مخلفات حرب الإبادة.. معاناة مركّبة يواجهها سكان غزة
13 أكتوبر 2025
تُعقّد مخلّفات حرب الإبادة الجماعية الحياة في قطاع غزة المحاصر منذ 18 عامًا. ولا تقتصر آثار الحرب، كما هو معتاد في النزاعات، على الألغام والمتفجرات التي تفنّنت إسرائيل في نشرها وإخفائها أملاً في حصد مزيد من الضحايا، وكأنّ قتل أكثر من 67 ألف فلسطيني لم يُشبع بعد نهمها للدماء.
فإلى جانب هذه المخلفات العسكرية، يواجه سكان القطاع انهيارًا شاملًا في الخدمات الأساسية: من الصحة والنقل إلى الماء والكهرباء والتعليم والبنى التحتية، إلى حد باتت فيه غزة أقرب إلى مكان غير صالح للعيش — وهو ما يبدو أنه الهدف الفعلي لحرب الإبادة، لجعل التهجير (الترانسفير) أمرًا واقعًا لا مفر منه.
المتفجّرات والألغام
اكتشف الغزيون العائدون إلى أنقاض منازلهم ومناطقهم وجود أنواع مختلفة من الألغام والمتفجرات الإسرائيلية، بعضها مدفون تحت الركام، وبعضها في أزقة المخيمات، وأحيانًا داخل المعلّبات وقطع الطوب وحتى على شكل أجبان.
وفي هذا السياق، أفاد المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، برصد "عبوات متفجرة صغيرة داخل علب كوكا كولا تركتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وكانت عبارة عن قنابل موقوتة تنفجر بمجرد ملامستها". وأضاف أن طواقم الدفاع المدني عثرت أيضًا على "مواد متفجرة تشبه الأجبان في غزة"، محذرًا من خطورة أن يظنّ السكان أنها بقايا طعام تركها الجيش الإسرائيلي.
اكتشف الغزيون العائدون إلى أنقاض مناطقهم ومنازلهم وجود أنواع مختلفة من الألغام والمتفجرات الإسرائيلية التي يرقد بعضها تحت الأنقاض وفي أروقة الأزقة وأحيانًا في المعلّبات والطّوب وعلى شكل أجبان
وينطوي خطر الألغام على ما هو أكثر من التفجير، إذ كشفت التحقيقات أن بعض الروبوتات المتفجرة تحتوي على مواد كيميائية تتسرب إلى التربة والمياه، ما يشكل أضرارًا صحية وبيئية طويلة الأمد.
تشير التقديرات إلى وجود آلاف الأطنان من المتفجرات والقنابل والصواريخ والألغام غير المنفجرة التي خلفها الاحتلال في مناطق انسحابه أو في المناطق التي استهدفها القصف. وتقدّر دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام أن نسبة الذخائر التي لا تنفجر تصل إلى نحو 10% من عدد الذخائر المستخدمة في الغارات.
وترجح تقارير أممية أن تستغرق عملية إزالة الأنقاض والمخلفات الحربية غير المنفجرة حوالي 14 عامًا إذا تسارعت الجهود، أما إذا تباطأت فقد تمتد لعقود.
ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية
ولا تقتصر الأزمة على المخلفات الحربية، بل تمتد لتشمل الحياة اليومية لسكان القطاع، خصوصًا الغذاء. بلغت أسعار المواد الغذائية الأساسية في غزة مستويات غير مسبوقة منذ بداية الحرب. ويزيد من خطورة الوضع أن سكان القطاع، على عكس مناطق الصراع الأخرى، لا يملكون أي فرصة لزراعة المحاصيل الغذائية؛ إذ تبلغ نسبة الأراضي المتاحة للزراعة 1.5% فقط.
وأعلنت منظمة الأغذية العالمية في وقت مبكر من الحرب عن بلوغه انعدام الأمن الغذائي مستويات خطيرة في بعض مناطق القطاع المحاصر. ويضاعف ذلك استخدام إسرائيل للتجويع كسلاح حرب، عبر منع إدخال المساعدات وتحويل مناطق توزيعها إلى مصائد قتل، فضلًا عن قيام عصابات، تحظى بالحماية الإسرائيلية، بنهب قوافل المساعدات التي تدخل القطاع.
ورغم وقف إطلاق النار وبدء إدخال المساعدات، إلا أن الكميات المتدفقة ما تزال بعيدة عن تغطية الاحتياجات.
وفي هذا السياق، قالت الناطقة باسم منظمة أوتشا، أولغا شيروفكا، لموقع "سويس إنفو":"ما زالت أشياء كثيرة تُمنع من الدخول – لاسيما المعدات والأدوات ذات الاستخدام المزدوج. من عانى سوء تغذية حاد، وأشهر طويلة من الحرمان… لن يكفيه كيس واحد من الطحين لمعالجة التداعيات؛ يحتاج إلى تغذية خاصة ومساعدة طبية محددة".
ويُشير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) في 22 آب/أغسطس الماضي، المرجع العالمي المعتمد لمراقبة الجوع، إلى معاناة محافظة غزة من المجاعة.
انهيار المنظومة الصحية
تعرّضت مستشفيات غزة للقصف والحصار، وأسفر ذلك عن استشهاد المئات، معظمهم من المرضى والعاملين. وتشير معطيات منظمة أطباء بلا حدود إلى أن الاحتلال دمر ثلث المرافق الصحية في غزة، بينما لا يعمل الباقي بكامل طاقته.
وفي 25 آب/أغسطس الماضي، استهدف هجوم إسرائيلي مستشفى ناصر، الذي كان الوحيد الذي يعمل جزئيًا، ما أسفر عن سقوط 20 شهيدًا بينهم 5 صحفيين.
كما حرمت المستشفيات بشكل متكرر من الوقود والمعدات الطبية والأدوية، مما أدى إلى شلّ عملها أكثر من مرة.
وبالنظر إلى هذا الواقع، تعجز مستشفيات غزة عن تقديم الرعاية الصحية لقطاع واسع من السكان، ويرى مراقبون أنه من دون إزالة القيود بشكل مستمر، ستتطلب معالجة تبعات الحرب على القطاع الصحي سنوات وربما عقودًا من العمل.