29-أغسطس-2018

محمد صلاح يواجه فساد السبوبة في الكرة المصرية (Sporting News)

(1)

بعد الثورة المصرية في 25 كانون الثاني/يناير 2011، ظهرت على السطح، من بين قضايا الفساد التي حُوكم فيها قيادات من نظام حسني مبارك؛ قضايا فساد ببضعة ملايين قليلة من الجنيهات، أي ملاليم وسط كومة المليارات. أبطال هذه القضايا مسؤولون وموظفون في قطاعات مختلفة من الدولة.

ظهرت بعد الثورة المصرية مستوى معين من قضايا الفساد التي تكشف عن طبقة فاسدين أكثر "دناءة" من غيرهم

هذه القضايا تكشف عن طبقة من الفاسدين يلعبون على مستوى أصغر، مستوى "السبوبة"، في درجة من الفساد غير المرئي، لكن الخطير في نفس الوقت، وبحيل غير مشروعة بتاتًا، أو تبدو مشروعة على الورق. ألعاب موظفين صغار أو كبار، من أصحاب النفوس الشرهة لأي "سبوبة" مهما كانت دناءتها من ضآلتها. أمثال هذه الشخصيات، وعلى مستوى أوسع، نسميها في مصر بـ"النتنة" أو "المعفنة"، إشارة لتدني نفوسها بالقبول بأي فتات، فالمثل يقول: "إن سرقت فاسرق جمل"، لكن هؤلاء يسرقون أي شيء يأتي في طريقهم، يمكن سرقته.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا لا نهزم الفساد في العالم العربي؟

هذه طبقة أصيلة ومتجذرة في البيروقراطيات والمؤسسات المصرية بمختلف أشكالها؛ في حين كان الكبار يسلبون الثروة، بشكل منظم يفي بأن تظل المنظومة بفسادها وقلة صلاحها، باقية؛ كان هؤلاء، ولا يزال كثير منهم، ينخرون كالسوس من الأسفل، بشكل عشوائي، ومدمر. صدقًا هؤلاء أخطر على كبار الفاسدين، من غيرهم!

(2)

أكثر ما لفت انتباهي في مقاطع الفيديو الأخيرة التي بثها محمد صلاح، والتي أوضح فيها طبيعة "الأزمة" بينه وبين اتحاد الكرة المصري، وحقيقة مطالبه، هي إشارته للملايين التي حصل عليها الاتحاد من صعود المنتخب المصري لمونديال روسيا 2018

أشار صلاح إلى ذلك سريعًا، حين قال إن ما يطالب به، تفاصيل صغيرة من السهل تحقيقها، ولدى الاتحاد المصري الإمكانيات لذلك، خصوصًا بعد أموال المونديال. أغلب الظن أنها إشارة ذكية من صلاح، لو أنه قصدها بهذه الطريقة، كما يبدو أنها ربما تكون أهم ما جاء في فيديو صلاح: هناك نقود، أين تذهب؟!

(3)

يُسيطر على اتحاد الكرة المصري مجموعة أغلبهم من العواجيز، لاعبو كرة اعتزلوا قبل عقود، ولا يوجد في ذلك أي شيء لافت للانتباه. غير أن هناك بعض الملاحظات التي بدأت تتكشف عن بعض مسؤولي الاتحاد، لا ترقى بطبيعة الحال للاتهامات، وليس لي حق اتهام أحد على أية حال. لكنها مع ذلك ملاحظات مهمة لمن أراد رؤيتها بهذا الشكل.

وبعيدًا عن وضع كرة القدم في مصر والأنشطة الخاصة بها من مسابقات ودوريات، وحالها لا يخفى على أحد، ثمة قصص مثيرة للاهتمام تقول لنا بطريقة أو بأخرى، كيف تسيطر فكر "السبوبة" على عقول طبقة من الموظفين كبارًا وصغارًا.

الاتهامات المتبادلة بين أعضاء الاتحاد المصري لكرة القدم، سمة تقليدية، وإن كانت عادة اتهامات خافتة الصوت، لكن مونديال روسيا، وأول بطولة كأس عالم يصعد إليها المنتخب المصري بعد نحو 30 عامًا (بهدف صلاح الحاسم بالمناسبة)، كان بمثابة "سبوبة" مثالية لكل مستفيد. سبوبة صغيرة نسبيًا مقارنة بمليارات الأكابر هنا وهناك، لكنها مناسبة تمامًا لرجال يسعون وراء حفنة دولارات مقابل لقاءات تلفزيونية خاوية على عروشها، رياضية أو كوميدية أو درامية.. يسعون وراء "ورقة خضرا" (راجع فيديو التسريب الجميل لمجدي عبدالغني وميدو وحازم إمام) من ساعة تحليل/ كلام فارغ، في إحدى القنوات الرياضية، أو في حدث شكلي ما، لا يخلو من التفاهة على الأرجح.

يبدو أن صلاح قد قرر مواجهة فساد السبوبة في الكرة المصرية، لذلك واجهته الشلة المستفيدة من هذه المنظومة، بالسفه

القصة المؤسسة، في رأيي، في حكاية السبوبة داخل الاتحاد المصري لكرة القدم، الاتهام الذي وُجّه لمجدي عبدالغني بسرقة قمصان المنتخب المصري! وعليه منع من رئاسة وفد الاتحاد للمونديال. بعدها سرب عبدالغني تصريحًا على لسانه يحمل تهديدًا لهاني أبوريدة، رئيس الاتحاد، بأن لديه أوراقًا ومستندات تدينه!

اقرأ/ي أيضًا: أزمة صلاح والاتحاد المصري من جديد.. والسوشال ميديا: "#صلاح_يأمر"

وفي مشهد شهير بعد خيبة المونديال، وفي مؤتمر للاتحاد المصري، خطف عبدالغني الأضواء بحركاته الهزلية المعتادة، غير أنها هذه المرة كانت جادة، أو أراد أن يوصل رسالة بجديتها، إذ كان يصيح ويصرخ معترضًا على الاتهامات التي وجهت له. وأخذ عبدالغني يردد، ما يردده كثيرًا، عن ثرائه وعدم حاجته وما إلى ذلك من الكلام الذي أخذ في الشارع المصري، منذ القدم، طابعًا بدلالته على عكس ما يبدو منه.

هكذا إذًا -لو صحت رواية القمصان والمستندات طبعًا- يفكر مسؤولو الاتحاد، وعلى هذا يتصارعون، على القمصان، وبضع آلاف، وعقد رعاية من شركة "WE" المصرية للاتصالات،  بالاستغلال للصورة الدعائية لمحمد صلاح على طائرة المنتخب، واعتبار ذلك حقًا للاتحاد على صلاح، أن يحلبوه، لمجرد أنه مصري. ولذلك كانوا غاضبين -بصبيانية مذهلة- من كون وكيل أعماله كولومبي الجنسية!

ملابس لاعبي المنتخب في المونديال كانت سبوبة لطيفة، وطائرة المنتخب، وإقامة المنتخب في العاصمة الشيشانية، غروزني، توفيرًا للمال الذي قدم للمنتخب من الفيفا كبدل إقامة ومعسكرات، وسبوبة الفنانين والإعلاميين، وصور صلاح مع الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف، وغير ذلك من التفاصيل الصغيرة، الحقيرة، التي تكشف عن جو عام من "النتانة" التي تتغذى على الكرة المصرية، ونجومية محمد صلاح. بالطبع، وكعادتنا، لو صحت هذه الادعاءات.

في المقابل يبدو أن صلاح قد قرر مواجهة فساد السبوبة هذا، أو النتانة بتعبير آخر. وهنا بدأ القلق لدى شلة المستفيدين من مثل هذه المنظومة العشوائية في بيتها (اضربها يا ريس بالرقابة الإدارية أرجوك)، فبادروا بالهجوم على صلاح، ثم تطور الخطاب الهجومي إلى التترس خلف ادعاءات دنيئة، مثل أن هذه خطة إخوانية جهنمية لضرب شيء ما. وناهيك عن أن جماعات الإخوان الآن لم يعد بوسعها التخطيط لأي شيء أو ضرب أي شيء، فإنه من غير المعقول أن يخطط أحدهم ويبذل جهدًا لضرب الاتحاد المضروب من داخله أصلًا.

والحق أن محمد صلاح، بمجهوده الفردي تمامًا، والذي لم يكن للاتحاد المصري، أو غيره، أي فضل فيه؛ استطاع أن يبعث الروح ولو جزئيًا في الكرة المصرية، التي كان نماذج محترفيها فيما مضى أمثال مجدي عبدالغني!

(4)

مرة أخرى، أعتقد أن السبابيت الحقيرة، هي أكثر خطورة من السرقات الكبرى، من جهة عشوائيتها، ومن جهة أنها دقيقة ومفصلية، وعلى مستوى مُتجاهل، غير أنه شديد التأثير.

"السبوبة" الحقيرة أكثر خطورة من السرقات الكبرى، من جهة عشوائيتها ومن جهة أنها على مستوى مُتجاهل لكن شديد التأثير

كرة القدم "بيزنس" واستثمار يمكن أن يفيد البلاد والعباد واللاعبين والاتحاد. لكن سبابيب النتانة هذه تنخر في أي أمل لأن تقوم قومة الكرة المصرية. بإمكان الجميع أن يستفيد يا شباب، لكن بالعقل، وبلا نطاعة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الاتحاد المصري لكرة القدم في مونديال 2018.. احتراف الصبيانية والاستخفاف

لماذا يحبون محمد صلاح؟ ولماذا أحبه أنا أيضًا؟