19-نوفمبر-2016

النجم الراحل محمود عبد العزيز في أحد أفلامه

1
القاهرة تموز/يوليو 2008، بدأ عرض فيلم "ليلة البيبي دول" في 90 صالة سينمائية، كما أكدت الشركة المنتجة، وبدأت دقات قلب محمود عبد العزيز في الخفقان. أحدهم كتب حينها أنه لو ذهبت إلى ضاحية 6 أكتوبر، وبعد أن تنتهي من طريق المحور وبمجرد البدء في البحث عن محمود عبد العزيز سوف تستطيع إن أرهفت السمع أن تتتبع نبضات قلبه لتحدد بالضبط مكان فيلا الفنان.

كان محمود ينتظر أن يعوّضه دور "حسام" في"ليلة البيبي دول" كل سنوات الترقب التي ظلّ يعايشها في انتظار أن يقهرها بدور يعيده إلى مكانته على الخريطة السينمائية المصرية. 6 سنوات ومحمود غائب عن السينما منذ "سوق المتعة". جيل محمود -باستثناء عادل إمام- عانى الغياب الاضطراري مبتعدًا عن مشهد الصدارة في دور العرض، أما محمود نفسه فلم يكن يريد، ولا يستطيع أن يجد نفسه وقد أصبح يلعب سينمائيًا في مساحات نور الشريف ومحمود ياسين في تلك الفترة.

منذ منتصف التسعينيات وحتى الآن لم تحقق نصف الأفلام التي قام ببطولتها إيرادات مرتفعة وفي الوقت ذاته شهدت الخريطة السينمائية تغيرًا ساحقًا، فكان الدفع بنجوم جدد للساحة أصبحوا هم القوة الضاربة في شباك التذاكر، ولم يصمد من جيل محمود سوى عادل إمام، فهو الوحيد الذي تماسكت إيرادات أفلامه وهو الوحيد القادر على أن يجد لنفسه مكانًا رغم وابل الإيرادات التي يحققها بجواره أسماء مثل محمد سعد وأحمد السقا ومحمد هنيدي وأحمد حلمي وأحمد عز!

محمود عبد العزيز حمل ماجستير في العلوم الزراعية، وقد عاد لمصر وبدأت انطلاقته بعد أن وجد أن بيع الجرائد في أوروبا ليس ما يريد

كان محمود يحلم بأن يتحقق سينمائيًا مثل عادل إمام الذي يبدو صعوده للقمة غامضًَا ويحظى بشعبية غير مفهومة هي الأخرى. لا يريد أن يدخل تاريخ السينما باعتباره "فنان الجوائز الأول". لا بأس بالجوائز بالطبع، ولكن الأهم أن يدخلها مدعمًا بجاذبية جماهيرية، خاصة أنه عاش مثل هذه الانتصار في ذروتيه: الأولى في السينما مع "الكيت كات" والشيخ حسني تحت إدارة داود عبد السيد، والثانية في التلفزيون مع "رأفت الهجّان" الجاسوس المصري الأشهر الذي تحوّل إلى أسطورة تتناقلها الأجيال.

2
في عام 1966 قدمت أم كلثوم "الأطلال" ورأى كثيرون أنها قد وصلت إلى الذروة التي لم يتوقع أحد أن تقفز بعدها إلى ذروة أعلى. السنباطي قال لها إن عليها أن تنسحب فورًا من الحياة الفنية لأن كل ما سوف يأتي بعد "الأطلال" سيصبح رمادًا، وهو كملحن لن يقدّم لها ما هو أفضل.

ولكن أم كلثوم بعشقها الدائم والمتجدد للغناء وربما بتطلعها للسيطرة لم تستمع إلى نصيحة السنباطي وغنّت العديد من الأغنيات بعد "الأطلال"، والسنباطي نفسه نكص العهد الذي قطعه على نفسه ولحّن لها أكثر من قصيدة مثل "من أجل عينيك" و"الثلاثية المقدسة"!

في حياة كل المبدعين هناك ذروة ما ولكن لا يعني ذلك أن تتحول الذروة إلى عقدة، سواء توقف عندها أو توقف بعدها الفنان. محمود عبد العزيز عانى عقدة النجاح الطاغي بعد "الكيت كات"، وتوقف تقريبًا من بعدها لا يستطيع تجاوز سطوة "الشيخ حسني" رغم أن جميع أفلامه التي لعب بطولتها بعد "الكيت كات" كانت تحمل شيئًا من "الكيت كات"، وهو شيء لن يراه المتفرج على الشريط المرئي ولكن يمكن إدراكه في طبيعة اختيار الأدوار ذاتها.

محمود هو أحد فتيان الشاشة الكبار في الأربعين سنة الأخيرة. إنه "الجان" خفيف الظل الذي يثير حضوره على الشاشة حالة من البهجة، ولكن بالتأكيد سيكون من الظلم والإجحاف حصره في تلك المساحة المحدودة للغاية.

اقرأ/ي أيضًا: مهرجان القاهرة السينمائي يستعد لإطلاق دورته الـ38

كان محمود في بدايته هو الفتى الوسيم فقط؛ فإذا كانت الأدوار تنهال على حسين فهمي لوسامته، فإن محمود عندما بدأ بطلًا في فيلم "حتى آخر العمر" (1975) كان مجرد تحدٍ من المنتج رمسيس نجيب، وذلك عندما رفع حسين فهمي أجره فقرر المنتج الدفع بوجه جديد كان يرى وقتها أن سلاحه التمثيلي هو الوسامة أيضًا.

عانى محمود عبد العزيز من عقدة النجاح الطاغي بعد "الكيت كات"، فلم يستطع تجاوز سطوة "الشيخ حسني"

لم يكن لمحمود رصيد كبير في السينما قبل تلك البطولة الأولى، فقط ظهر في مشاهد محدودة من مسلسل جماهيري "الدوامة" بعد أن دفع به أستاذه المخرج نور الدمرداش في هذه التجربة التليفزيونية، وتقاضى عنها محمود 4 جنيهات، ثم أسند له عاطف سالم دورًا صغيرًا في فيلم "الحفيد".

بعد أن تخرّج في كلية الزراعة في مدينته الإسكندرية عام 1966، عمل محمود في فريق الإخراج للمخرج الكبير نور الدمرداش، وكان الأخير يحمل لقب "ملك الفيديو" خلال الستينيات والسبعينيات. كان الدمرداش يرى أن ذلك الشاب الوسيم من الممكن أن يصبح نجمًا، بينما تلميذ الدمرداش النجيب وأقصد المخرج محمد فاضل -والذي كان مساعدًا للدمرداش- كان له رأي آخر ولم يتحمس لمحمود ممثلًا. ولهذا اختار محمود في نهاية الستينيات أن يسافر إلى فيينا عاصمة النمسا، ليس من أجل قضاء ليالي الأنس هناك ولكن لبيع الجرائد مثل أغلب الشباب خريجي الجامعات وقتها.

لم يكن محمود يحمل فقط بكالوريوس كلية الزراعة ولكن ماجستير في العلوم الزراعية تخصص تربية نحل، وبعد أن وجد أن بيع الجرائد لن يحقق أي طموح عاد إلى مصر، ثم بدأت الانطلاقة.

3
لعب محمود أدوار البطولة في العديد من الأفلام مثل "طائر الليل الحزين"، "حساب السنين"، "شفيقة ومتولي"، لا يزال التحقيق مستمرًا"، "حب لا يرى الشمس" وغيرها، ولكن كان الفيلم الذي شكّل في مشوار محمود نقطة اكتشاف حقيقي لقدراته هو "العار" رغم أنه كان بطلًا ثالثًا في الفيلم بعد كل من نور الشريف وحسين فهمي، ولم يكن محمود هو الترشيح الأول للمخرج علي عبد الخالق ولا للكاتب محمود أبو زيد، بل جاء للفيلم في اللحظات الأخيرة بعد اعتذار يحيى الفخراني عن الدور.

قرأ الفخراني السيناريو الذي كتبه أبو زيد ووجد أن الأقرب إليه هو دور الضابط الذي أداه حسين فهمي، أو تاجر المخدرات الذي أداه نور الشريف، لكن لا الكاتب ولا المخرج استطاعا تحقيق ذلك، فجاء محمود إنقاذًا للموقف!

محمود عبد العزيز ليس "كوميديان"، ولكنه "جان" يدفعك للابتسام وتصل معه في أحيان كثيرة إلى مشارف الضحك

هذا الدور الذي أداه محمود انطلق من خلاله إلى قلوب الناس في عام 1982، ولا يزال بينه وبينهم تلك الحميمية والدفء (بالمناسبة دور الممثلة نورا في نفس الفيلم يمكن أن ينطبق عليه نفس الكلام). كان لمحمود إضافات خاصة للشخصية التي يؤدي من خلالها دور الطبيب في الفيلم، وكانت لازمة الحبوب المهدئة واحدة من تلك الإضافات التي انتزعها محمود بذكاء من مفردات الشخصية فحققت كل هذا النجاح.

ثم هناك دوره في "الشقة من حق الزوجة"، وهو أهم فيلم قدمه المخرج عمر عبد العزيز. وفي هذا الدور لامس محمود الوتر في الأداء الذي يجمع بين خفة الدم وتقمص الشخصية دراميًا، وحقق من خلاله قفزة أخرى. إنه محمود في أفضل حالاته وذلك عندما يعثر على شخصية ترى في تكوينها الجدية وفي نفس الوقت لديها خفة ظِل.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "كافيه سوسايتي": الحكاية الدائمة لوودي آلن

محمود ليس "كوميديان"، ولكنه "جان" يدفعك للابتسام وتصل معه في أحيان كثيرة إلى مشارف الضحك. وهو ممثل أكبر من الدور الذي يمثّله بمعنى أنه لا يتعامل مع الشخصية التي يجسدها بمنطق الاستسلام لها أو تأديتها بصفتها واجبًا عليه كممثل، لكنه يظل دائمًا بالنسبة لكثيرين هو "الجان" صاحب الابتسامة، ولو أنه حافظ على تلك الابتسامة لوجد أن أبواب التاريخ مفتوحة أمامه وعلى مصراعيها.

ثم تتابعت أفلام مثل "العذراء والشعر الأبيض" و"أرجوك أعطني هذا الدواء"، والفيلمان للمخرج حسين كمال، و"تزوير في أوراق رسمية" ليحيى العلمي و"إعدام ميت" لعلي عبد الخالق، ثم كان لقاؤه الأول مع المخرج داود عبد السيد في "الصعاليك" وشاركه البطولة نور الشريف، وقدّم أيضًا أول أفلام إيناس الدغيدي "عفوًا أيها القانون" وهو بالمناسبة أفضل أفلامها أيضًا، ثم انتقل في 1985 مع الكاتب محمود أبو زيد والمخرج علي عبد الخالق إلى ذروة جماهيرية أخرى في "الكيف" بمشاركة يحيى الفخراني، وبعده بعامين التقى في الجزء الثالث من تلك الثلاثية الأخلاقية التي صاغها أبو زيد وعبد الخالق وهو "جري الوحوش"، حيث اجتمع محمود ونور الشريف وحسين فهمي مرة أخرى في دراما عائلية تعالج التطورات الاجتماعية في عصر السادات.

وجدير بالذكر أن اسم نور الشريف في 1982 -حين ظهر فيلم "العار"- كان يسبق اسم حسين فهمي على التيترات، وفهمي بدوره يسبق اسم محمود، إلا أن محمود بعدها بدأ يصعد لأعلى حتى تفوق على نور الشريف، ولهذا وحسمًا لأي خلاف قال الشريف: "محمود يسبقني هذه المرة في "جري الوحوش". وهكذا انتقل محمود من المركز الثالث إلى المركز الأول فقد كان أجره أكبر وشباك تذاكره أقوى.

الفراق بين الميهي وعادل إمام بلا جراح، على عكس محمود عبد العزيز، حيث كان الطلاق بينهما قاسيًا وترك جراحًا غائرة عند الاثنين

ومع رأفت الميهي، كاتبًا ومخرجًا، كان لمحمود ثلاثة أفلام لعبت بقوانين الفانتازيا وهي "السادة الرجال" 1987 "وسمك لبن تمر هندي" 1988 و"سيداتي آنساتي" 1990، وبعدها شعر محمود أن هناك حالة من التشبّع بالفانتازيا بينما لم يدرك الميهي ذلك، حيث تابع مع ليلى علوي أفلامه الفانتازية، وأعتبر الميهي أن محمود "متمرد".

اقرأ/ي أيضًا: 9 أفلام عربية مرشحة لأفضل فيلم أجنبي بالأوسكار

لا شك أن الذروة التي تحققت في "السادة الرجال" تراجعت كثير في "سمك لبن تمر هندي"، وحاول الثنائي أن يتماسكا في "سيداتي آنساتي" إلا أن الأمر في كل الأحوال كان ينبغي أن ينتهي عند هذا الحد. لقد كان لعادل إمام دور واحد مع الميهي في "الأفوكاتو" 1984، وبرغم النجاح الجماهيري للفيلم وبرغم أن الميهي كان يرى في عادل إمام فرس الرهان الرابح، فإن الأخير وجد أنه يكفي فيلم فانتازي واحد، بينما استمر محمود ثلاثة أفلام.

كان الفراق بين الميهي وإمام بلا جراح، على عكس ما حدث مع محمود، حيث كان الطلاق بينهما قاسيًا وترك جراحًا غائرة عند الاثنين، وتبادلا الاتهامات على صفحات الجرائد الفنية، إلى درجة أن ناقدًا معروفًا عنه الهدوء كتب مقالًا ضد محمود قائلًا: "عيب يا ولد".

الفيلم الذروة هو "الكيت كات" 1991، وكان المرشح الأول لأداء شخصية الشيخ حسني هو عادل إمام ولكنه تراجع في اللحظات الأخيرة -وحسنًا فعل- لإحساسه بأن الفيلم ربما لا يحقق إيرادات مرتفعة، وعادل إمام لا يمكن أن يغامر مهما كان الإغراء الفني والفكري إذا شعر أن الربح غير مضمون.

فأسند عبد السيد الدور إلى محمود، وكانت إيرادات الفيلم مفاجئة للجميع. نجاح تجاري ونقدي ومشاركة في العديد من المهرجانات، وظل الفيلم حتى سنوات قريبة يحقق أعلى كثافة مشاهدة عند عرضه في القنوات الفضائية.

كانت السيناريوهات في تلك السنوات من منتصف الثمانينيات تُصنع من أجل عادل إمام، أكثر من 80% مما تم إنتاجه في السينما وقتها كان المرشح الأول لبطولته هو عادل إمام، وبالتالي فإن عشرات من الأدوار التي رفضها إمام ذهبت إلى غيره من النجوم لكنه لم يعلن ندمه سوى مرة واحدة، وكانت عن دور الشيخ حسني في "الكيت كات".

وكان التلفزيون قبل ثلاثة أعوام من عرض "الكيت كات" قد منح محمود فرصة انطلاق جماهيرية في مسلسل "رأفت الهجان" الذي كتبه صالح مرسي وأخرجه يحيى العلمي، وشهد هذا المسلسل أيضًا صراعًا بين محمود وعادل إمام لا ندري حيث حدث أن عبد العزيز قد حصل على الدور بالفعل، لكن الصحف المصرية نشرت وقتها خبرًا يؤكد أن الدور ذهب لعادل إمام، فقرر محمود أن يلتزم الصمت ويسلّم أمره لله خاصة أن الدور كان مناسبًا له بسبب طبيعة الملامح الشخصية للبطل فهو وسيم وملامح وجهه تناسب المهاجرين لمصر ويجيد التحدث بعدة لغات، وهذا لا ينطبق على عادل إمام.

كانت السيناريوهات منتصف الثمانينيات تصنع لعادل إمام، أكثر من 80% مما تم إنتاجه وقتها كان المرشح الأول لبطولته هو عادل إمام

استسلم محمود للأمر وسافر مع أولاده لتأدية العمرة، وكان الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك يزور السعودية وقتها وشاهد محمود عبد العزيز في صفوف المُستقبلين فتحدث معه وأبلغه بما حدث له في مصر، فقال له مبارك: "لا تغضب وأنت من سيؤدي الدور"، وفور عودته تلقى اتصالًا هاتفيًا من جهاز المخابرات بالذهاب لمقر الجهاز لبدء الاستعداد للعمل. وبعيدًا عن تلك القصة التي يحكيها أحد جيران محمود في الإسكندرية، فالثابت أن "رأفت الهجان" حقق لمحمود في الشارعين المصري والعربي نجاحًا جماهيريًا لم يحدث لأي نجم من قبل ولا من بعد.

اقرأ/ي أيضًا: تارانتينو: لا أعتزم الاستمرار في إنتاج الأفلام

عقب وفاة محمود مؤخرًا صرّح أحد لواءات جهاز المخابرات المصرية في رده على سؤال حول حقيقة أن هناك فنانين آخرين قدموا أعمالًا للمخابرات ولم ينعهم الجهاز كما فعل مع محمود، مثل الفنان نور الشريف الذي قام ببطولة مسلسل "الثعلب"؛ صرّح بأن مسلسل نور الشريف لم يعلق بذاكرة الجماهير المصرية والعربية مثل "رأفت الهجان" ولم ترتبط الجماهير بمسلسل مثلما ارتبطت بـ"رأفت الهجان"، ودلّل على ذلك بقوله إن "شوارع مصر لم تكن تخلو من المارة إلا في حالتين فقط: الأولى عندما كان جمال عبد الناصر يُلقي إحدى خطبه، والثانية عندما كانت أم كلثوم تشدو في سهرة الخميس الأول من كل شهر، وجاء مسلسل "رأفت الهجان" ليكون الحالة الثالثة التي كانت تخلو فيها شوارع مصر من المارة عندما يحين وقت عرض المسلسل".

4
استمرت مسيرة محمود في السينما وقدم بالفعل أدوارًا مهمة في أفلام "ثلاثة على الطريق" و"البحر بيضحك ليه" لمحمد كامل القليوبي و"البطل" لسيد سعيد و"هارمونيكا" لفخر الدين نجيدة، والأفلام الثلاثة الأخيرة كانت هي باكورة أعمال هؤلاء المخرجين الشباب، ورغم ذلك لم يتردد محمود في الوقف معهم. لكن كل هذه الأدوار رغم نجاحها النقدي وبعضها حقق جوائز لمخرجيها ولنجمها فإنها باستثناء "ثلاثة على الطريق" لم تحقق لمحمود شباك التذاكر الذي يرنو إليه ويتمناه.

كان محمود دائمًا يضع أمامه سقف إيرادات "عادل إمام" يريد أن يتخطاه، ولكن الواقع يقول أنه حتى في ذروة النجاح الجماهيري لمحمود كانت إيرادات أفلامه تأتي تالية لإيرادات أفلام عادل إمام!

يقولون إن مايبقى من الإنسان هي سيرته الطيبة، وقد ترك محمود عبد العزيز كثيرًا ليتذكره به الناس، أفلامًا وأدوارًا وإفيهات

قدّم محمود الفيلم التجاري "النمس" 2000، ثم استعاد بعضًا من بريقه في فيلم "سوق المتعة" في نفس العام، ولكن ثمة ملاحظة تكشف عن تراجع مكانة محمود كنجم جماهيري في بداية الألفية الجديدة وهي أن عادل إمام كان هو المرشح الأول للدور ومن بعده أحمد زكي ثم يليهما محمود كمرشح ثالث. حصل محمود عن دوره في الفيلم على جائزة التمثيل من مهرجان القاهرة السينمائي، وكان ينافسه على تلك الجائزة أحمد زكي عن دوره في "أرض الخوف"، الذي ربما يكون أهم فيلم مصري حتى الآن.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم Wings of Desire.. فيندرز والاحتفاء بالحياة

ثم لعب محمود بطولة فيلم "الساحر" لرضوان الكاشف، وهو آخر أفلام المخرج الراحل، وشارك الفيلم في أكثر من مهرجان وقدّم فيه محمود دورًا للذكرى، ولكن لم يحقق الفيلم الإيرادات التي كان ينتظرها محمود عام 2002. ثم في نهاية العام نفسه عُرض لمحمود فيلم قديم من إنتاج مدينة الإنتاج الإعلامي هو "رحلة مشبوهة" للمخرج أحمد يحيى وهو واحد من تلك الأفلام التي تسقط سريعًا من الذاكرة وأغلب الظن أن محمود نفسه أسقطه من ذاكرته شخصيًا، ثم توقف محمود نهائيًا عن الظهور على شاشة السينما إلى أن جاء "ليلة البيبي دول" والضجة المصاحبة له من قبل الشركة المنتجة، ورأى محمود ما فعلته دعاية الشركة الضخمة مع فيلميها السابقين "حليم و"عمارة يعقوبيان"، ولكن في النهاية اتضح أن الأمر كله "ضجيجًا بلا طحن" ومرّ الفيلم ساحبًا غبارًا كثيرًا خلفه.

لكن محمود لم ينتظر طويلًا حتى يجد لنفسه دورًا يغلق به قوسه السينمائي، فاختار أن يخرج على الناس بدور عبد الملك زرزور في فيلم "إبراهيم الأبيض" للمخرج مروان حامد، وكان أبرز وأبقى ما في الفيلم. من بعدها وجد محمود في التلفزيون ملجأً كي يجد أدوار البطولة التي تسمح له بالظهور الموسمي في رمضان.

5
يقولون إن مايبقى من الإنسان بعد مغادرته الحياة هو سيرته الطيبة، وقد ترك محمود كثيرًا ليتذكره به الناس، أفلامًا وأدوارًا ومشاهد وإفيهات وقفشات، وكان دليلًا على رحابة وانطلاق ذلك الفنان الذي يصادق شخصياته، وظل حتى آخر أيامه يسعى لذرواتٍ وروابٍ تمثيلية، عملًا بنصيحة الشيخ حسني الذي حض رفاقه على التمسك بالخيال كأمل أخير.

اقرأ/ي أيضًا:
زقاق المدق: الرواية والسينما!
في حب السينما