09-أغسطس-2018

تشهد قضية بوعشرين الكثير من التناقضات التي تنفي المزاعم ضده (فيسبوك)

ألترا صوت - فريق التحرير

ستة أشهر من الاعتقال أعقبتها إدانات حقوقية واسعة، وحملات للإفراج عن الصحفي المغربي الذي لا يزال معتقلًا، توفيق بوعشرين، مدير صحيفة أخبار اليوم المغربية. 

صرح بنكيران عن اعتقال الصحفي المغربي بوعشرين، قائلًا إن اعتقاله "بسبب الافتتاحيات وليس الفتيات"، لينفي بذلك الاتهامات الموجهة له

ففي 23 شباط/فبراير الماضي، اقتحمت قوة أمنية مقر الصحيفة التي يديرها توفيق بوعشرين، واعتقله على الفور، دون أن يكون بوعشرين نفسه على دراية بسبب اعتقاله، فضلًا عن الرأي العام. ليعقب المداهمة والاعتقال إدانات واسعة مما اعتُبر خطرًا آخر يُحيق بحرية الرأي والتعبير في البلاد، خاصة أن لتوفيق بوعشرين آراء سياسية ناقدة للسلطة. لكن ما لبست السلطات أن وجهت لبوعشرين اتهامات اعتبرها المعارضون لاعتقاله عجيبة، وهي الاتجار بالبشر والاغتصاب!

اقرأ/ي أيضًا: اعتقال توفيق بوعشرين يزيد مخاوف "الانتقام" من حرية الصحافة في المغرب

وبطبيعة الحال أثارت الاتهامات الموجهة لتوفيق بوعشرين جدلًا واسعًا لم تحسمه التحقيقات، غير أن رئيس الوزراء المغربي السابق، عبد الإله بنكيران، خرج مؤخرًا بتصريح قلب موازين اللعبة إن صح التعبير، وقوى موقف المعارضين لاعتقال توفيق بوعشرين، حيث قال: "اعتقال بوعشرين بسبب الافتتاحيات (يقصد كتابات بوعشرين) وليس الفتيات"، موضحًا: "أما الفتيات فلسن هنا إلا مجرد مبرر لتسويغ هذا الاعتقال". 

ووفقًا لما نقله الصحفي المغربي القريب من بنكيران، مصطفى الفن، في موقع "آذار"، فإن تصريحات بنكيران تعد أبرز التطورات على القضية التي يعتبرها البعض مساسًا مباشر بحرية الرأي والتعبير. 

لذا فإن تصريحات بنكيران قد تكون فارقة في مسار قضية توفيق بوعشرين، خاصة وأنها من سياسي مخضرم كان رئيسًا لوزراء البلاد في لحظة فارقة، كما أنه لم يسلم من انتقادات توفيق بوعشرين له حين كان مسؤولًا.

نفى بنكيران الاتهامات الموجهة للصحفي المغربي بوعشرين، معتبرًا أن اعتقاله تعسفيًا
نفى بنكيران الاتهامات الموجهة للصحفي المغربي بوعشرين، معتبرًا أن اعتقاله تعسفيًا

وبُعيد اعتقاله على إثر مداهمة مقر صحيفة أخبار اليوم التي يديرها، قُدّم توفيق بوعشرين للمحاكمة بتهمة ارتكابه جرائم جنسية بحق ثمانية ضحايا، إذ تقول الاتهامات إنه سجّل لضحايا 50 شريطًا. غير أنه لم يُحكم عليه نهائيًا حتى الآن، إذ تأجلت جلسات المحاكمة إلى أيلول/سبتمبر في انتظار رأي الخبراء التقنيين الذين من المفترض أن يقدموا تقريرًا حول مقاطع الفيديو ليثبتوا صحتها من عدمها.

مسطرة قضائية مشوهة

وفي سياق خضوع الصحفي المغربي توفيق بوعشرين، للمحاكمة أمام القضاء المغربي، فإنه لا يُعول كثيرًا في المغرب على استقلال القضاء، ففي السنوات الأخيرة، ووفقًا لبعض الإحصاءات الدولية، تراجع أداء سيادة القانون في البلاد، كما كشف مؤشر "سيادة القانون" الصادر عن مشروع العدالة العالمي. حيث جاء المغرب في المرتبة 67 من أصل 113 دولة، مسجلًا تراجعًا بسبع درجات مقارنة بالعام الماضي.

كما أن وقائع قضية توفيق بوعشرين منذ القبض عليه، تثير الشبهات حولها، ما دفع البعض إلى اعتبارها تشهيرًا بالرجل وبمثابة محاكمة سياسية، وأن الاتهامات الجنائية ليست إلا مسوغًا على حد تعبير بنكيران.

كما رأى البعض أن النيابة العامة المغربية ساهمت في تصعيد القضية إعلاميًا، وكأنها محاولة لتحويلها قضية رأي عام، بعيدًا عن القانون، بغرض انتقامي من توفيق بوعشرين. وتظهر بعض ما يمكن اعتبارها دلائل في هذا السياق، كتعنت النيابة العامة ضد محامي توفيق بوعشرين، وتحركها دعاوى قضائية ضدهم.

كما أنه على مدار جلسات المحاكمة، تكررت شكوى الفريق الدفاعي عن توفيق بوعشرين، من صحة الإجراءات القضائية. حتى أن هيئة الدفاع عن بوعشرين انسحبت جماعيًا من جلسة الثامن من حزيران/يونيو، احتجاجًا على ما عتبرته "اختلالات وتجاوزات" في سير المحاكمة.

ومن بين المنسحبين وهو أبرز المدافعين عن توفيق بوعشرين، رئيس جمعية هيئة المحامين العرب، والنقيب السابق لجمعية هيئة المحامين بالمغرب، المحامي عبداللطيف بوعشرين، والذي أصدر بيانًا يفند فيه أسباب الانسحاب، وأبرزها: "وضع أشخاص تحت الحراسة النظرية، ووضع اليد على سيدات في ظروف غير عادية، واقتياد مصرحات بالقوة إلى قاعة المحكمة"!

لا يُعوّل كثيرًا على استقلالية القضاء المغربي في قضية بوعشرين أو غيرها، وقد سجل المغرب تراجعًا بـ7 درجات في مؤشر سيادة القانون

وبحسب وزير حقوق الإنسان الأسبق، محمد زيان، محامي توفيق بوعشرين، فإن هيئة الدفاع تقدمت بطلب مخاصمة ضد القضاة بسبب "عدم احترامهم القانون الذي يلزم القاضي الاستقلالية" على حد تعبير زيان، مضيفًا خلال إحدى جلسات المحاكمة: "هيئة المحكمة التي تباشر القضية رفضت البت في طلبين بالزور العارض"، مشيرًا إلى أن "الدفاع يتعرض إلى تهديدات مستمرة، وضغوطات كبيرة".

اقرأ/ي أيضًا: في المغرب.. قصص عن بطش بعض رجال السلطة

انتقاد القضاء وسير المحاكمة في قضية توفيق بوعشرين، تجاوزت المحامين المغربيين إلى محامٍ بريطاني هو "رودني ديكسون"، والذي حضر بعض جلسات المحاكم كطرف مراقب، إذ قال بوضوح: "إن المحاكمة مطعون فيها". وأضاف في تصريحات صحفية: "وفقًا للتحقيقات والوثائق، فلا يوجد أي دليل قوي ضد بوعشرين"، مشيرًا إلى أن إجبار الصحفية أمال الهواري على أن تكون شاكية، هو وحده أمر كافٍ للطعن في ملف القضية برمته.

ووجه ديكسون رسالة مستعجلة إلى مجموعة العمل التابعة لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والمكلفة بالاعتقال التعسفي، للضغط على الحكومة المغربية للإفراج عن توفيق بوعشرين.

تناقضات القضاء والمحاكمة

القراءة  الأولية لأوراق القضية وتصريحات المحامين تكتشف قدر كبير من التناقضات التي تهدم القضية، وتنفي المزاعم المساقة ضد توفيق بوعشرين. فإلى جانب الضغوطات الكبيرة والتهديدات المستمرة التي تحدث عنها المحامون، فإن التناقضات في ملفات القضية متعددة، من بينها مقاطع الفيديو التي تعد الركن الأساسي في الاتهامات الموجهة لتوفيق بوعشرين.

فبحسب الاتهامات فإن توفيق بوعشرين سجّل مقاطع الفيديو التي تدينه، أو هكذا يفترض، عن طريق كاميرا خفية داخل مكتبه، طوال الفترة ما بين 2012 و2017. وعندما عرضت المحكمة مقاطع الفيديو التي يفترض أنها تدين توفيق بوعشرين، عرضتها دون الترتيب الزمني الوارد في التحقيقات، فضلًا عن تسجيل ملاحظة هامة، لفت إليها المحامون، وهي ظهور توفيق بوعشرين بنفس الملابس الداخلية والخارجية خلال مقاطع الفيديو التي تمتد لفترة خمس سنوات! 

وصحة الفيديوهات أصلًا، كان مثار جدل بين هيئة الدفاع والمحكمة والنيابة العامة. ففي بداية جلسات المحاكمة، تقدمت هيئة الدفاع بطلب طعن الزور العارض في مقاطع الفيديو، في محاولة لإرسال الفيديوهات لخبراء تقنيين للبحث في صحتها. لكن المحكمة رفضت، ولم ترد على الاستئناف المقدم في نفس الطلب.

تشوب أوراق قضية بوعشرين الكثير من التناقضات التي تهدم القضية وتنفي الاتهامات الموجهة له
تشوب أوراق قضية بوعشرين الكثير من التناقضات التي تهدم القضية وتنفي الاتهامات الموجهة له

غير أن المفاجئ هو أنه عندما تقدمت النيابة لطلب لفحص الفيديوهات بعد شهرين من طلب المحاميين، وافقت المحكمة، رغم أنها كانت تعارض نفس الطلب من قبل. والمثير للأمر كذلك أن تطلب النيابة الآن هذا الطلب، وكان من المفترض أن يحدث قبل أن تحول القضية للمحكمة.

وفي مرافعة مكتوبه للصحفي قُدمت للمحكمة، فند بعض النقاط غير المنطقية في القضية، وكان أبرزها عدد ساعات تفريغ الأشرطة، والتي انتهت خلال 12 ساعة فقط، من الساعة الثامنة من مساء 23 شباط/فبراير 2018 وحتى الساعة الثامنة صباح 24 شباط/فبراير، بالرغم من أن عدد الساعات التي فرغت وصلت لنحو 15 ساعة، وهو أمر غير منطقي! لكن توفيق بوعشرين اعتبره منطقيًا -ساخرًا- لأن الشرطة تعرف مضامين الفيديوهات من قبل اعتقاله!

كما أن شهادات الشاكيات اللواتي جيء بهن للشهادة ضد توفيق بوعشرين، حملت قدرًا كبيرًا من التناقض. على سبيل المثال، بعض الشاكيات ذوات مستوى تعليمي متوسط أو أقل من المتوسط، ومع ذلك ورد في أقوالهن أمام الشرطة مصطلحات تُستخدم في دوائر متخصصة جدًا مثل "الهشاشة" و"افتقاد الإرادة" و"استعمال السلطة والنفوذ". وفضلًا عن ذلك، فإن ثمة شاكيات رفضن استكمال الأمر، بل إن بعضهن أكدن أن شهادتهن زُوّرت، ومن بين هؤلاء الصحفية أمل الهواري التي أرغمتها المحكمة على التواجد بالقوة رغم رفضها وتأكيدها أنها لم تقدم شكاية في توفيق بوعشرين. وقد أصدر وكيل الملك أو النائب العام، قرارً باعتقالها، لترهيب كل صاحبة شهادة تفكر بان تتراجع عن الافتراء بحق توفيق بوعشرين. 

القراءة  الأولية لأوراق القضية وتصريحات المحامين تكتشف قدر كبير من التناقضات التي تهدم القضية، وتنفي المزاعم المساقة ضد توفيق بوعشرين

وهنالك أيضًا عفاف برناني، والتي ذكر اسمها كأحد الشاكيات ضد توفيق بوعشرين. وقد كشفت تصريحاتها عن أن الشرطة استدعتها بعد اعتقال بوعشرين بيوم وحاولت أن تحصل منها على اتهام ضد الصحفي بالاغتصاب أو التحرش، ولكنها رفضت، فظلت تحقق الشرطة معها لنحو ثماني ساعات تحت ضغط شديد، حتى أنها بالت في سروالها، واضطرت للتوقيع على الأوراق دون قراءة لمضمونها. ولكن بعد ذلك اتضح أن هناك تحريف لشهادتها. وتقدمت بنفسها بطلب للتحقيق مع الضابط الذي كان يحقق معها. فما كان من السلطات إلا أن حكمت عليها ابتدائيًا بالسجن ستة أشهر نافذة وغرامة مالية قدرها ألف درهم! 

 

اقرأ/ي أيضًا:

الحكم على صحفي مغرب بالسجن والغرامة.. محنة الحقوق والحريات تتفاقم

الصحافة المغربية تستقبل 2018 بتتبع صحفيين وفق القانون الجنائي!