17-أبريل-2019

سعد هادي وكتابه (ألترا صوت)

تحت عنوان "سواد" صدرت حديثًا عن "دار نينوى" مجموعة قصصية جديدة للكاتب العراقيّ سعد هادي. تُضاف المجموعة إلى 6 أعمالٍ أدبية سابقة في رصيد الكاتب والفنّان التشكيلي المقيم في فنلندا وهي: "طبيعة صامتة"، و"الأسلاف في مكانٍ ما" في القصّة القصيرة. و"ليلى والقرد" و"تجريد شرقي" و"عصافير المومس العرجاء" و"سلاطين الرماد" في الرواية.

ما نراه ونحسّه ونلمسه، هو أيضًا ما نحلم به أو نريد الوصول إليه، واستشراف حقيقة وجوده

ضمّت المجموعة الجديدة ثماني قصص، يصفها سعد هادي بأنّها ليست واقعية تمامًا بالمعنى المفهوم لكلمتي واقع وواقعي. وليست كذلك، في الوقت نفسه، تهويمات في عوالم مجرّدة. ببساطة، يعوّل الكاتب العراقيّ على القارئ في اكتشاف أنّ قصص المجموعة تركّز على حقيقة أنّنا نعيش في واقعٍ متعدّد المستويات والاحتمالات، ذلك أنّ ما نراه ونحسّه ونلمسه، هو أيضًا، بطريقةٍ أو بأخرى، ما نحلم به أو نريد الوصول إليه، واستشراف حقيقة وجوده.

اقرأ/ي أيضًا: يوسف بشير في "حين حدث ما لم يحدث": الخلاص بالسخرية والخيال

يُضيف سعد هادي في حديثه لـ "ألترا صوت" قائلًا: "يحدث ذلك لنا في كلّ لحظة، كما يحدث للآخرين في دوامة لا تنتهي من الأفكار والرؤى والأحاسيس والشطحات والتهيؤات والأخيلة والأحلام. ثمّ، من بعد ذلك، نُحاول عن طريق الكتابة مراجعة وتجسيد نماذج أيقونية لكلّ ذلك أو لبعضه، قبل أن يتلاشى في تيّار الزمن ولن نستطيع استعادته. هذا بالضبط ما حاولت تنفيذه باختصار في "سواد" من خلال نصوص قصيرة ليست متشابهة تمامًا، ولكنّها تبدأ من الإشكاليات ذاتها، وتنمو بحذرٍ في حقول شاسعة من الغرائب والإثارات والالتباسات. في النهاية، تنتهي إلى أسئلةٍ افتراضية، مثل: هل حدث ذلك فعلًا؟ أو هل يمكن أن يحدث؟ متى؟ أين؟ لماذا؟ وما إلى ذلك".

من المعروف أنّ القصّة القصيرة العراقية تنشغل اليوم بسرد واقع العراق الدموي ما بعد الاجتياح الأمريكيّ للعراق. أو تعود في بعض الأحيان إلى ما قبل هذا التاريخ، فتحكي للقرّاء عن واقع العراقيين في ظلّ دكتاتورية نظام البعث، وسنوات القمع والحصار. نسأل ضيفنا سعد هادي في أي الزمانين تقع مجموعته القصصية بالضبط؟ يُجيب: "لا أعرف تمامًا أين هو موقع قصصي من إنجازات القصّة العراقية الراهنة، بتعدّد انشغالاتها وتحوّلاتها وتنوّع مصادر بحثها، خصوصًا في خضم واقع حافلٍ بالتناقضات والمشاكل وصور الموت والدمار والعنف ومجمل ما جرى من متغيّرات سريعة بعد سنة 2003. ناهيك عمّا ورثه المجتمع العراقيّ من مشاكل وإشكاليات إثنية ومذهبية ودينية من عهودٍ سابقة أيضًا. وبالتالي، كان على النصوص والمدونات الأدبية العراقية، بمختلف كتّابها وتعدّد مستويات كلّ واحدٍ منهم ثقافيًا، ودرجات وعيهم كذلك؛ أن تستجيب لكلّ المتغيّرات، وأن تبتكر أيضًا أساليب مختلفة للتعبير عنها، ومقاربتها والنظر إليها، والكشف عن سماتها الخفية، وتحديد عناصرها وخواصها الظاهرة".

مجموعة "سواد" هي الثالثة في رصيد سعد هادي كما ذكرنا سابقًا. مجموعتان قصصيتان صدرتا سنة 1990 و2004 سبقتا "سواد". ماذا عن الاختلاف بين القديم والجديد؟ وما الجديد أيضًا في مجموعته هذه؟ "البساطة والوضوح في الكتابة، والاقتصاد اللغوي الشديد أيضًا". يقول ضيفنا ثمّ يكمل: "قد تكون ثيمات قصصي غريبة وغير مألوفة، وتتنقل شخصياتها بلا قيود ولا عقبات بين واقعين لا نعرف أين يبدأ كل منهما وأين ينتهي: الواقع المُعاش والواقع الافتراضي. ولكنّ نصوصي ليست غامضة بحدّ ذاتها، ولا تُحاول خداع القارئ. وما يهمني دائمًا، وما أعمل عليه كذلك، هو أن يصل القارئ، أي قارئ كان، بيسر وسلاسة الى ما أريد أو أقصد. لذلك، أركّز على بناء المشهد الذي تجري فيه الأحداث بوضوح، كما أركز على وضوح حركة الأشخاص داخله. وفي كلّ الأحوال، من الصعب أن أحدّد ما الجديد وما القديم فيما أكتب، فأنا كاتب مقل، وأسعى دائمًا إلى تقديم أفضل ما لدي. قد أنجح أحيانًا في توضيح مقاصدي وكثيراً ما أخفق".

السواد الذي قصدته مجموعة سعد هادي هو الذي رسمت به أعظم وأعمق وأعقد صور الحياة مقابل البياض

اقرأ/ي أيضًا: حميد العقابي.. رحيل الهدهد الثالث

في نهاية حديثنا، نسأل ضيفنا عن سبب اختياره لـ "سواد" عنوانًا لمجموعته؟ ماذا هنالك خلف هذا العنوان؟ "هذه الكلمة، أي سواد، تعبّر عن تجربتي في هذا الكتاب الصغير. وهي ليست عنوانًا يرمز إلى التشاؤم وفقدان الأمل، برغم إيحائه بذلك، وإنّما هو عتبة أولى إلى ما حاولت رسمه بألوانٍ مختلفة، أدّى اختلاطها الحتمي، بكلّ تناقضاته وتدرّجاته، إلى السواد. هذا السواد لم يكن ولن يكون سوادًا ظاهرًا تصطبغ به سطوح الأشكال والأحداث والأنفس، بل هو السواد الذي رسمت به أعظم وأعمق وأعقد صور الحياة مقابل البياض، العنصر الآخر في الثنائية الأزلية التي تلخّص كلّ الظاهر في الكون، وتتفرّع منها المفاهيم والتصوّرات والمعاني. البياض، على أي حال، هو ما أتمنى أن يكون عنوانًا لفصلٍ قادمٍ لمحاولاتي في الكتابة والتخيّل. فصل أتمنى إنجازه بسرعة، وبما يوازي ما أنجزته في سواد".

 

اقرأ/ي أيضًا:

"سقوط حرّ" لعبير اسبر.. صراع على الموتى والقبور

مجرد رجل يقف أمام قبر