13-نوفمبر-2016

الفنان الراحل محمود عبد العزيز (فيسبوك)

حين رحل أقرب أصدقائه، المخرج عاطف الطيب ورضوان الكاشف وسعاد حسني، أغلق الباب، وحبس نفسه في غرفته، ورفض التعامل مع الناس، وجلس وحيدًا يبكي بالساعات، ويتذكَّر. كواليس فيلمي "البريء" و"أبناء وقتلة".. خلافات سريعة وصلح سريع مع "الطيب".. مشاهد غاضبة من "الجوع" و"المتوحشة" مع "سعاد".. ونوبات "العبث" مع "الكاشف" في "الساحر".

عبّر محمود عبد العزيز عن فنان يكرس الفن ويجله، لذلك كانت بعض خياراته تبدو غريبة للبعض

كان الموت هو الرابط الوحيد بين أغلب أفلامه، لم يكن يؤرقه بقدر ما كان يريد أن يحوّله إلى "لحظة ذروة" في الحياة، وليست لحظة نهاية. ففي فيلم "الكيت كات"، المأخوذ عن رواية لإبراهيم أصلان، حوّل مشهد وفاة "عم مجاهد" إلى أكثر لحظاته بؤسًا، ومنح الفنان الراحل "البطولة المطلقة"، فقد كان يعتبر في أغلب أدواره الموت بطولة مطلقة لا يريد أن ينالها، إنما أحبّ الحياة للدرجة التي جعلته يفضّل دور "السنّيد" في مشهد الموت.

السينما نقلت موقفه من الموت، بينما الصحافة طاردته في أكثر من حالة وفاة بشائعات الاعتزال. كلما مات صديق أو حبيب، يقترب من "اللحظة الحاسمة" في الحياة حتى يفقد القدرة على التمثيل، ويعود بعد فترة بدور جديد ليكذب شائعة وفاته بعمل جديد.

اقرأ/ي أيضًا: السينما المصرية.. شريط يروي حكاية قرن

اللحظة التي اقترب فيها من النهاية. قرر تأجيل أعماله، هاجمته الأنيميا وطلب منع الزيارة عنه.. "يحبّ الحياة ويخاف من نظرات تعاطف الناس"، كما أكّد المقرّبون. لم يحضر "عبد العزيز" إحدى حفلات تكريمه، ودخل مستشفى بالمهندسين لتهاجمه نوعية جديدة من الشائعات. قالت الصحف إن "الساحر مات".. لكن نجله، محمد، طلب من الناس ألّا تستعجل تلك اللحظة، التي ستكون "مؤلمة" للجميع: "صلوا للساحر".

كانوا يستعجلون قدره، بينما هو في غرفة العمليات يقاوم، يناور المرض بألاعيب "الساحر"، و"يستعمي" الموت كأنه "الشيخ حسني".. لكن "الملاوعة"، كما اختبرها في أكثر من موقف بحياته، ليست في صالحه.. كانت - أغلب الأوقات والأفلام - تؤكد له إنه مهما "هرب" من قدره سيسقط، فارتفعت روحه مساء الثاني عشر من نوفمبر، ليبدأ أدوارًا ومشروعات جديدة، ويتحدث إلينا من العالم الآخر. من السماء، التي كان أحد نجومها قبل أن تخطفه فجأة.

هي عادته.. السماء خطفته الآن، كما داعبته بنعومة، واختطفته في بداية حياته، لأن النجومية تحبّه أكثر ممّا أحبها.

لاعب محمود عبد العزيز الموت بألاعيب "الساحر" واستعمى عنه كأنه "الشيخ حسني"

خرج من مرحلة الجامعة إلى احتراف السينما، لم تغرِه بدلالها وشهرتها وأموالها حين بدأ مسيرته الفنية بمسلسل "الدوامة" بداية السبعينيات، وبنفس الروح دخل فيلم "الحفيد"، الذي أصبح أهمّ كلاسيكيات السينما المصرية، وبدأ رحلته مع البطولة عام 1975 بدور "ضابط جيش". كانت النجومية تحبّه، لكنه هجرها رغم حبه للسينما، وعاد إلى الجامعة ليحصل على درجة الماجستير في "تربية النحل". في حين اعتبره أولاد جيله مجنونًا.. كيف يترك كل "هوانم" السينما والعروض الخاصة والأفلام، وهو الأكثر وسامة.. ويذهب إلى النحل؟

"محمود"، الذي كان شابًا، يعرف إن العودة رهن إصبعه، ودور البطولة تحت قدميه، فعاد مرة أخرى بـ"العار" و"العذراء والشعر الأبيض" و"تزوير في أوراق رسمية".

اقرأ/ي أيضًا: هي فوضى: عن دوافع حاتم لفعل ما يفعل

كان وسيمًا لكنه رفض الأدوار الرومانسية التي صعدت بحسين فهمي ونور الشريف ومحمود ياسين في السبعينيات، وقرر أن يقتحم الحياة بشخصية "عبد الملك زرزور" في فيلم "إبراهيم الأبيض"، الذي يلاعب الحياة، وتلاعبه، ويعيشها بـ"فتونة" تاجر مخدرات يحمل عبء قلبه وحده، ويهوى "بنتًا غجرية" بلا أمل.

 

شعره الأصفر لم يمنعه من أن يكون سائق تاكسي في "الشقة من حق الزوجة"، ورشّحه لدور الطيار الوسيم بين صفوف الجيش المصري في فيلم "حتى آخر العمر".

ولم يترك الباب مواربًا يمرّ منه النقاد بين دور "سي مزاجنجي" فهلوي الكيف ورأفت الهجان الجاسوس المصري، ورغم ذلك، كان الأعمى في "الكيت كات" يليق به، ويعتبر "ماركة مسجّلة" في السينما المصرية وضعت اسمه في مقدمة "طابور الخالدين".

اليوم، أغلق محمود عبد العزيز الباب، وعطّل الشريط.. ونزل بالتتر على مشاهد حياته الطويلة.. ليكتب نهاية كان يريد ألّا تأتي أبدًا.. لأنه يكره الموت.. المشهد الوحيد الذي يرفض بطولته.

اقرأ/ي أيضًا:

مارلون براندو.. المشي على قطع الزجاج

الصحفي في السينما.. متن يبحث عن هامش