24-أغسطس-2021

كتاب "بلاغة المنفى: تجربة في قراءة القصيدة الدرويشية" (ألترا صوت)

ألترا صوت – فريق التحرير

أصدرت "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" في بيروت وعمّان، حديثًا، كتاب "بلاغة المنفى: تجربة في قراءة القصيدة الدرويشية"، للناقد الأردني محمد عُبيد الله، الذي أضاء فيه على جانبٍ حيويٍ من جوانب التجربة الشعرية المميزة للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش (1941 – 2008).

عبّر درويش مرارًا عن تجربة المنفى التي امتزج فيها الذاتي بالجماعي، منذ اضطراره للفرار مع عائلته إلى لبنان بعد هجوم العصابات الصهيونية على قريته "البروة"

واختار عُبيد الله في هذا الكتاب، أن يقدّم قراءة نقدية واسعة في قصيدة واحدة من شعر محمود درويش، هي قصيدة "منفى: نهار الثلاثاء والجو صافٍ"، المنشورة في ديوان "كزهر اللوز أو أبعد"، الصادر عن دار "رياض الريس للكتب والنشر" عام 2005. وذلك بالإضافة إلى دراستها من جوانب ومستوياتٍ أسلوبية ولغوية ودلالية متشعبة، يسعى من خلالها إلى تسليط الضوء على بلاغة القصيدة الحديثة، وتراثها الجمالي والفني.

اقرأ/ي أيضًا: كتاب "نموذج الصين".. الجدارة السياسية وحدود الديموقراطية

أما المنهج النقدي الذي استندت إليه الدراسة، فهو، وبحسب المؤلف، النقد: "اللغوي والبلاغي والنصي، ذلك أن النصية والدراسة الداخلية أمر مشترك بين مناهج وتيارات نقدية شتّى، بما فيها النقد العربي القديم، كما تجلّى عند الشيخ عبد القادر الجرجاني الذي نعدّه رائدًا للنقد النصي القائم على أُسس بلاغية وأسلوبية ولغوية ومتداخلة".

ويضيف محمد عُبيد الله: "ولذلك، فإن اجتهادنا في هذه الدراسة يقوم على محاولة التقريب بين المناهج والاتجاهات التي عُنيت بدراسة الشعر دراسة داخلية، دون أن تنغلق على البعد التقني والتصويري، فالهدف من الشعر ليس الصور، بل معرفة العالم ومعرفة الذات".

وحول سبب اختياره لمحمود درويش، يقول عميد كلية الآداب والفنون في "جامعة فيلادلفيا الأهلية"، إنه جاء: "لاعتبارات متعددة؛ في مقدّمتها مكانة تجربته الشعرية وتطورها فيما يزيد على أربعة عقود، شهدت تحولات مركبة متداخلة، وبالرغم من انغماس درويش في الحركة الوطنية والسياسية الفلسطينية، فإنه ظل محافظًا على أصالة شعره وعلى تجدده".

ننشر هنا مقطعًا من الكتاب بعنوان "تجليات النفي بين التركيب والدلالة"، وهو أحد أقسام الفصل السابع المعنون بـ "البنية التركيبية".


تجلّيات النفي بين التركيب والدلالة

وضع الشاعر للقصيدة بأسْرها عنوانًا عامًّا هو "منفى" ثم عنوانها الخاص "نهار الثلاثاء، والجو صاف"، وهي واحدة من أربع قصائد حملت العنوان نفسه في ديوان "كزهر اللوز أو أبعد": "منفى 1، منفى 2، منفى 3، منفى 4"، ولكل قصيدة عنوان خاص إلى جانب هذا العنوان المشترك. وهذا التشديد يربط هذه القصائد بما تحمله اللفظة من دلالات، وما تُحيل عليه خارج القصيدة من إشارات تتّصل بالشاعر وبالجماعة الفلسطينية التي ينتمي إليها. ولا يحتاج المرء إلى جهد كبير ليتبيّن أن درويش يعدّ نفسه منفيًّا، وكذلك جماعته الفلسطينية التي طالما عبّر عنها في تجربته، وأن هذه التجربة حاضرة في قصيدته ولكن بطريقة مختلفة عن التجارب السابقة.

المرء الذي يبعد عن أرضه أو وطنه يدخل في دائرة النفي والمنفى، وتغدو الهوية أكثر حاجة للحراسة، لأنها تدخل في دائرة التهديد

وفي ضوء هذه العلامة المستمدّة من سيمياء العنوان يُمكننا مُطاردة تجلّياتها أو علاماتها الرحميّة داخل القصيدة، خصوصًا في صيغها الخفية، وحقًّا في مثل هذا السياق يبدو أن النقد – كما يقول جوناثان كوللر- "هو مطاردة العلامات، ذلك أن النقاد مهما تكن فعاليتهم، مدفوعون بنزوع حثيث إلى فهم واصطياد أبنية العلامات الملتبسة الدالّة. وينشأ النقد بسبب أن علامات الأدب أبدًا لا تعطي نفسها بسهولة، بل لا بد من مطاردتها. وصيغ النقد المختلفة يمكن التمييز بينها من خلال ما تبذله من جهد في هذه المُطاردة".

اقرأ/ي أيضًا: كتاب "السياسة الخارجية التركية".. استراتيجية تعزيز الاستقلالية

وقد عبّر درويش مرارًا عن تجربة المنفى التي امتزج فيها الذاتي بالجماعي، منذ اضطراره للفرار مع عائلته إلى لبنان بعد هجوم العصابات الصهيونية على قريته "البروة" في الجليل الفلسطيني عام 1948، فعرف المنفى قبل أن يتعرّف على اللفظ الدال عليه، كما عبّر في مقالته "المنفى المتدرج": "كنت في السادسة من عمري حين خرجت إلى ما لا أعرف، حين انتصر جيش حديث على طفولة لم يكن يأتيها من جهة الغرب إلا رائحة البحر المالحة... منذ الآن سنصير شيئًا واحدًا، بلا فروق. منذ الآن سندمغ بختم جمركي واحد: لاجئون! لم أعد طفلًا منذ أدركت أن مخيمات لبنان هي الواقع وأن فلسطين هي الخيال. لم أعد طفلًا منذ مسّني ناي الحنين... لم أعرف كلمة المنفى إلا عندما ازدادت مفرداتي. كانت كلمة العودة هي خبزنا اللغوي الجاف... المسافة بين المنفى الداخلي والخارجي لم تكن مرئية تمامًا. كانت مجازية... وفي المنفى الخارجي أدركت كم أنا قريب من بعيد معاكس.. لم يعد أي شيء شخصيًا من فرط ما يحيل إلى العام، ولم يعد أي شيء عامًا من فرط ما يمس الشخصي... سيصير المنفى أدبًا، أو جزءًا من أدب الضياع الإنساني".

ولكيلا نبعد عن النهج الذي انتهجناه في تحليل القصيدة، بحثنا عن علامات النفي والمنفى في القصيدة، فوجدنا الشاعر قد ذكر في بعض المقاطع ألفاظًا صريحة دالّة على هذا المعنى، من أبرزها المقطع الآتي:

"لا أَرضَ ضيِّقةً كأصيص الورود

كأرضك أنتَ... ولا أرضَ واسعةً

كالكتاب كأرضك أنت.. ورؤياك

 منفاك في عالم لا هُويَّة للظلّ

 فيه، ولا جاذبيّة".

 ففي هذا المقطع عدة ظواهر تستحقّ الاهتمام، على رأسها ذكر الأرض والهوية والمنفى، وهي بلا شك المفردات المُكوّنة والمؤسّسة للدّلالة، فالمرء الذي يبعد عن أرضه أو وطنه يدخل في دائرة النفي والمنفى، وتغدو الهوية أكثر حاجة للحراسة، لأنها تدخل في دائرة التهديد، وهو ما نفهمه من نهاية المقطع، والشاعر لا يريد أن يكون "ظلًّا" ذلك أن الظلّ يقلّد نسخة أو أصلًا، وبالتالي يغدو الظلّ رمزًا لفقدان الهوية في مثل هذا السياق.

وردت لفظة الأرض بصيغة التنكير "أرض" لكنّها معرّفة بالإضافة إلى كاف الخطاب التي تدل على الملكيّة أيضا: "أرضك"، تكتسب هذه اللفظة حضورًا كثيفًا في شعر درويش لأنها ترتبط بالوطن وبفلسطين عادة، أليس هو شاعر الأرض الفلسطينية المحتلة؟ ألم يغنّ لها عقودًا؟ لا نستطيع أن نفصل هذا المقطع عن سياق الأرض بمعناها الوطني، بل لا ينبغي أن نفعل ذلك، فليس من الملائم أنه يعرض لأرض مبهمة أو مجهولة، ويضيفها إلى نفسه المتنكّرة في ضمير الخطاب. يتعزّز حضور الأرض بلفظتين اصطلاحيتين هما: منفى، وهوية. وهما من الألفاظ التي اكتسبت حضورا ودلالة في العصر الحديث بسبب تصاعد مشكلات الهوية والاغتراب والنفي وكلّ ما يعدّ تهديدًا وسبيلًا لخسارة الهوية.

يُحافظ الشاعر على التوازي، بتكرار العناصر المتعلّقة بلفظة "أرض" وبنفس التتابع والتركيب، مع إبدالات ملحوظة: ضيقة/واسعة، كأصيص الورود/كالكتاب، وتبدأ الجملتان بلفظة "لا" التي يسمّيها النحاة "لا النافية للجنس"، وتختتم بـ: كأرضك أنت، يتكرّر صوتا الكاف والضاد بسبب تكرار حرف التشبيه وتكرار كلمة "أرض" ويغدوان المركز الصوتي للمقطع، ويلعب التكرار والتوازي دورًا إيقاعيًا واضحًا. يفيدنا هذا بتداخل المستويات الصوتية والتركيبية والبلاغية في شعر درويش، فإذ يصعّد من شعريته، فإنه يجد تحفيزًا من جوانب متعدّدة تُنتج شبكة متداخلة للمستويات الإيقاعية والتركيبية والتصويرية والدلالية.

ونفي المشابهة أو استعمال التشبيه المنفي: "لا أرض... كأرضك" تجعل المعنى أقرب للتفريد والتثمين والحصر. وأما الدليل فلعلّه يتمثّل في التشبيه المُثبت أو الإيجابي: "أرضك: كأصيص الورود" و "أرضك: كالكتاب" فهذه الصور الجديدة والفريدة، في إبراز صورة الصغر مع اللطف والجمال، ذلك أن الجمال ليس في الكبر والاتساع، وإنما في الدقة والتفرّد، ثم تمنحنا صورة الكتاب لونًا مختلفًا من الاتساع فتضاعف من المعنى المضاد، ولكن مع توجيه الدلالة إلى الاتساع المعنوي، والكتاب، بهذا التعريف، قد توحي بالقرآن، أو بالقدسية والمعرفة العليا.

أما تتمّة المقطع ففيها "تشبيه بليغ": ورؤياك منفاك، وهذه الواو محيرة بعض الشيء، أهي للحال؟ أم الاستئناف؟ ونفضّل أن نعدّها حالية ليكون التعبير أكثر ترابطًا ومتانة، فيغدو ذكر المنفى أكثر التصاقًا بالأرض. لفظة رؤياك، مشابهة للفظة: أرضك، من ناحية ارتباطها بالكاف التي تفيد الملكية قبل أن تفيد الخطاب، وهي في الحالة الأولى تعبّر عن يقين الحق في الأرض، مهما يكن مصيرها. وفي لفظة: رؤياك منفاك، تبدو الجملة جملة قصيرة مركّزة، رؤياك تدل على الحلم وعلى منطلق الشاعر. إنها أقرب إلى جملة تعريفية كأنه يعرف الرؤيا، بنقيضها: منفاك، أو يعبّر عن أثر المنفى في تكوين رؤيته أو رؤياه، ولكنّ الجملة التوضيحية المتعلقة بها يمكن أن تضيئها: "في عالم لا هوية للظل فيه ولا جاذبية!" إنه لا يريد أن يكون ظلًّا بلا هوية أو جاذبية، الظلّ هنا نقيض الأصل، الظلّ تابع، والعالم لا يعترف بالتابع، لا يقيم له وزنًا.. إنه تذكير بأزمة الهوية والنفي، ومعاناة المنفيين في الاحتفاظ بوجودهم، وتحقيق الهوية ولو عبر الرؤيا الشعرية قد يعيد للذات بعض طمأنينتها. 

من جهة ثانية يلفتنا في هذا المقطع حضور أسلوب النفي وتراكيب النفي، بالمعنى النحوي واللساني، وقد افترضنا أنها العلامة اللغوية الأعمق والأشد خفاء على تلبس حالة النفي للشاعر، حتى أنها وجّهته واعيًا أو غير واعٍ إلى اللغة المنفية في مواضع كثيرة من قصيدته، وفي سطور المقطع السابق نجد التراكيب الآتية: "لا أرض ضيقة، لا أرض واسعة، لا هوية للظلّ، ولا جاذبية".

بالرغم من انغماس درويش في الحركة الوطنية والسياسية الفلسطينية، فإنه ظل محافظًا على أصالة شعره وعلى تجدده

أي أن تراكيب النفي واستخدام لا النافية من الناحية اللغوية تتخلّل السطور والجمل جميعها، وحملنا هذا التركيز إلى وضع فرضية تتصل بإمكانية نشوء علاقة بين النفي الذي عانى منه الشاعر، أي النفي بمعناه الدلالي، وإمكانية انعكاسه أسلوبيًا عبر اختيار الشاعر لتراكيب النفي والإكثار من الأدوات والألفاظ الدالّة عليه، مما اقتضى شيئًا من التوسّع لتجلية هذه الروابط الخفيّة بين التراكيب المنفيّة والدلالة المنفيّة.

اقرأ/ي أيضًا: كتاب "كيف نكتب التاريخ".. إعادة النظر في اليقينيات

ويمكن أن ندعم هذه الرؤية بالأمور الآتية:

  • ليس الربط بين التراكيب/الأساليب والحُزَم أو البؤر الدلالية بأمر جديد أو فرض غريب، فما أكثر ما يلحّ الدارسون على ارتباط الجمل الفعلية مثلًا بالحركة والتغير، والجمل الاسمية بالثبات والديمومة، وتركيب التعجب "ما أفعل" اسم على مسمّى، والاستفهام والشرط.. إلخ.. فهذه التسميات النحْوية اشتقّت من الدلالة أو الوظيفة التي يؤدّيها التركيب أو الأسلوب.
  • أما النفي فتفرّق بين مباحث متنوعة، ولم تجمعه مصنفات النحو في باب واحد، ولذلك ربما خفيت دلالته ولم يتم ربطه ربطًا صريحًا بدلالة النفي والإبعاد بالمعنى الواقعي.
  • وجدنا اللساني الرائد إبراهيم أنيس قد عرض في كتابه "من أسرار اللغة" لشيء من ضالّتنا عندما توسع بالنفي وجعله على نوعين: نفي لغوي صريح، يتم من خلال ألفاظ أو أدوات محددة، ونفي ضمني، وهو ما يُتوصّل إليه من خلال السياق من دون وجود لفظة خاصة تدل عليه. وهو ما سمح لنا بنظرة موسعة في القصيدة بحثًا عن أمارات النفي بصورتيه: الصريحة والضمنية، ومواصلة فرضيتنا بخصوص ربط بروز هذا النوع من الأساليب بثيمة النفي عند محمود درويش.

يقول إبراهيم أنيس: "النفي اللغوي لا يكون عادة إلا بأداة تُشعر بهذا النفي، فإذا خلا الكلام من أداة نفي، وعبّر مع هذا عن النفي، عدُّ مثل هذا نفيًا ضمنيًا، يطمئن إليه المنطقي، ويعدّه من طرق النفي، ولكنّ اللغوي يأبى اعتباره من أساليب النفي؛ ففي بعض أساليب التمنّي والاستفهام الإنكاري، والشرط بــ "لو" حين تفيد امتناع الجواب لامتناع الشرط، نلحظ نوعًا من النفي الضمني الخالي من أداة النفي... فنحن نرى في مثل هذه الأساليب نفيًا ضمنيًا، وإن لم تشتمل على أدوات النفي...". وراجع أنيس وِقْفات النحاة عند هذه الأدوات: "والنحاة في تفسيرهم لتلك الأدوات قد عُنوا العناية كلّها بالناحية الإعرابية، فاهتمّوا بجزم المضارع بلم، ونصبه بلن، وألّفوا بابًا مستقلًّا سمّوه الاستثناء بإلّا، ثم جاءوا إلى "ما إن" فقالوا إن "إن" زائدة! ولا شكّ في أن النفي بأداة مركّبة آكد وأقوى من النفي بأداة بسيطة. ولكنّ الاستعمال اللغوي قد فرّق بين تلك الأدوات المركّبة، فاختصّت كلّ منها بناحية تنظيمية "تركيبية" خاصة". فأدوات النفي في اللغة العربية، تشمل - وفق رأي أنيس- الأدوات البسيطة مثل: لا، ما، إن، أو الأدوات المركّبة من أكثر من واحدة من هذه الأدوات، مثل: لن، لم، إلا، ما إن. كما عدّ "إلا" التي خصصت بالاستثناء، أداة نفي يراد بها تأكيد النفي، كما أن الاستفهام الإنكاري ليس في حقيقته إلا نفيًا في رأي أنيس.

يقدّم عُبيد الله في كتابه قراءة نقدية واسعة في قصيدة واحدة من قصائد درويش، هي "منفى: نهار الثلاثاء والجو صافٍ"

ونضيف ألفاظًا مثل: "ليس" وهي فعل جامد، من أخوات كان، تُفيد النفي، ويُمكننا أن نضمّها مع هذه الأسرة، ونضيف أيضًا ألفاظًا مثل: "سوى"، و"غير"، و"ما عدا" ونحوها، فهذه الألفاظ تدلّ على الاستثناء، وتُشبه في وظيفتها أداة الاستثناء المشهورة "إلّا". ويورد النحاة بعض أحكامها في مبحث الاستثناء. ونستطيع أن نستنتج عدة أمور يرفد بعضها بعضًا في إضاءة استعمال هذا الأسلوب عند درويش:

اقرأ/ي أيضًا: "التقدُّم نحو الكارثة".. صناعة الغش والضحك والازدراء

  • عدد تراكيب النفي في القصيدة نحو: 80 تركيبا، وهو عدد ملحوظ يتخلّل معظم مقاطع القصيدة. وإذا ضممنا إليه الفعل "أنسى/نسيت" الذي تكرّر 16 مرة، إضافة إلى أفعال وألفاظ أخرى تُحمل على النفي الدلالي، فإننا سنزيد هذه التراكيب، إلى نحو 100 تركيب، بين النّفي اللغوي والنّفي الضمني " الدلالي". ويمكن اعتبار هذا الاختيار للنفي أسلوبًا مميّزًا على مستوى التراكيب والأساليب في هذه القصيدة، وفي شعر درويش بوجه الإجمال.
  • النفي نقيض الإثبات، واللجوء إليه في الشعر يمنح الشاعر فرصة إبراز التناقضات وصور التضاد والمُفارقة بين المُثبَت والمنفي، على صعيد التركيب وعلى صعيد الدلالة، ويتلاءم مع القصيدة ذات البنية الثنائية مثل هذه القصيدة التي حقّقت جانبًا من استقرار بنائها وتشييده على هذا المبدأ الثنائي الذي وجدناه يظهر بصور عديدة من أهمّها ثنائية الإثبات والنفي.
  • يُسهم النفي استنادًا إلى ما سبق في توفير عنصر التوتّر والحركة، ويلتقي في هذا مع دلالة كثرة الأفعال، وما أشاعته من مناخ سردي في القصيدة.
  • تلتقي دلالة النفي في اللغة مع دلالة النفي في حياة الشاعر، فكلاهما يأتي بمعنى التنحية والإبعاد، ولعل هذا اللقاء قد تجسّد في طلب الشاعر لهذا الأسلوب الذي تتلاءم طبيعته وينسجم فضاؤه الدلالي مع ما يريد الشاعر التعبير عنه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

طبعة جديدة من كتاب "رياح السموم".. سيرةُ حقبةٍ ملتهبة

كتاب "الدول والثورات الاجتماعية".. بنى وأصول التحولات