03-فبراير-2017

محمد كامل القليوبي (1943-2017)

غادر المخرج المصري محمد كامل القليوبي (1943-2017) عالمنا أمس، عن عمر يناهز الـ74 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض. الفنان الذي تخلّى عن الهندسة التي درسها في "جامعة عين شمس"، وهب نفسه كليًا لعالم السينما، إلى درجة أنه أصبح إحدى علاماتها البارزة، وإذا أردتَ أن تقرأ فترة التسعينيات في مصر قراءة إنسانية لا تملّ منها، فابحث عن أفلامه، لكونه يقدم مجتمع التسعينيات المصري برؤية تمتاز بالسّهل الممتنع.

قدّم القليوبي مصر التسعينيات برؤية سينمائية تمتاز بالسهل الممتنع

هناك إجماع أن "البحر بيضحك ليه" أجمل أفلام القليوبي، كما أن هناك إجماعًا أيضًا على تجاهل متعمد لهذا الفيلم، ربما بسبب نظرته الفلسفية، وربما بسبب الكسل في تناول وعرض هذا النوع من الأفلام. فالنص تسعيناتيّ ساحر، وفيه مواطن جمال شديدة الإنسانية، ورغم أنه يبدو في المجمل ابن بيئته إلا أن هناك عناصر خلّدته. ستلاحظ كذلك البُعد السريالي في الفيلم، واستخدامه للرمز، ليس فقط في أحلام البطل حسين (محمود عبد العزيز)، لكن في ملابسه ومشاكله التي يتورط فيها، وفي مواقفه في الحياة.

اقرأ/ي أيضًا: السينما المصرية.. شريط يروي حكاية قرن

تبقى أعمال القليوبي حاضرة في ذاكرة المشاهدين الجدين للسينما، وليس العاديين، لأنها ليست من الأعمال التي قد تحظى بالتصفيق الواسع، ولا هي ذات طابع تجاري كما اتسمت أفلام تلك الفترة. "البحر بيضحك ليه"، رغم بعض مشاهده الساخنة وشعبية أبطاله، وخضوعه لبعض معايير السوق، ووسقوطه في فخ "التنميط" أحيانًا، إلا أنه من الاستحالة أن يكون فيلمًا عاديًا. 

على أي حال، إذا عُرف السبب بَطل العجب، فالرجل حصل على شهادة دكتوراه فلسفة في الفن من "معهد السينما في موسكو"، وهذا ما جعل اللمسة الفلسفية في أفلامه مفهومة المصدر، فهي وإن بدت شديدة المحلية إلا أن مفارقاتها متقنة وكوميدية.

في فيلمه "ثلاثة على الطريق"، لم يعرض بضاعةً كاسدة إلى جمهوره، بل كان يقدّم ذلك الصراع الخفي بين السلطة والناس والخرافة والبحث عن الذات. وفي خلفية الحكاية روتين حياة الفقراء والمهمشين الذين يسعون إلى الحياة بكفاح وصخب. 

أثرى القليوبي المكتبة الوثائقية، أجملها على الإطلاق فيلمه عن نجيب الريحاني

أثرى القليوبي المكتبة الوثائقية بعدة أفلام منها "محمد بيومي"، و"أسطورة روز اليوسف"، و"تموت الظلال، ويحيا الوهج"، و"نجيب الريحاني في ستين ألف سلامة"، و"اسمي مصطفى خميس". وقد عرضها التليفزيون المصري في عجالة في عدة مناسبات، أجملها على الإطلاق فيلمه عن نجيب الريحاني.

اقرأ/ي أيضًا: أحمد راتب ... بطل الأدوار الثانية

لم يكن يجيد السباحة مع التيار، ففي عام 1979، مع التضييق على المثقفين بعد اتفاقية "كامب ديفيد"، كونت جمعية جمعية نقاد السينما "لجنة مقاومة السينما الصهيونية"، التي كان القليوبي من أعضائها مع سمير فريد وعلي أبو شادي وكمال رمزي، وتبنت اللجنة مقاومة التطبيع الثقافي والسينمائي مع الكيان الصهيوني. ومع تزايد التضييق، انتقل القليوبي إلى روسيا لنيل الدكتوراه، فتعمّق في البحث والدراسة الأكاديمية، كما تقلّد منصب رئيس "المركز القومي للسينما"، ومقرّر "لجنة الفنون في مكتبة الإسكندرية"، وترأس "مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي لدول البحر الأبيض المتوسط" عام 2003، وكان آخر مناصبه رئاسة مؤسسة "نون للثقافة والفنون" التي تنظم "مهرجان الأقصر"، و"مهرجان شرم الشيخ السينمائي للسينما المصرية والأوروبية"، كما نال جائزة الدولة التقديرية.

اقرأ/ي أيضًا: 

محمود عبد العزيز.. في محبة الرجل الجميل

حكايات عن عمر الشريف في ذكرى رحيله