12-فبراير-2019

ساهمت الاستعدادات النفسية والفكرية المبكرة أن يباشر محمد فضيل العلالي أعمالًا تجارية حرة منذ الصغر (فيسبوك)

لعوامل موضوعية، عادة ما تُربط الصحراء في الجزائر بالسياحة والفلكلور والنفط. فهي في نظر قطاع واسع من الجزائريين في الحكومة والمجتمع؛ تلك البقعة الهادئة الثّريّة بالطّقوس المثيرة والمشاهد السّاحرة وحقول البترول، الذي يمثّل 96% من الدخل القوميّ العامّ للبلاد.

أثمر الواقع الجديد لسكان منطقة الوادي جنوب الجزائر من تحديث زراعي وسياحي، جيلًا جديدًا من الشباب الطموح في حقل المال والأعمال

منطقة الوادي، الواقعة على بعد 600 كيلومتر إلى الجنوب من الجزائر العاصمة، والتي تتشكّل من شطرين هما وادي سوف شرقًا ووادي ريغ غربًا، عملت في غفلة من الجميع على قلب هذه النّظرة بالانخراط في ثورة زراعية وصلت بها، في سنوات قليلة، إلى أن تصبح واحدة من المناطق المصدّرة للمنتوجات الفلاحيّة ذات الجودة في الجزائر.

اقرأ/ي أيضًا: عبدالله مالك.. شاب يرعى أعمال الشباب في الجزائر

وبعد أن كانت تستقبل مئات الشّاحنات الحاملة للخضر والفواكه من الشّمال، أضحت وجهة هذه الشّاحنات معكوسة، وبعد أن كانت النّخلة الشّجرة الوحيدة المهيمنة على الفضاء في المنطقة، أصبحت تجاوزها أشجار الزيتون والبرتقال والتفاح واللّيمون.

رافقت هذه الحركة الزّراعية اللّافتة للانتباه، حركة سياحية أثمرت عشرات الفنادق والإقامات والمراقد السّياحية، التّي تنافس في عددها وعدّتها تلك الموجودة على بعد 60 كيلومترًا في تونس، حيث الانطباع المكرّس لدى الجزائريين، بأنّ السّياحة إنّما تكون في تونس، حتّى بلغ عدد الجزائرين السائحين إلى تونس سنويًا ثلاثة ملايين سائح.

وأثمر هذا الواقع الجديد لدى سكان وادي سوف، المعروف تاريخيًا بالتجارة؛ جيلًا جديدًا ذا طموح في حقل المال والأعمال، يتميّز عن سابقيه بكونه جامعيًّا ويُحسن اللّغات الأجنبيّة، ومتمكّنًا من التّكنولوجيات الحديثة ومواكبًا للبنيات العصرية في التّجارة والاقتصاد والتّسويق والإشهار.

وهي المواصفات المتوفرة في الشاب محمد فضيل علالي، صاحب شركة "BOX EXPO". اقترب "ألترا صوت" من عالم علالي الذي يُنبئ عن واقع اقتصادي وتجاري يُوشك الشباب فيه على أن يفتكّوا مقاليده بعد 60 عامًا من الاستقلال.

البدايات المبكرة

حين ولد محمّد فضيل علّالي عام 1992 كانت الجزائر على موعد مع عشرية من العنف والإرهاب. وكانت الأحضان التي يحظى بها الطّفل الجزائريّ يومها، تهدف إلى حمايته في لحظات الخوف، التّي كانت وجبة رئيسيّة على مدار اللّيل والنّهار، فقد كبر يسمع عن الموت أكثر ممّا يسمع عن الحياة.

محمد فضيل علالي
لم يكن علالي يدرس ليتعلّم فقط بل ليكتسب معارف تؤهّله لأن يكون فاعلًا في مسار المال والأعمال

"كان اهتمام أسرتي بي مضاعفًا، من جهة الخوف عليّ، ومن جهة كوني أصغر إخوتي، أو ما يعرف في اللّهجة الجزائريّة بالمازوزي، الذي يستأثر بالرّعاية والمرافقة والدّلال"، يقول محمد، مستدركًا: "غير أنّ ذلك لم يبرمجني على الكسل، بل على النشاط، ولا على الاتّكال بل على روح المبادرة، ولا على التردّد بل على المغامرة. ثمّ إنّني كنت أرغب دومًا في أن أبرهن لأسرتي على أنّني جدير بانتظاراتها منّي".

رجل أعمال من الصغر

لم يكن محمّد فضيل يدرس بجدّية ليتعلّم فقط، بل ليكتسب معارف تؤهّله لأن يكون فاعلًا في مسار المال والأعمال. يقول: "تبنّيت طموح رجل الأعمال مبكّرًا، وكنت أقرأ سير رجال الأعمال في الجزائر وخارجها، حتّى أنّ ذلك دخل في أحلام يقظتي، وجعلني أتشبّه بهم في الكلام والهندام والتّفكير والتّعامل مع ما يقع في يدي من مال بروح الحريص على أن يضع كلّ دينار في نصابه، من غير تقتير أو تبذير".

جعلت هذه الاستعدادات النّفسيّة والفكرية المبكّرة أن يباشر محمد علالي أعمالًا تجاريّة حرّة، وأن ينجح فيها لأنه كما يقول: "اكتسبت الحسّ بدراسة الوسط مسبقًا والتّعامل معه، وفق خصائصه وطبيعة النّفسيات والذّهنيات، التّي تميّز الزّبائن والشّركاء معًا".

ويضيف: "لا يكفي أن نحمل حلمًا كبيرًا، بل علينا أن نملك موهبة وضع هذا الحلم ضمن السّياقات والأروقة الرّابحة والمؤهِلة للرّبح. إنّ حقل المال هو أكثر الحقول استقطابًا للنّاس، غير أنّ النّاجحين فيه قلّة بالنّظر إلى هذا المعطى".

بعدها، أدار محمّد فضيل علّالي مؤسّسة إعلاميّة تجمع بين جريدة ورقيّة وقناة تلفزيونية، وعن هذا العمل يقول: "وكان ذلك فرصة لي لأن أتعرّف إلى نخبة البلاد في مختلف المجالات، وأضبط علاقات إنسانيّة ومهنيّة استثمرتها في مشروعي، الذي هو مشروع ثقافيّ بالدّرجة الأولى، لإيماني بجدوى الثّقافة في تفعيل مجتمع مدنيّ متحضّر يقارب واقعه بمنظور ثقافيّ يدخله إلى مقام فنّ العيش".

وبعد ثلاث سنوات من هذه التّجربة، أسّس علّالي شركة "الجنوب الجزائريّ" المتخصّصة في تنظيم الصّالونات والمهرجانات والفعاليات الاقتصاديّة والثقافيّة، فتمكّنت من إطلاق صالون دوليّ في البناء والأشغال العموميّة، مصحوبًا بملتقى علميّ شاركت فيه نخبة من الخبراء والمختصّين، داخل إحدى أكبر المنتجعات السياحية في جنوب الوادي. وكان الصّالون الأوّل من نوعه في الجنوب الجزائريّ.

محمد فضيل علالي
بالحس الثقافي والفني وسع علالي من نشاط شركته لتشمل تنظيم الفعاليات الثقافية

"كان ثمرة لملاحظي، خلال مشاركتي في المعارض المقامة في الشّمال، أنّ معظم زوّارها والمقبلين عليها هم من الجنوب، بما جعل الحاجة إليه ملحّة، فالجنوب لم يبق ذلك الفضاء المغلق والمخصّص لحفريات النفط، بل بات فضاء مفتوحًا على المشاريع والمبادرات والطّموحات الاقتصاديّة، المُواكبة لجملة التحوّلات الحاصلة فيه"، يقول علالي، مضيفًا: "بمثل هذه المبادرات نعكس الواقع، فنجعل الفاعلين في الشّمال يأتون إلى الجنوب ليكتشفوا خيراته الجديدة".

محمد فضيل علالي: ما جدوى المال إن لم يوصلنا إلى تذوّق الجمال؟ على النّخبة الجديدة من رجال الأعمال تجاوز واقع ربط المال بالجهل والاكتناز

بحسّه الثقافي والفنّي، ذلك أنّ محمّد فضيل قارئ وعازف جيّد على آلة البيانو؛ وسّع نشاطات شركته إلى تنظيم معارض ثقافيّة وفنّية، خاصّة في مجال الكتاب، إذ إنه كما يقول: "ما جدوى المال إذا لم يوصلنا إلى تذوّق الجمال؟ على النّخبة الجديدة من رجال المال والأعمال أن تتجاوز واقع ربط المال بالجهل والاكتناز، إلى أفق ربطه بالفنّ والذّوق والحياة المفتوحة على أبجديات الحضارة المعاصرة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

سعيد ملّاح.. الباحث في غربة العلوم السياسية بالجزائر

محمد شوقي الزين.. فيلسوف "العيش المشترك"