أخيرًا، أبدى ترامب بعض التواضع، معترفًا بأن الأمور أكثر تعقيدًا مما كان يتصوره قبل فوزه في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. فحين سُئل عن وعده المتكرر خلال الحملة الانتخابية بإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية خلال 24 ساعة من توليه الرئاسة، أوضح أنه كان يقصد امتلاك الرغبة والإرادة لتحقيق ذلك، مجددًا تعهده بإنهاء الحرب.
ويعقد ترامب آمالًا كبيرة على محادثته المرتقبة غدًا الثلاثاء مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، للوفاء بالوعد الذي قطعه للأميركيين والعالم. لكنه سيواجه هذه المرة عقبة الضمانات التي تطالب بها موسكو مقابل الموافقة على أي وقفٍ مؤقت لإطلاق النار، إذ يبدو أن روسيا لا ترى فرقًا كبيرًا بين وقف مؤقت ووقف نهائي للحرب، خصوصًا أنها رفضت سابقًا مقترحات هدنة، وعززت موقفها التفاوضي بتحقيق مكاسب ميدانية مؤخرًا.
إلى جانب ذلك، يفرض الوضع الميداني مزيدًا من التعقيد، لا سيما في كورسك، التي تسعى موسكو لاستعادتها بأي وسيلة قبل الدخول في أي اتفاق لوقف إطلاق النار، بينما تبذل القوات الأوكرانية في المنطقة جهودًا مكثفة للحفاظ على هذه الورقة التفاوضية المهمة.
ترامب: قضية الأراضي ومحطات الطاقة كانت محور المحادثات بشأن الاتفاق الذي نقترب من رؤيته
محادثة ترامب وبوتين المنتظرة وتحدي الضمانات الروسية:
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال عودته من عطلة نهاية الأسبوع التي قضاها في منتجعه بفلوريدا، أنه سيجري محادثة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين غدًا الثلاثاء، مشيرًا إلى أن "الكثير من العمل أُنجز خلال عطلة نهاية الأسبوع".
وأضاف أن "مسائل عديدة نوقشت بين الطرفين الأوكراني والروسي"، مؤكدًا أن "قضية الأراضي ومحطات الطاقة كانت محور المحادثات المتعلقة بالاتفاق الذي نقترب من رؤيته"، ملمحًا إلى إمكانية "تقاسم أراضٍ ومحطات طاقة"، دون تقديم تفاصيل إضافية حول هذا الأمر. واختتم ترامب تصريحاته بالقول: "نريد أن نرى إن كان بإمكاننا إنهاء هذه الحرب. ربما نستطيع، وربما لا، لكنني أعتقد أن لدينا فرصة جيدة جدًّا".
وفي السياق ذاته، عاد المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف أمس الأحد من موسكو، واصفًا المحادثات التي أجراها مع المسؤولين الروس بـ"الإيجابية".
من جانبها، أكدت موسكو على لسان عدد من كبار المسؤولين، بدءًا بالرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف، وصولًا إلى نائب وزير الخارجية ألكسندر غروشكو، أن أي اتفاق لوقف إطلاق النار في الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات يجب أن يكون مشروطًا بـ"ضمانات حاسمة".
وأبرز هذه الضمانات، وفق الموقف الروسي، هو التزام أوكرانيا بالحياد ورفض انضمامها لحلف شمال الأطلسي (الناتو). أما الضمان الثاني، فيتعلق برفض نشر أي قوات حفظ سلام تابعة للناتو في أوكرانيا، تحت أي مسمى أو غطاء.
وفي المقابل، أبدت بريطانيا وفرنسا وأستراليا استعدادها للمشاركة في بعثة لحفظ السلام، على أن يقتصر دورها على مراقبة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار. إلا أن موسكو ترى في نشر أي قوات غربية داخل أوكرانيا خطوة تعني "نشرها في منطقة صراع، مع ما يترتب على ذلك من عواقب"، وفق تصريح أدلى به نائب وزير الخارجية الروسي غروشكو في مقابلة مع صحيفة "أزفيستيا" الروسية أمس الأحد.
أما فيما يخص نشر مراقبين غير مسلحين، فقد اعتبرت موسكو أن مناقشة هذه المسألة "سابق لأوانه"، لكنها أبدت انفتاحًا على نشر قوات حفظ سلام من خارج أوروبا والدول الغربية عمومًا. وعلى النقيض من ذلك، شددت على أن نشر قوات من الناتو يعد "خطًا أحمر"، حيث اعتبر الرئيس الروسي السابق ديمتري مدفيديف أن مثل هذه الخطوة ستكون بمثابة "إعلان حرب".
وفي أول تعليق أوروبي على الشروط الروسية، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الأحد، إن "قرار نشر قوات لحفظ السلام في أوكرانيا يجب أن يكون بيد الأوكرانيين، وليس أمرًا يقرره الروس".
التطورات الميدانية:
بالتزامن مع تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" حول انسحاب القوات الأوكرانية من معظم منطقة كورسك الروسية، أقدم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمس الأحد، على إقالة رئيس أركان القوات المسلحة أناتولي بارغيليفيتش، وعيّن بدلًا منه أندرييه غناتوف.
وبحسب مرسوم رئاسي، فإن غناتوف كُلّف بزيادة "فعالية الإدارة العمودية للقوات، وإعادة تنظيم وحدات الجيش، وتنفيذ قرارات القائد الأعلى للقوات المسلحة، الرئيس فولوديمير زيلينسكي"، في إشارة إلى وجود خلافات بين بعض القيادات العسكرية وتوجيهات زيلينسكي التي قضت بعدم الانسحاب من كورسك.
وفي تصعيد جديد، أعلنت روسيا، صباح اليوم الإثنين، أنها تصدت لهجوم أوكراني نفذته عشرات الطائرات المسيرة فوق كورسك، فيما استيقظت العاصمة الأوكرانية كييف على ضربات جوية روسية، وفق ما أكده رئيس بلدية كييف، فيتالي كليتشكو.
وفي حال نجحت القوات الروسية في ترسيخ سيطرتها على كورسك، فإن ذلك سيحرم كييف من ورقة تفاوضية مهمة، وهو ما يفسر جزئيًا الشروط الصارمة التي وضعتها موسكو على طاولة المفاوضات، باعتبارها ضمانات لا بد من تحقيقها قبل الموافقة على مقترح الهدنة الأميركية لمدة 30 يومًا.