22-أبريل-2023
Getty

(Getty) يقوم عناصر تنظيم "داعش" بنهب الماشية من المجتمعات المحلية، التي تعتبر مصدرًا رئيسيًا لتمويل التنظيم

تعيش منطقة الساحل الأفريقي توسعًا كبيرًا لنشاطات الجماعات الجهادية المرتبطة بـ"داعش"، التي استغلت ضعف جيوش دول الساحل، والانقلابات العسكرية، وسوء الإدارة، وانعدام الثقة في مؤسسات الدولة، بالإضافة لانتشار البطالة في صفوف سكان المنطقة. وخلال الفترة الأخيرة شهدت المنطقة عمليات قتل واسعة قامت بها تلك المجموعات المرتبطة بداعش، إثر هجمات استهدفت سكان القرى النائية البعيدة عن مراكز المدن.

تعيش منطقة الساحل الأفريقي توسعًا كبيرًا لنشاطات الجماعات الجهادية المرتبطة بـ"داعش"

داعش في شمال شرق مالي

بعد انسحاب القوات الفرنسية من مالي، استغلت المجموعات المرتبطة بـ"داعش" هذا الفراغ وكثفت من هجماتها على قرى شمال شرق مالي، المنطقة الوحيدة التي بقيت خارج نطاق تواجده. وتمكنت من السيطرة على قرية تيديرمين الواقعة على بعد حوالي 75 كلم شمال مدينة ميناكا، ويأتي سقوط البلدة بعد أشهر من القتال الذي شنه تنظيم "داعش" في الصحراء الكبرى للسيطرة على قرية في الشمال الشرقي يسكنها بضعة آلاف من السكان.

وشهدت المنطقة معارك مع "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بتنظيم القاعدة، وكذلك مجموعات محلية من الطوارق الذين وقعوا اتفاق السلم والمصالحة في عام 2015، بالإضافة للقوات الحكومية المالية، وبقيت عاصمة الإقليم ميناكا، المنطقة الوحيدة الخارجية عن سيطرة التنظيم.

 

أصوات من تحت الركام

ويتحدث أحد سكان المنطقة لوكالة الصحافة الفرنسية "فرانس برس" عن الرعب الذي يعيشه سكان المنطقة، قائلًا: "السكان يعانون من صدمة نفسية. لا يمكننا مغادرة ميناكا. الطريق إلى غاو مغلق". 

وقتل مئات المدنيين في أعمال العنف، وهرب السكان بشكل جماعي، بعضهم عبر الحدود إلى النيجر، حيث تتهم "داعش" سكان المنطقة بمساعدة الحكومة أو رفض الانضمام إلى صفوفهم.

عمليات النهب مصدر دخل للتنظيم

يعتبر مثلث الحدود بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، منطقة صحراوية شاسعة ونائية، مما مكن "داعش" التي عززت من مواقعها في شمال شرق مالي، من التوسع إلى النيجر وبوركينا فاسو.

وتعد منطقة ميناكا هدفًا استراتيجيًا  لتنظيم داعش في مالي ومنطقة الساحل، حيث تكررت هجماته  خلال الأشهر الأخيرة، ونجح في السيطرة على البلدات الصغيرة حول مدينة ميناكا.

ويقوم عناصر التنظيم بنصب الحواجز على بعد 15 كلم من عاصمة الإقليم، ويفرضون ضريبة مرور على شركات النقل التي تربط ميناكا بالنيجر أو غاو، بحسب ما أفاد به مسؤول أممي لوكالة "فرانس برس" في المدينة.

Getty

قناع جهادي فوق الصراعات القبلية

ويقوم عناصر تنظيم "داعش" بنهب الماشية من المجتمعات المحلية، التي تعتبر مصدرًا رئيسيًا لتمويل التنظيم، حيث تجند داعش بشكل أساسي الرعاة الرحل المهددين بتوسع المحاصيل الزراعية في منطقة أهملتها الدولة. وأدى ظهور أعمال قطع الطرق عبر الحدود إلى إغراق المجتمعات الرعوية في المنطقة في دائرة من العنف. 

وفي عام 2018، تحول القتال بين داعش، التي تعهدت بحماية بعض مجموعات قبيلة فولاني المهمشة من جهة، والجماعات المسلحة المحلية التي تضم أفرادًا من قبيلة الداوساهاك، وهي قبيلة من الرعاة الطوارق، إلى مجازر بحق المدنيين من كلا الطرفين.

وأصدر تنظيم "داعش" فتوى في آذار/ مارس 2022 تبيح العنف ونهب ممتلكات قبيلة الداوساهاك. وبحسب تقرير لـ"هيومن رايتس ووتش"، نفذت "الجماعات الإسلامية المسلحة في شمال شرق مالي هجمات مرعبة ومنسقة على ما يبدو على القرى، وذبحت مدنيين ونهبت منازل ودمرت ممتلكات"، وقالت المجموعة الحقوقية إن "هذه الهجمات استهدفت إلى حد كبير مجموعة الداوساهاك العرقية".

وتفيد الأمم المتحدة بأن أكثر من 30 ألف نازح انتقلوا إلى مدينة ميناكا خلال العام الماضي. وأفاد مسؤول عسكري مالي لوكالة "فرانس برس"، بأن "التنظيم يشرع نهب مجتمعات المتمردين، وحشد المقاتلين من جميع أنحاء المنطقة الذين تجذبهم المكاسب، ومن ثم شن هجمات واسعة واكتساح العدو". وبعد احتلال القرى، يُجبر "داعش" السكان على الخضوع لحكم الشريعة ودفع الأموال مقابل الحصول على الحماية.

المجتمعات المهمشة خزان التنظيم 

وينشط التنظيم في صفوف المجتمعات المهمشة في الصحراء الكبرى، واستفاد من السخط السائد ضد الحكومة المركزية التي يرى كثيرون أنها فشلت في الإيفاء بالتعهدات الأمنية والاجتماعية التي قطعتها على نفسها، وهو ما يؤكده اللواء أبو تاركة، رئيس الهيئة العليا لتوطيد السلام في النيجر. 

من جهته، يقول وزير دفاع النيجر سابقًا كالا موتاري، يجد "هذا النموذج الانتهازي مجندين داخل المجتمعات المهمشة"، إذ "أن الجهاديين يتبنون خطابًا يلقى آذانًا صاغية"، وأضاف "إنّهم يجندون ويعززون مواقعهم وينتشرون تدريجيًا".

وبحسب المحلل في معهد المؤسسات الأمريكي ليام كار، فإن "تنظيم داعش في الصحراء الكبرى سيستخدم منطقة ميناكا كقاعدة دعم لتكثيف عملياته في منطقة الحدود الثلاثية"، وأضاف "تنظيم داعش في الصحراء الكبرى يتمدد غربًا في مناطق شمال مالي وشمال شرق بوركينا فاسو، منذ أن خسرها في مواجهات مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين عام 2020".

ويهدد هذا التمدد منطقة وسط النيجر، وهي عبارة عن ممر عرضه 200 كلم بين مالي ونيجيريا، حيث نشط مجموعات قطاع طرق، ومجموعات تهريب الأسلحة على مدى عقود.

بحسب المحلل في معهد المؤسسات الأمريكي ليام كار، فإن "تنظيم داعش في الصحراء الكبرى سيستخدم منطقة ميناكا كقاعدة دعم لتكثيف عملياته في منطقة الحدود الثلاثية"

وفي تقرير صدر عام 2021، أشارت مجموعة الأزمات الدولية إلى الخطر المتزايد لتحول قطاع الطرق إلى العمل الجهادي، وحذرت المجموعة من أن تعزيز هذه العلاقة عبر المجموعات الإجرامية النافذة عبر الحدود، إلى الربط بين تنظيم داعش في الصحراء الكبرى، وتنظيم داعش في غرب أفريقيا الذي ينشط في شمال شرق نيجيريا.