23-نوفمبر-2016

يرى محمد كراس في الهندسة المعمارية فنًا جميلًا لا موردًا للمال (الترا صوت)

تخضع التخصّصات العلمية في الجامعة الجزائرية، إلى نفس النظرة الاجتماعية إلى الأفراد والجماعات، غنية وفقيرة، وينسحب ذلك على المنتسبين إليها، وتأتي الهندسة المعمارية ضمن التخصّصات المنظور إليها وإلى دارسيها بهيبة واحترام، لأسباب موضوعية كثيرة منها أنها تعود على ممتهنها، بعد التخرّج، بما يجعله مرتاحًا من الناحية المالية.

يرى محمد كراس، الطالب الجزائري، في الهندسة المعمارية فنًا جميلًا لا موردًا للمجد والمال

غير أن الطالب المنتسب لهذا التخصّص، الذي يدرّسه 14 قسمًا ومدرسة عليا واحدة على المستوى الوطني، يأتي في طليعة الطلبة المعروفين بالشكوى والتبرّم، بالنظر إلى قسوة العمل الذي يجد نفسه مطالبًا به على مدار خمس سنوات، ثلاث للإجازة/البكالوريوس واثنتان للماجستير، وكثرة المصاريف والنفقات، وقلة النوم والأوقات المتاحة للترفيه، خاصّة إذا كان الطالب يملك طموحًا للتفوّق.

استقبلنا محمد كَرّاس، من مواليد 1994، في قسم الهندسة المعمارية التابع لجامعة مستغانم، 400 كيلومتر غربًا، وأدخلنا إلى عوالمه التي قال عنها إنها غريبة غرابة الأشكال الهندسية السريالية: "إنها تجمع بين الرّاحة والتعب والحيرة واليقين والثقة والشك، والمؤسف أن من لا يعيشونها يحسدون الطالب المنتسب إليها، لأنهم يرون فقط لحظة تخرّجه وشروعه في العمل، ولا يدركون معاناته قبل ذلك".

اقرأ/ي أيضًا: الطلبة الجزائريون.. بين ماض ثوري وحاضر خامل

سألناه إن كان قد ندم يومًا على اختياره، بعد أن حصل على شهادة البكالوريا/الثانوية العامّة عام 2012، فقال: "عدد المرّات التي يندم فيها طالب الهندسة المعمارية على اختياره، هي بعدد المشاريع التي ينجزها، لكن ما إن يرى مشروعه قد استوى، حتى يندم على ندمه ويغرق في تسلّق الحلم من جديد". يوضّح: "أتحدّث عن الطالب الذي جاء إلى هذا التخصّص عن قناعة، لا عن ذاك الذي جاءه صدفة أو مضغوطًا من طرف عائلته الخاضعة لسلطة صورة المهندس المعماري في الشارع الجزائري".

يقول محمد إن علاقته بالهندسة المعمارية تنطلق من نظرته إليها على أنها فن وجمال، لا موردًا للمجد والمال، "أنا مبرمج على الموسيقى أصلًا، ولم أفلح في إقناع عائلتي بأن تسمح لي بالالتحاق بمعهد الموسيقى، فاخترت الهندسة المعمارية، لأنها ترجمة للموسيقى في ذهني. لا أتذوّق مشروعًا معماريًا لا يكون شبيهًا بقطعة موسيقية".

غياب هذه النظرة إلى هذا التخصّص في الجامعة الجزائرية، جعلت محدّثنا يُصدم في البدايات، "ذلك أن الدراسة كانت تقنية تمامًا، وخالية من الخلفيات الفنية التي تجعل الطالب يستمتع بما يدرس من جهة، ويبدع في اقتراح مشاريع جديدة من جهة ثانية". يقارن: "الإسمنت والحديد والرّمل والخشب والزجاج ليست مادّة فقط، بل هي أرواح أيضًا، والمهندس الحقيقي ليس من يهندس الموادّ بل من يهندس الأرواح، وهذا هو الفرق بين طريقة التدريس عندنا وعند الغربيين".

محمد كراس، طالب جزائري: "المهندس الحقيقي هو من يهندس الأرواح، وهذا هو الفرق بين طريقة التدريس عندنا وعند الغربيين"

نجد من بين المواد العلمية التي يدرسها طالب الهندسة المعمارية في الجامعة الجزائرية الرّسمَ التقنيَّ والبناء والعمران والتاريخ النقدي للهندسة ونظريات الهندسة، بالإضافة إلى بعض المواد الإنسانية مثل علم الاجتماع والأنثروبولوجيا. يقول محمد: "هذه الأخيرة ضرورية لتعميق تجربة ونظرة المهندس، ذلك أن الهندسة المعمارية مجال تتجلّى فيه كل المدارس الفلسفية، من سريالية وبنيوية وتفكيكية، غير أن الوقت والاهتمام الممنوحين لها من طرف الإدارة والطالب معًا، يجعلانها في ذيل الترتيب".

من هنا، يقول محمّد كرّاس المعروف بـ"جواد" إنه يسعى دومًا إلى تخصيص وقت لقراءة الرواية والشعر والبحوث الجادة في علم الاجتماع والنفس والتاريخ واللسانيات، ومشاهدة جديد الأفلام والموسيقى والفن التشكيلي، موضحًا أنها "روافد مهمّة تغذّي مخيّلة المهندس المعماري". ويضيف: "أنوي أن أصمّم مشاريعَ بعد تخرّجي مستوحاةً من قصيدة شعر حديث أو من قطعة موسيقية أو من رقصة فالتة".

ويكشف أن هناك طلبة يضطرّون إلى تجميد سنة دراسية للاشتغال خارج الجامعة، حتى يستطيعوا توفير المال للسنة المقبلة، "أصرف شهريًا في حدود 120 دولارًا، أحصل عليها من عائلتي، وأحاول التقليل من المصاريف باللجوء إلى مكتبة الجامعة وتحميل الكتب من الإنترنت".

في السّياق، يلطف محدّثنا الجوّ بالقول إن المنتسبين إلى تخصصّات أخرى، يسمّون طالب الهندسة المعمارية بـ"الليلة البيضاء"، لأنه لا ينام، ويعرفونه من خلال الهالات السوداء التي تحيط بعينيه، وبالإكثار من تناول القهوة والشاي ومشروبات الطاقة، وقلّة الإقبال على المطعم الجامعي ربحًا للوقت.

محمّد كرّاس.. أن تكون طالبًا معماريًا في الجزائر (الترا صوت)

اقرأ/ي أيضًا:

قصص سجناء يخوضون امتحانات البكالوريا في الجزائر

طلبة جزائريون.. ظاهرة العمل في العطل