23-فبراير-2016

محمد روّان، صاحب "المندول" الأبيض (يوتيوب)

لقد كان حلمه، حين كان صغيرًا، أن يصبح لاعب كرة محترف، فهو نشأ في حي "بلكور" الشعبي، حي يتنفس كرة القدم، لعب في نادي الحامة ثم التحق بـ"فريق القلب" شباب بلوزداد، لكن الحظ لم يبتسم له في الجزائر، فأخذ حقيبته باحثًا عن تحقيق حلمه خارج الحدود، رحل إلى النرويج أين أمضى عقدًا مع أحد الأندية هناك، وفي تلك البلاد الباردة، اكتشف ولعه بالموسيقى، ولعه بآلة القيثار، فوجد نفسه يعزف للمارين في شوارع أوسلو وفي محطات المترو، إنه محمد روّان، صاحب "المندول" الأبيض، كان يحلم أن يصير فنان الأقدام فأراد له القدر أن يصبح فنان الأنامل، لقد وجد الموسيقى وهو في طريقه للبحث عن شيء آخر.

اقرأ/ي أيضًا: سعاد ماسي.. شعر عربي وارتباك

كان محمد روّان يحلم أن يصير فنان الأقدام فأراد له القدر أن يصبح فنان الأنامل، لقد وجد الموسيقى وهو في طريقه للبحث عن شيء آخر

لم يبق محمد روّان كثيرًا في النرويج، عاد إلى الجزائر لينشئ فرقته "تريانا دالجي"، التي كانت تختص بـ"الفلامنكو"، هذا اللون المتوسطي الذي حاولت الفرقة أن تبصم عليه بلمسة جزائرية، كان ظهور الفرقة مصاحبًا لبداية العشرية السوداء، وتلك الأزمة التي عصفت بكل شيء في البلاد، فغادر محمد روّان إلى فرنسا، هذه المرة، أين استقر هناك فترة من الزمن، عاد مجددًا إلى أرض الوطن وأنشأ فرقة "ميديترانيو"، لقد كانت تواصلًا لفرقته الأولى، وتواصلاً لعشقه لآلة القيثار وشغفه بموسيقى الفلامينكو، موسيقى الحب وغجر العالم.

كل شيء بدأ في حلم، حلم على وقع أذان الفجر في صباح يوم من عام 2002، حيث سمع محمد روّان عزفًا ملائكيًا في حلمه، استيقظ وحاول إعادة تلك المعزوفة بآلة "المندول"، هذه الآلة التي اشتهر بها عميد الأغنية الشعبية الجزائرية "أمحمد العنقى"، تلك المعزوفة كانت منطلق ولوج محمد روّان لصنف موسيقى جديد يناجي الروح ويرحل في أعماق الإحساس البشري، تلك المعزوفة صارت ترفع على أذان الجزائريين قبل وبعد كل رفع لأذان الصلاة في الإذاعة الوطنية.

لقد كانت مغامرة أن يقدم فنان جزائري لونًا غير مألوف، لمستمع تربى على سماع الصوت البشري المرافق للأهازيج والألحان الشعبية، لكن محمد روّان استطاع أن يكسب التحدي ونالت معزوفاته الكثير من الإعجاب والرواج وسط كل فئات المجتمع، لقد قام محمد روّان بإعادة الحياة لآلة "المندول" بطريقته الخاصة، واشتهر بمندوله الأبيض، وأسس للون موسيقي خاص به، بعيدًا عن النظرة الكلاسيكية والنمطية لعازف على هذه الآلة، فهو يمزج بين اللحن الجزائري الأصيل والنغم العربي بتوزيع موسيقي يحمل بين ثناياه روحًا تأملية وتحليقًا في سحر الشرق الممزوج بعبق اللحن الجزائري والبعض من صرامة الجاز والنغم الغربي والتركي وحتى الهندي، لقد استطاع محمد روّان أن يخرج آلة الموندول من أزقة العاصمة وسهرات الغناء الشعبي ليطلق سراحها لتعتنق العالم وتخوض في اكتشاف عوالم أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: فن Slam.. تقدم جريء في تونس

كانت مغامرة من روّان أن يقدم لونًا غير مألوف، لمستمع جزائري تربى على سماع الصوت البشري المرافق للأهازيج والألحان الشعبية

ما يقدمه محمد روّان قريب جدًا من الموسيقى الروحية، فموسيقاه تأخذ المستمع في عوالم خفية وعميقة وتعمل على تصفية الذهن، وتستدعي الكثير من المشاعر والأحاسيس مما جعله حالة فريدة، ينهل من التراث معزوفات نادرة ليعيدها بطريقة خاصة، مستعملًا مؤثرات خاصة مرافقة لعزفه الملائكي على آلة المندول، قدَم محمد روّان أوراق اعتماده للجمهور بألبومه الأول "الحلم"، التقى محمد روّان بالعازف العراقي نصير شمة الذي أعجب كثيرًا باللون الموسيقي الذي يقدمه، ودعاه إلى دار الأوبرا بالقاهرة من أجل أن يقدم دروسًا في العزف على المندول ليكون مصاحبًا للعود. وقد تفاجأ نصير شمة لما علم أن محمد روّان عصامي لم يتلق أي تكوين موسيقي خاص.

واصل محمد حلمه بألبوم آخر حمل عنوان "أشعة الشمس" بعدها واصل في درب الموسيقى الروحية بألبوم ثالث عنونه بـ"سعيد في الحزن" وهو رحلة فيما تحمله النفس من فرح وقرح، ثم أتبعه بإصدار آخر تحت عنوان "لا مكان"، ثم ألبوم "صوت الصمت".

يحمل محمد روّان مندوله الأبيض أينما حل وارتحل، متجولًا في الكثير من دول العالم، سفيرًا للنغم الجزائري والسحر الطربي الأصيل، ففي إحدى حفلاته بفرسوفيا اقتربت منه أستاذة موسيقى بمعهد "فريديريك شوبان"، وقالت له إن "ما يقدمه يمكنه أن يصبح موسيقى عالمية تسمع في كل أقطاب المعمورة"، يواصل صاحب المندول الأبيض حلمه، فالطريق لا تزال طويلة أمام أنغام خارجة من بيت صغير في "القصبة" لتصل أبعد نقطة في هذا العالم، فالموسيقى لا حدود لها، لا لون ولا رائحة ، إنها الإنسانية في كل تجلياتها.


اقرأ/ي أيضًا:

مكادي نحاس.. الثقافة ليست من أولوياتنا

الروك.. في ديوان العرب