03-ديسمبر-2015

محمد فهد القحطاني

ثمة أحرارٌ في السعودية. الكثير من الأحرار. مئات الرجال الشجعان بل آلاف مؤلّفة، ضحوا برؤية وجوه أبنائهم كل صباح وهم يستعدون للمدارس والجامعات. قدموا أعمارهم تنازلًا في مقابل أن يعيشوا أحرارًا. وحدهم الذين يطلقون ابتسامة بعرض السماوات والأرض في جميع صورهم المتوفرة على الإنترنت، وفي الواقع قبل الصور. هذا ما تقوله ملامح الأحرار في كل مرة نراهم فيها. ابتسامة الرضا الطلق، لأن سحر الحرية يكمن فيما تهبه الإنسان من سلام نفسي ووجداني.. إنها قصة أعظم من أن تُقهر.

على وجوه المعتقلين ابتسامة رضا طلق، لأنّ سحر الحرية يكمن فيما تهبه الإنسان من سلام نفسي ووجداني

في الثامن عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2011، كتبت في الفيسبوك، في منشور مخصص "أنا فقط" : هذا اليوم مميّز في حياتي، فقد التقيت بثلاثة رموز حبيبة على قلبي، عبد الله الحامد (أبو بلال)، متروك الفالح، محمد فهد القحطاني. لدي شعور رائع بتلك اللحظات. 

إن هؤلاء ثلاثة رجال يرمزون إلى حراك الإصلاح السياسي في السعودية. لقد استدعاهم الملك عبد الله بن عبد العزيز (يرحمه الله) في بدايات توليه للحكم وإدارة شؤون البلاد، ليقول لهم: إن مشروعكم مشروعي. وإنكم رفاقي وسنَدي. 
قلت تلك المشاعر في لحظتي تلك، من عام 2011، بعد أن وجدت في جمعية حسم ما يستحق الاحترام والتوقف.

ما دفعني إلى مراسلة الدكتور محمد فهد القحطاني على تويتر مبديًا رغبتي في حضور محاضرته القادمة ضمن أنشطة الجمعية، وفي مقرها الذي لم أكن أحمل تخيلًا محددًا لشكله. أبدى الدكتور ترحابه ومحبة كبيرة وتواضعًا لا مثيل له على الإطلاق. لقد أخذني معه بسيارته اللاندكروزر إلى حيث مقر الجمعية. وكان المقر عبارة عن استراحة متواضعة ما زالت قيد البناء، تقع بحي المونسية شمال شرق الرياض. كانت المحاضرة للدكتور فهد. وأتذكر براعته في محاور تلك المحاضرة الثرية التي حملت علاقات إيران والسعودية بأمريكا عنوانًا لها. 

ونتيجة لظروف السفر، تلك المحاضرة الأولى والأخيرة التي أحضرها. لكن استمرت المحاضرات لأشهر قليلة (وكانت رصينة جدًا وجريئة وهي مؤرشفة في يوتيوب). حتى كان ما كان بعد ذلك. فمنذ إعلان جمعية حسم للحقوق المدنية والسياسية، بدأت الاعتقالات تتوالى لأسباب غير معقولة فضلًا عن كونها غير شرعية وقانونية، لأعضاء الجمعية، وقياداتها. 

وبنهاية أيام عهد هذا الملك المحبوب، لم يعد منهم رجل واحد يتمتع بحريته. لقد أودعوا جميعهم في السجون. هل تعرفون عن جمعية حسم أي معلومة؟ ابحثوا عنها وعن مواقفها الوطنية المشرفة، ونشاطاتها المعرفية التنويرية السلمية، ابحثوا عنها إن أردتم ذلك، فكل أخبارها موجودة في الإنترنت. لكن ما يعنيني في هذا المقال هو أن أخبركم بومضة سريعة حول محمد فهد القحطاني. والبقية تأتي تباعًا. 

منذ إعلان جمعية حسم للحقوق المدنية في السعودية، بدأت الاعتقالات تتوالى لأسباب غير معقولة

عرفت الدكتور محمد أول مرة، عندما شاهدته خلال حوار في برنامج على إحدى القنوات الفضائية "حديث الخليج". لا أعرف فكيف أصف ما شعرت به من دهشة وفخر أمام ذلك الرجل الذي كان يتحدث بما لم يقله أمثاله من الذين يحملون نفس الهوية ونفس السحنة ويلبسون نفس الغترة والعقال، ويحملون نفس (الدال)! ويتصدرون الفضائيات. شعرت بفخر هائل، من كونه ابن جلدتي ووطني وهو يتحدث بطلاقة من وهبه الله سحر البيان وعمق الفكر والتحليل ويقول ما أحسبه كلمة حق أمام العالم.

استمر بالظهور عبر قناة جمعية حسم للحقوق المدنية والسياسية على يوتيوب بإلقاء محاضرات حقوقية تعد تأسيسًا حقيقيًا للثقافة السياسية والمدنية. إلا أن تلك المحاضرات لم تستمر طويلًا. لأن أستاذ الاقتصاد والناشط السياسي وأحد الأعضاء المؤسسين لجمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية، قد حكم عليه في التاسع من آذار/مارس 2013 بالسجن عشر سنوات والمنع من السفر عشر سنوات أخرى. 

من سيرته: نال القحطاني، درجة الدكتوراه من جامعة إنديانا في الولايات المتحدة، ثم عمل أستاذًا للاقتصاد في المعهد الدبلوماسي في الرياض. قدّم الدكتور محمد القحطاني، في عام 2006 برنامج قضايا اقتصادية على قناة الاقتصادية، وكان البرنامج -حسب وصف القحطاني- يربط "جميع القضايا الاقتصادية بقضايا حقوق الإنسان". في 2009، بدأ محمد القحطاني، النشاط الحقوقي المنظم بالمشاركة في توقيع بيان موجه للملك عبد الله بن عبد العزيز نُشر في الثالث عشر من أيار/مايو 2009 لإدانة المحاكمات السرية للمتهمين بالإرهاب.

في الثاني عشر من تشرين الأول/أكتوبر من نفس السنة كان القحطاني، أحد الموقعين على البيان التأسيسي لجمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية، ثم تولى رئاستها لعام 2011 وكان ضمن فريق الجمعية للدفاع عن الناشط السياسي محمد البجادي. في تشرين الثاني/نوفمبر 2012 اعتبرته مجلة "فورين بوليسي" واحدًا من أبرز مائة مفكر في العالم لذلك العام. في التاسع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر رفعت المحاكمة للنظر، وفي التاسع من مارس 2013 قضت المحكمة الجزائية بالرياض بإدانة القحطاني وسجنه عشر سنوات ومنعه من السفر عشر سنوات أخرى.

اقرأ/ي أيضًا:

هل الربيع العربي من جلب الخراب؟

أشرف فياض.. هزيمة لكل شيء