05-يناير-2018

محمد لحواس (فيسبوك)

حين ولد الممثّل المسرحي محمّد لحواس نهاية عام 1988، في منطقة ميلة، 500 كيلومتر إلى الشّرق من الجزائر العاصمة، كانت البلاد قد ثارت ضدّ حكم الحزب الواحد، وتهيّأت لمرحلة جديدة تسودها الحرّية السّياسية والدّيمقراطية، التّي جسّدها دستور شباط/فبراير 1989. وحين تعلّم محمد لحواس النّطق والمشي والخروج إلى الشّارع كانت قد وقعت في براثن العنف والإرهاب.

لأنه ولد في زمن العنف الجزائري، ظنّ محمد لحواس أنّ الموت هو الأصل والحياة هي الاستثناء

يقول محمّد لحواس لـ"الترا صوت" إنّه ظنّ، في البداية، أنّ الموت هو الأصل والحياة هي الاستثناء، "فقد كانت العبارات الأولى التي سمعتها من أفواه الأهل تحذّرني من الخروج ومن المشي وحدي. ولم يكونوا يُراعون سنّي، فكانوا يخبرونني بالسّبب عاريًا: قد يقتلونك أو يجرحونك أو يختطفونك. وهو المعطى الذي برمجني على الانكماش بدل الانطلاق والخوف بدل الفرح وتوقّع الموت بدل توقع الهدايا".

اقرأ/ي أيضًا: عزّوز عبد القادر.. أن تسحب أفريقيا إلى المسرح

التحقت بالمدرسة عام 1994، يقول محمد لحواس، مفخّخًا بالتّردّد من جهة، لأنّني كنت أتوقّع الموت في كلّ زاوية من الزّوايا وفي خطوة من الخطوات، وبالحماس من جهة ثانية، لأنّ كثرة الأطفال في المدرسة أعطتني إحساسًا أكبر بالأمان. فقد كنت أعتقد أن الموت لا يقترب من الإنسان حين يكون في جماعة كثيرة.

"غير أنّ ما حرّرني من أحاسيس الخوف والتّردّد والانزواء انضمامي إلى الفرقة المسرحية في المدرسة على يد الأستاذ شرف الدّين زغدود، حيث كنت، وأنا أمثّل دور ضابط فرنسي، أواجه العيون النّاظرة إلي لأقول للخوف السّاكن فيها إنّه عليه أن يرحل، ويسكن أعين الوحوش في الغابات والأدغال. وإنّني لم أزل إلى غاية اليوم أجد التّمثيل المسرحي يمنحني القدرة على محاربة الخوف بكلّ أنواعه وأشكاله داخل النّفس البشرية، وأجد في ذلك متعة لم تستطع متعة أخرى أن تتغلّب عليها".

جعلت هذه المتعةُ صاحبَ جائزة أفضل ممثّل في "مهرجان المسرح التّجريبي" للمرّة الثّالثة، يبقى وفيًّا لفعل التّمثيل. فيتخلّى محمد لحواس عن مواصلة تعلّم الموسيقى الذي بدأه مبكّرًا، ويزهد في الفرص التي مُنحت له لينتقل إلى السّينما والتّلفزيون، "مخافة التّشويش على متعتي فوق خشبة المسرح، أو تركها لصالح متعة قد تكون أفضلَ منها. ولطالما تقبّلت وصفي من طرف البعض بالمعتوه والمنغلق على المسرح". يسأل محمد لحواس: "ألا يدري هؤلاء المنبهرون بأضواء السّينما والتّلفزيون أن انغلاقي على المسرح أدّى بي إلى أصبح منفتحًا على الحياة؟ المسرح هو الحياة".

ارتباط مفهوم المسرح لدى محمّد لحواس بالحياة دفعه إلى أن يمثّل أدوارًا متناقضةً، ويجسّد شخصياتٍ مختلفةً، بمرونة وصفها النّقاد والمسرحيون منهم الفنّان عنتر هلال بالموهبة النّادرة. منها دور شكسبير في مسرحية "الرّحلة"، ودور الزّوج في مسرحية "سوق النّساء"، ودور الخيّر في مسرحية "أبيض وأسود"، ودور الشّرّير في مسرحية "المشهد الأخير"، ودور الابن في مسرحية "الصّورة"، ودور الحكواتي في مسرحية "المشروع"، ودور العنكبوت في مسرحية "العنكبوت الشّرّيرة" ودور العجوز في مسرحيتي "السّراب" و"كشرودة".

يقول صاحب الجائزة الذّهبية لأحسن ممثّل في "مهرجان دوز الدّولي للمسرح" في الجنوب التّونسي إنّه يحرص على أن يكون دورُه في أيّ عرض مسرحي مضاعفًا، "فأنا أطبّق تعليمات وتوجيهات المخرج بصفته سلطةً تحمل رؤيةً إخراجيةً تلزمه، وأرى من الخيانة للعقد المعنوي الذي يجمعنا أن أحيد عن تلك الرّؤية لحظة العرض، بالتّالي أنا أجسّد الشّخصية الممنوحة لي، بالموازاة مع تجسيدي لدوري أنا نفسي في الوقت نفسه، فلا يدري المتلقّي الذي يصفّق لي هل فعل ذلك لأنّني أحسنت في الأولى أم الثّانية". يضيف: "لا تكمن قيمة الممثّل المسرحي في ذوبانه التّام في دوره الرّسمي فقط، بل في نثر توابل روحه الخاصّة على ذلك الدّور أيضًا".

 مكّنت هذه الرّؤية/ الرّوح محمّد لحواس من أن يلفت الانتباه إليه، مهما كثر الشّركاء من الممثلين في العرض الواحد. حدث ذلك في كلّ المهرجانات التي شارك فيها، منها "مهرجان قرطاج الدّولي للمسرح" في تونس، و"مهرجان المسرح المحترف" بمدينة قالمة و"المهرجان الوطني للمسرح الفكاهي" بمدينة المدية، و"المهرجان الوطني لمسرح الهواة" بمدينة مستغانم، و"مهرجان مسرح الطفل" بمدينة خنشلة، و"المهرجان الوطني للمسرح المحترف" بالجزائر العاصمة.  

يعتقد محمّد لحواس أنّ هناك ثلاثة أدوار تقمّصها في ثلاثة عروض مسرحية، جعلته يؤمن نهائيًا بأنه خلق للتّمثيل، وما عليه إلّا أن يُبرمج أحلامه المستقبلية على هذا الأساس. هي دور الموقوف في مسرحية "الموقوف رقم 80" لجمعية "ميلاف للمسرح الحرّ"، ودور الوزير في مسرحية "طرشاقة" للمسرح الوطني الجزائري، ودور العجوز مريزقة في مسرحية "كشرودة" لمسرح مدينة سوق أهراس، وكلتاهما من تصميم المخرج أحمد رزّاق.

ارتباط مفهوم المسرح لدى محمّد لحواس بالحياة دفعه إلى أن يمثّل أدوارًا متناقضةً

وعن علاقة الممثّل بالمخرج، يقول محمد لحواس صاحب جائزة أفضل ممثّل في "المهرجان الدّولي للمسرح الحرّ" بالأردن إنّها تقوم على المقايضة التّالية: "أنا آخذ منه أفضل ما عنده من أفكار، وهو يأخذ منّي أفضل ما عندي من أداء. ذلك أنّ مصيرنا واحد في العرض، تمامًا مثل مصير شخصين مربوطين بالحلقة الحديدية نفسها، كلاهما ملزم بأن يرفد الآخر من أجل النّجاة". يطرح سؤالًا مغيّبًا في المشهد المسرحي: "لماذا نوغل في طرح أزمة النّصّ والتّوزيع مثلًا، ولا نمنح الفرصة للمخرج ليتحدّث عن معاناته مع الممثّل الناقص، وللممثّل المحترف ليتحدّث عن معاناته مع المخرج المحدود؟".

اقرأ/ي أيضًا: عبد الله بهلول.. أن تمارس المسرح وتدرسه

بعد هذه الأشواط كلّها، لم يزل محمّد لحواس وفيًا لذلك الطفل الذي اكتشف المسرح في المدرسة سنوات العنف والإرهاب، فهو يقصد المستشفيات والمؤسّسات التّربوية ليقدّم عروضًا صامتة للأطفال، كان آخرَها عرض "الأنامل الذّهبية" لجمعية "القناع الذّهبي" في مدينة ميلة. يقول: "أفكّر بمنطق أنه عليّ أن أكبر في رؤاي لمسرح الطفل لا أن أتكبّر عليه. هل هناك من يتكبّر على المستقبل؟".

يوم الأحد 31 كانون الأول/ديسمبر من عام 2017، أي ساعات قليلة قبل دخول العام الجاري، يُدعى محمّد لحواس لاستلام جائزة أفضل ممثّل واعد عن دوره في مسرحية "كشرودة" ذائعة الصّيت، في "المهرجان الوطني للمسرح المحترف"، فاشتعلت طوابق المسرح الوطني الجزائري بالتّصفيق. فعلًا، إنّ الإيمان بالطّريق شرط من شروط الوصول.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بوتشيش بوحجر.. ماريشال المسرح الجزائري

محمد أمين رفاس.. مناضل شاب لأجل المسرح