23-يوليو-2020

العدد الثالث والثلاثون من "تبيّن"

الترا صوت – فريق التحرير

أصدر المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات حديثًا العدد الثالث والثلاثون من دوريته الثقافية المحكّمة والمعنية بالدراسات الفلسفية والنظريات النقدية "تبيّن" (صيف 2020). وكما درجت العادة في الأعداد السابقة، قدّمت المجلّة أبحاثًا ودراسات ثقافية لا تتفصل عن القضايا الراهنة عربيًا وعالميًا، اجتماعية كانت أم سياسية، باعتبارها قضايا متّصلة بالفرد، تمسّه كما تمسّ المجتمع والنظام السياسيّ، وذلك في إطار سعيها واشتغالاتها الدؤوبة لتقليص المسافة بين الثقافة والشأن العام بقضاياه المُختلفة.

الذاكرة ظاهرة مجتمعية عامّة ومُشتركة مُتعدّدة المشارب، عدا عن أنّها عالمية وعابرة للقوميات

كرّس العدد ملفّه لمناقشة مسألة الذاكرة ودراساتها تحت عنوان (من "الذاكرة" إلى "دراسات الذاكرة": مقاربات عربية بين تخصّصية)، بوصفها – مفهومًا وممارسة – ظاهرة مجتمعية عامّة ومُشتركة مُتعدّدة المشارب، عدا عن أنّها عالمية وعابرة للقوميات أيضًا، وفقًا لما ذكرهُ الباحث المغربيّ زهير سوكاح في تقديمه للملّف، مُعتبرًا أنّ العودة العالمية إلى الذاكرة التي اتّسمت بإفرازها تمظهرات سوسيوثقافية متنوّعة إلى درجة التعقد، رافقها اهتمام علميّ "تؤثّثه مجموعة من المفاهيم العلمية الآتية من تخصّصات متنوّعة، إلّا أنّها تشترك في كوتها تتعامل كلها مع ثيمة الذاكرة التي صارت تجمع وتقرب أكثر من غيرها من الثيمات".

اقرأ/ي أيضًا: سياسات عربية.. تحليل ظواهر المنطقة وأزماتها

يقصد زهير سوكاح بتلك الثيمات كلًّ من: "الذاكرة الجمعية"، و"أماكن الذاكرة"، و"الذاكرة الحضارية"، عدا عن "الذاكرة التواصلية"، و"الذاكرة الاجتماعية"، و"ثقافة التذكّر"، و"النسيان الاجتماعي"، و"سياسة التذكّر" أيضًا، بالإضافة إلى جُملة من المفاهيم المركزية التي تعكس بحسب سوكاح الحركية الكبيرة المُرتبطة بمفهوم الذاكرة، وهي حركة لا تجميعية وتقريبية فحسب، وإنّما تمدّدية وجاذبة.

ويؤكّد الكاتب في مقدّمته أنّ أهمّية الذاكرة بالنسبة إلى العرب لا تقلّ عن مثيلتها في الغرب، خاصّةً في ضوء جملة أحداث تاريخية، بدءًا بالاستعمار الغربيّ واحتلال فلسطين وما أفرزه من مجازر وتهجير بحقّ أهلها والانقلابات العسكرية بالتحوّلات المجتمعية التي نتجت عنها، وتأثير المدّ الاشتراكيّ وصعود التيارات الإسلامية والانبعاث الجديد للطائفية مُقابل تنامي المتخيّلات السوسيوثقافيةـ وصولًا إلى الثورات العربية وما نلاها من تحوّلات ومتغيّرات شغلت زاوية واسعة من محتويات الذاكرة الجمعية للمنطقة.

انطلقت دراسة المؤرّخ اللبنانيّ وجيه كوثراني "الذاكرة من منظور مؤرّخ" من هذه الفكرة، بالإضافة إلى فرضية أساسية تُشدّد على أنّه بعد مراجعات عبد الرحمن بن خلدون للكتابة التاريخية العربية والتمييز النقدي، لم يجر أي تأسيس لنقدٍ إبستيمولوجي جدّي وجديد يُسائل المحتوى الأيديولوجيّ والطبيعة المنهجية للسرديات الكبرى التي جاءت نتيجة الذاكرة التاريخية للمنطقة العربية الإسلامية. ويرى كوثراني في دراسته هذه أنّ الخلط بين الذاكرة والتاريخ من شأنه أن يُثير إشكالات كبرى حول صحّة الخبر أو يقينيته أو صدقيته، مُقدّمًا مجال الحديث والمحدّثين والسؤال عن نسبة صحّة الحديث إلى الرسول، مثالًا على تلك الإشكاليات.

إلى جانب دراسة كوثراني، ضمّ الملف دراسة لمحمد مرقطن بعنوان "ذاكرة المكان: أسماء المدن والقرى الفلسطينية ما بين الاستمرارية التاريخية والطمس الصهيونيّ"، انطلقت من مجموعة أسئلة منها: ما أماكن الذاكرة الفلسطينية وما حفظت لنا؟ وما الأماكن التي تمّ إيداع التاريخ الفلسطينيّ فيها؟ وكيف تشكّلت؟ بالإضافة إلى دراسة للباحث المغربيّ رشيد بوطيب تحت عنوان ("ترثنا هو الكون": شذرات من خطاب في النسيان"، يناقش فيها مسألة العلاقة التي بناها الفكر العربيّ المعاصر بالتراث، مفكّكًا أبعادها الأيديولوجية ومسلّطًا الضوء على محدوديتها.

الباحث المغربي إدريس الخضراوي يُحاول في دراسته "من التاريخ إلى الرواية: الذاكرة الجمعية مصدرًا للسرد" دراسة العلاقة بين السّرد والتاريخ والذاكرة الجمعية. بينما قدّمت الباحثة التونسية دراسة تحت عنوان "خطاب العدالة الانتقالية في تونس وصناعة التصنيفات" تناولت فيها مسار العدالة الانتقالية باعتبارها خطابًا يكثّف داخله علاقات قوى متصارعة طارحة مفاهيمية جديدة لمقاربة هذا المسار في الحالة التونسية.

اقرأ/ي أيضًا: صدور ثامن أعداد مجلة "أسطور".. التاريخ في فصول

يتضمّن العدد أيضًا ترجمة لمقالة "الارتقاء العالمي للذاكرة" للفرنسيّ بيير نورا، ترجمة ميرفت أبو خليل، وأخرى لمقالة صبحي الزبيدي "ترحاليون رقميون: الأوطان-الأرض والأوطان-الصفحات" ترجمة عبد الرحيم الشيخ. بالإضافة إلى مراجعة لكتاب الذاكرة ملاذ للسرد: قراءة في ثلاثية أحلام مستغانمي" قدّمها عبد الخالق عمراوي، ومراجعة لكتاب "الذاكرة الجمعية" لموريس هالبفاكس" أعدّها زهير سوكاح.

 

اقرأ/ي أيضًا:

منصات التطبيع الثقافي: المجلة العربية نموذجًا!

العدد الثاني من مجلة "براءات".. بأية عيون يرى الشعرُ زمنَ العولمة؟