من بين أكثر المقاطعات حرمانًا في البلاد
في واحدة من الحالات التي تعكس حجم المعاناة التي يعيشها اللاجئون السودانيون في هذا المخيم المكتظ بالسكان، تبرز قصة نجلا موراو (32 عامًا)، التي خلص الأطباء إلى إصابة ابنها، البالغ من العمر عامين، بسوء تغذية حاد. تقول موراو: "نحن نعاني من قلة الأكل"، مضيفةً، وهي الأم النحيلة أيضًا: "منذ وصولنا... لا نأكل طوال اليوم سوى طبق من العصيدة"، وهو طبق سوداني شائع يُعدّ من الذرة الرفيعة.
وبحسب ديسامبا آدم نغارهودال (25 عامًا)، الممرض في منظمة "أطباء بلا حدود"، فقد ارتفعت حالات سوء التغذية في المخيم خلال الأسابيع الماضية "من 100 إلى 150 استشارة أسبوعية"، مشيرًا إلى أن نصف الحالات التي تُعايَن تعاني من سوء التغذية. كما أوضح أن الحالات الأشد خطورة تُحوّل إلى مستشفى إيريبا، الذي يبعد نحو 30 دقيقة بالسيارة.
من جهته، قال الممرض حسن باتايمو (38 عامًا)، في حديثه للوكالة الفرنسية بعد يوم من تسجيل أول حالة وفاة لرضيع سوداني بسبب سوء التغذية في مستشفى إيريبا، إن "جناح سوء التغذية في المستشفى تجاوز قدرته على استقبال المرضى منذ مطلع الشهر الجاري"، مضيفًا أن الطواقم الطبية تتوقع "استمرار تزايد الحالات مع حلول الموسم الحار وتجاوز درجات الحرارة 40 درجة مئوية".
نحتاج إلى دعم كبير لدعم اللاجئين السودانيين
تشير تقارير مفوضية اللاجئين إلى أن مقاطعات شرق تشاد، التي تأوي أصلًا 400 ألف لاجئ سوداني لجأوا إليها عقب اندلاع حرب دارفور عام 2003، تُعد من بين أكثر المقاطعات حرمانًا في البلاد. وأضافت أن اللاجئين الجدد الذين وصلوا إلى المنطقة زادوا من الضغوط على الموارد والخدمات الشحيحة، في وقت لا تزال فيه الأوضاع في السودان غير مستقرة، حيث يواصل المدنيون الفرار ليس فقط من أعمال العنف المستمرة، بل أيضًا من الجوع.
📌 يعاني السكان في مدينة الفاشر من أسوأ أزمة إنسانية نتيجة للقتال المستمر وحصار قوات الدعم السريع لها.
📌 أعلنت شبكة أطباء #السودان عن مقتل 12 مدنيًا في هجوم شنته قوات الدعم السريع على منطقة خور الدليب في ولاية جنوب كردفان، وذلك منذ يوم الاثنين الماضي.
📌 أكدت الشبكة في بيانها… pic.twitter.com/wjoitjkiCh
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 3, 2025
كما أكد رئيس العمليات الإنسانية في منظمة "أنقذوا الأطفال" في السودان، فرانشيسكو لانينو، أن السودان "يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم"، جراء الحرب الدائرة في البلاد، لافتًا إلى أن "ما يقرب من 13 مليون شخص هجروا ديارهم ونزحوا "، أي "معظم السكان"، مضيفًا أنه "يوجد، بينهم أكثر من ستة ملايين طفل". ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة يوجد من بين هؤلاء الأطفال 570 طفل سوداني لاجئ في تشاد.
وبحسب مفوضية اللاجئين، فإن تشاد، التي تُعد واحدة من أفقر دول العالم، لا يمكنها تقديم المساعدة بمفردها للاجئين السودانيين الذين فروا من بلادهم، وسط توقعات بأن يرتفع العدد إلى أكثر من 970 ألف لاجئ بحلول نهاية العام. وتشير المفاوضية إلى أنها حتى نهاية شباط/فبراير لم تتلقّ إلا 14% من أصل ما يزيد على 409 ملايين لمساعدة اللاجئين في تشاد هذا العام.
من جهته، قال حاكم مقاطعة وادي فيرا حيث يقع مخيم طولوم، دجيمباي كام ندوه، للوكالة الفرنسية إن: "الشعب التشادي هو شعب مضياف وتقاليده تملي عليه الترحيب بإخوانه السودانيين في حالات الضيق"، لكنه أضاف مستدركًا أن "عدد سكان المقاطعة تضاعف عمليًا، ونحن نطلب توفير دعم كبير لنا".
لم تعد هناك وسيلة لدعم اللاجئين السودانيين
وكانت قد خيمت حالة من القلق العميق بعد تجميد المساعدات الأميركية الذي فرضته إدارة الرئيس دونالد ترامب في كانون الثاني/يناير الماضي، بالإضافة إلى خفض التمويل من المانحين الآخرين، خاصةً الدول الغربية، والتي يظهر أنها جميعها تأثرت بإغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي كانت تمول النسبة الأكبر من الدعم الإنساني العالمي.
في مشهد يُجسّد مأساة السودانيين، توثّق صحيفة "الغارديان" رحلة ستة أشقاء أيتام فرّوا من جحيم الحرب في أم درمان، قاطعين مئات الكيلومترات إلى مدينة الجنينة المنكوبة في إقليم دارفور.
اقرأ التقرير: https://t.co/trAG5gaf6z pic.twitter.com/R6aIx9CCYj
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 12, 2025
وشدد المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، على أنه "مع خفض المساعدات المالية، لم تعد لدينا الوسائل لمساعدة اللاجئين السودانيين كما كنا نفعل حتى الآن"، محذرًا من أنه "إذا لم يتم تقديم المساعدة لهؤلاء الأشخاص، فسيلجأون إلى طريق الهجرة عبر ليبيا.. حيث يستغل المجرمون بؤسهم"، داعيًا القارة الأوروبية إلى أن "تتصرف حيال ذلك".
من جانبه، أكد نائب مدير برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة في تشاد، ألكسندر لو كوزيا، أن نقص التمويل يهدد "مئات الآلاف من الأرواح". وتأتي هذه التحذيرات لتدق ناقوس الخطر وسط مخاوف من تفشي الأمراض الموسمية وتدهور الأوضاع الإنسانية نحو الأسوأ، مع اقتراب موسم الأمطار خلال الأسابيع القليلة المقبلة
وقد دعا منسق الطوارئ لدى "أطباء بلا حدود" في وسط دارفور، صموئيل سيليش، إلى الاستعداد "لموجة حادة من حالات سوء التغذية والملاريا"، وتابع مضيفًا "هذا العام، نواجه أيضًا تفشيًا لمرض الحصبة في دارفور"، مؤكدًا على أن تزامن هذه الأمراض قد تكون له تبعات كارثية، لا سيما على الأطفال.