مجلس الشيوخ المصري.. إخراج على طريقة الحزب الوطني المنحل

ساعات قليلة تفصل المصريين عن انتخابات مجلس الشيوخ المزمع إجراءها للمقيمين في الخارج يومي 1 و 2 آب/أغسطس، بينما تُجرى في الداخل يومي 4 و5 من الشهر ذاته، فيما تُعلن النتائج الرسمية في 12 من الشهر، على أن تُعلَن النتائج النهائية، بعد تقديم الطعون والبت فيها، وتُنشر في الجريدة الرسمية يوم 4 أيلول/سبتمبر المقبل.

وكانت الهيئة الوطنية للانتخابات، قد أعلنت في وقت سابق القوائم النهائية لمرشحي الانتخابات، المقسمة إلى ثلاثة أقسام، 100 مقعد لنظام القوائم المغلقة والتي استحوذت عليها "القائمة الوطنية" المٌشكلة من 12 حزبًا والتي ضمنت النجاح في ظل عدم وجود منافسة قوائم أخرى، و100 مقعد أخرى للنظام الفردي التي يهيمن عليها مرشحو الأحزاب السلطوية، ثم 100 مقعد أخرين يعينهم رئيس الجمهورية ، ليصبح إجمالي الأعضاء 300 كما ينص القانون.

التشكيلة النهائية لخارطة المرشحين والتي سيطر عليها رجال الأعمال، أعادت الأذهان مجددًا إلى ما كان يقوم به أحمد عز وكمال الشاذلي وصفوت الشريف، أبناء الحزب الوطني المنحل، حيث هندسة المشهد وفق مقاسات خاصة، تعتمد على التحالف بين السلطة والمال، فيما يكتفي الشعب بدور المشاهد الذي لا أثر ولا تأثير له.

أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات سابقًا القوائم النهائية، حيث استحوذت "القائمة الوطنية" المكونة من 12 حزبًا على 100 مقعد بنظام القوائم المغلقة دون منافسة

عودة أبناء الحزب الوطني المنحل

شهدت القائمة النهائية للمرشحين عودة أسماء ذات خلفية سياسية قادمة من الحزب الوطني المنحل، وهي الأسماء التي كان عليها الكثير من علامات الاستفهام والتي شاركت الحزب الحاكم حينها في إفساد المشهد السياسي وانتشار الفقر واتساع رقعته والقضاء على متوسطي ومحدودي الدخل بسلاح الرأسمالية المتوحشة، وهي الأسباب التي قادت في النهاية إلى ثورة يناير 2011.

من أبرز تلك الأسماء رجل الأعمال عادل مأمون عتمان، المرشح حاليًا عن حزب "الجبهة الوطنية" فهو نجل نائب الحزب الوطني السابق، والمدعوم بشكل كبير من رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، الذي تشوب حوله حزم مطولة من التساؤلات التي لا إجابة لها، كذلك  رجل الأعمال أحمد صبور، نجل المهندس حسين صبور، عضو الحزب الوطني المنحل، والذي  أعيد ترشيحه عن حزب "مستقبل وطن"، وله مشروعات عقارية بالشراكة مع هيئة المجتمعات العمرانية والبنك الأهلي.

ومن بين المرشحين أيضًا رجل الأعمال عبد الله سعداوي راغب ضيف الله، المرشح على المقعد الفردي عن حزب 'مستقبل وطن' في محافظة الإسكندرية. وهو نجل سعداوي ضيف الله، العضو السابق في الحزب، والذي توفي في نيسان/أبريل 2025، وكان قد فاز بعضوية مجلس الشورى عام 2010 عن الحزب الوطني المنحل.

هذا إلى جانب عدد من الأسماء الأخرى، من بينها: محمد المرشدي، النائب السابق المتوقع احتفاظه بمقعده عبر "القائمة الوطنية"؛ ومحمد رزق، المعروف بجمعه بين السياسة والإعلام؛ وياسر عبد المقصود؛ وأحمد دياب، العضو المؤسس في نادي "زد" ورئيس رابطة الأندية المصرية لكرة القدم.

نادي رجال الأعمال

يميل البعض إلى إطلاق لقب "نادي رجال الأعمال" على تشكيلة مجلس الشيوخ الحالية، عقب الإعلان عن القائمة النهائية للمرشحين، وذلك في ظل هيمنة شبه مطلقة لرجال المال والأعمال، يتقدمهم نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لمجموعة شركات مظلوم، رجل الأعمال محمد مظلوم، المرشح على المقعد الفردي لحزب "مستقبل وطن" في القاهرة، والوافد الجديد إلى البرلمان.

ويرافقه في هذا الترشيح رجل الأعمال أحمد الفيشاوي، ممثلًا عن الحزب نفسه في محافظة البحيرة، وهو صاحب مجموعة الفيشاوي للاستيراد والتصدير، وعضو المجلس التصديري للحاصلات الزراعية (مجلس استشاري لوزير الصناعة)، وتربطه علاقات اقتصادية قوية بعدد من الكيانات الاقتصادية الكبرى.

ومن بين أبرز الوافدين الجدد على المجلس من "نادي رجال الأعمال"، يبرز اسم محمد صلاح محمد فتح الله السعودي، رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة ريماس للسيراميك، والمرشح عن حزب "مستقبل وطن". كما يعود رجل الأعمال المعروف محمد حلاوة، صاحب "مجموعة حلاوة للصناعات الغذائية"، والذي ترشح لرئاسة لجنة الصناعة في مجلس الشيوخ المنتهية ولايته.

علاوة على ذلك، يبرز رجل الأعمال ياسر عبد المقصود، المرشح ضمن "القائمة الوطنية" ممثلًا عن حزب "الجبهة الوطنية"، وهو صاحب استثمارات متنوّعة في قطاعي الدواء والعقارات، وعضو مجلس إدارة شركة"DawahPharma" للصناعات الدوائية في الولايات المتحدة، كما يُعد أحد مؤسسيها.

ويُختتم هذا المشهد برجل الأعمال المعروف أحمد أبو هشيمة، عضو مجلس الشيوخ المنتهية ولايته، المرشح ضمن تحالف "القائمة الوطنية" ممثلًا عن حزب الشعب الجمهوري، ويرأس مجلس إدارة شركة "أسمنت المصريين"، إلى جانب شركة "مافي" (MAFI) لتصنيع الحاصلات الزراعية التي أطلقها في نهاية عام 2023 بمحافظة المنوفية.

أي دور مٌنتظر؟

تكمن أهمية وجود غرفة ثانية للسلطة التشريعية – كما تراها الحكومة، رغم ما يراه البعض من تهميش لدورها – في كونها هيئة تُسهم في دعم الغرفة الأولى (مجلس النواب) في إنجاز العملية التشريعية وسنّ القوانين، بما يضمن الشفافية ويُتيح الاستفادة من الخبرات الوطنية والاستماع إلى أوسع طيف من الآراء المجتمعية.

ووفقًا لما ذهبت إليه لجنة الشؤون التشريعية بمجلس النواب، فإن طبيعة نظام الحكم المختلط تجعل من المناسب أن تقتصر وظيفة الغرفة الثانية على تقديم المشورة في المسائل التي يرى رئيس الجمهورية أو مجلس النواب استطلاع رأيها فيها. ويتركز دور المجلس في إبداء الرأي في مقترحات تعديل النصوص الدستورية، وإقرار مشروعات القوانين المكملة للدستور، وكذلك المعاهدات المتعلقة بحقوق السيادة أو الموضوعات ذات الصلة بالسياسات العامة للدولة، داخليًا وخارجيًا، أسوة بالاتجاه الغالب في النظم الدستورية التي تعتمد نظام الغرفتين البرلمانيتين.

المدقق في التشكيلة المتوقعة لمجلس الشيوخ في دورته القادمة، يلاحظ هيمنة شبه كاملة من رجال الأعمال وأبناء الحزب الوطني، في تزاوج سيّئ السمعة بين السلطة والمال

وترى السلطة التي أعادت مجلس الشيوخ إلى الواجهة بعد سنوات من الغياب، أن وجوده "يضمن زيادة التمثيل المجتمعي، وتوسيع نطاق المشاركة، وإتاحة المجال لسماع أكبر عدد ممكن من الأصوات والآراء. كما يشكّل ضمانة مهمة لتطوير السياسات العامة للدولة وبرامجها الاقتصادية والاجتماعية، ويسهم في إنجاز العملية التشريعية وسنّ القوانين بصورة أفضل، تضمن حسن الدراسة والمناقشة، والاستفادة المثلى من مخزون الخبرات الوطنية".

هل يتناسب التشكيل الحالي مع المهام المطلوبة؟

المدقق في التشكيلة المتوقعة لمجلس الشيوخ في دورته القادمة، يلاحظ هيمنة شبه كاملة من رجال الأعمال وأبناء الحزب الوطني، في تزاوج سيّئ السمعة بين السلطة والمال. ويعكس هذا إصرارًا مثيرًا للجدل على المضي قدمًا في المسار ذاته الذي سلكه نظام مبارك، وهو المسار الذي أغلق تمامًا أي أفق سياسي، وأدخل البلاد في أتون من الاحتقان والاضطراب المجتمعي، ما دفع الملايين لاحقًا إلى الشوارع احتجاجًا وتنديدًا بالمشهد برمته.

غياب التمثيل العادل، عدديًا وسياسيًا، للفئات متوسطة ومحدودة الدخل — التي تشكل الغالبية العظمى من الشعب — يعكس حالة استقطاب غير مبررة، ويكرّس واقع التهميش الفاضح للسواد الأعظم من المصريين، في مقابل منح قلة من أصحاب الجاه والثروة سلطة التحدث باسم الشعب، رغم بُعدهم الكبير عن همومه ومشكلاته.

وفي السياق ذاته، تتصاعد المخاوف من هذا التزاوج غير المشروع بين السلطة ورأس المال، تلك العلاقة التي دفع المصريون ثمنها باهظًا على مدى عقود، حين تحوّل المجلس إلى "بورصة" يحقق من خلالها رجال الأعمال أرباحًا ضخمة، مقابل "فتات" يُلقى للحكومة لضمان استمرارهم في مواقعهم.

كما أن اتساع الهوّة بين المرشحين للمجلس والشعب يُفاقم الأزمة، ويزيد من حرجية المشهد. فالكثير من المصريين يرون أن هذه الأسماء لا تمثّلهم ولا تشبههم، بل يصفهم بعضهم بـ"السماسرة" الذين يشترون مقاعدهم ثم يوظفونها لجني المكاسب، بينما يُترك المواطن في موقع المشاهد من مقاعد المتفرجين.

وبحسب ما أُعلن، فإن نحو ثلثي مقاعد المجلس باتت محسومة لرجال الأعمال وأبناء الحزب الوطني المنحل، فيما يظل الثلث الأخير بيد رئيس الجمهورية الذي يعيّن أعضاءه مباشرة. وتنص المادة 28 من قانون المجلس على عدد من الضوابط التي يجب مراعاتها في تعيين هذه النسبة، مثل: حظر تعيين عدد من الأشخاص المنتمين لحزب واحد بما يؤثر على التوازن داخل المجلس، وعدم تعيين أعضاء من الحزب السياسي الذي كان الرئيس ينتمي إليه سابقًا.

ويأمل قطاع من المصريين أن ينجح الرئيس، من خلال تعييناته، في إعادة التوازن إلى المجلس، باختيارات تمثّل أطياف المجتمع، ومن "ملح الأرض"، بحيث يشعر المواطن البسيط أن هناك من يمثّله بالفعل. لا أن تتحوّل هذه التعيينات — كما جرت العادة — إلى ساحة للمجاملات والترضيات.