27-مايو-2022
محمد بنيس ومجموعته "نهر بين جنازتين"

محمد بنيس ومجموعته "نهر بين جنازتين"

محمد بنيس شاعر مغربي من مواليد مدينة فاس عام 1948. تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس فاس. حصل على إجازة في الأدب العربي من "كلية الآداب ظهر المزار" في عام 1972، ونال شهادة الدبلوم من "جامعة محمد الخامس" في الرباط عام 1978، ودكتوراه دولة في عام 1988. 

ساهم محمد بنيس في تأسيس العديد من المشاريع الثقافية، لعل أبرزها مجلة "الثقافة الجديدة" التي تأسست عام 1974 واستمرت في الصدور حتى 1984، و"دار توبقال للنشر"، و"بيت الشعر المغربي". ويشتهر الشاعر المغربي بالرسالة التي وجهها إلى اليونسكو عام 1998، يطالبهم فيها بإعلان يوم عالمي للشعر، وهو ما تحقق في 21 آذار/ مارس عام 1999. 

أصدر محمد بنيس مجموعته الشعرية الأولى عام 1969 تحت عنوان "ما قبل الكلام". ونشر، منذ ذلك الوقت، العديد من المؤلفات بين شعر ودراسات أكاديمية وأدبية وترجمات. يقول الشاعر الفرنسي برنار نويل في وصف تجربته: "إلى جانب أدونيس ومحمود درويش، أنشأ محمد بنيس عملًا لا يدين به إلا للبحث الصبور عن أصالته الخاصة ليصبح نموذجًا داخل اللغة العربية. وقد أصبح الآن يحمل مستقبلًا هو ما يجعل منه عملًا تأسيسيًا". 

قصيدة "ما بناه الأقدمون" منشورة في مجموعته الشعرية "نهر بين جنازتين"، الصادرة عن "دار توبقال للنشر" عام 2000. 


نهْرٌ

أصَاحِبُ خَطْوَهُ

ثمِلًا

سأبْصرُ ما بنَاهُ الأقْدمونَ لموتِهم

أحْجارُ أعمدةٍ مُشَرَّبةٍ

بأصْفَى زُرقةِ الأْروَاحْ.

 

قبابٌ بيَن أسْوَارٍ

تطوفُ بجَزْعِهَا وعَقَيقِهَا

تتْلُو

عليْكَ

سُلافَةَ الأقْدَاحْ.

 

قِلاعٌ في النّهايَةِ

هَلْ هو الذهبُ الذي لمعَتْ

دوائرُ شكْلهِ

أمْ وحْدَهُ الأشْبَاحْ.

 

مدَارجُ

لَمْ تنَمْ منْ قبلُ

ثمَّةَ شاعِرٌ

يدْنُو

ويصْعَدُ رافعًا يدَهُ

التي ظلّتْ تُضيءُ

بياضُها مصْبَاحْ.

 

معابِدُ

كلّما أحْصَيْتُ بضْعَ فَراسخٍ

عَادتْ لتنْشأَ

حيثُ يكتملُ العرَاءُ

وحيثُ

تسْمعُ جوقةً

تصطفُّ في غُرفٍ منَ الياقُوتِ

يكْسُو

صوْتَها ليلٌ منَ الأمْدَاحْ.

 

تلكَ الهياكلُ مُظلِمَاتْ

تلكَ الهياكلُ ما سأُبصِرُهُ

بيْنَ الأنا والهُوَ

تحْضُر أنْتَ

نُقطَتُكَ التي فاضَتْ مِنَ النّر القديمِ

وقد سَكنتُ إليْكِ

هَلْ

مَاضٍ مضَى

أمْ أنَ وارِدَك الّذي يأْتي

سيحْفِرُ صوْتَه

ودُخانَهُ

فاخْتَرْ لهذا الآنَ

نُقْطتَك الّتي نزَلَتْ علَيْكْ.

 

هيأتُ للعينين مركَبةً من الكَلِماتْ

ونفخْتُ في طُرقي

اتْبعي نهْرِي

مَدَاكِ.

 

يصونُ أبْعدَ ما رأيْتُ

مصائرُ ضِفّتيكِ تضجُّ صلْصةً

شراعُكَ لن يكونَ سِواكْ

ودفّتُكَ انشقاقاتٌ

تكاثَر حدُّهَا

أبدًا

يغورُ العمقُ

نهرٌ 

يرتمي

بين

اختفاء

مسالك

النّهرين

كيفَ تقولُ للأفُقِ الذي أبصَرتَ

أنتَ أنا

وتحْتَ الأفُقِ أُفقٌ 

هادرٌ

يسعى

مُرَادُكَ

أنْ يُعيدَ الضّوءُ

أبعَدَ

ما تراهُ

إلى يديْكْ.