09-يناير-2021

من صفحة المجلة في فيسبوك

في 31 آب/ أغسطس سنة 1920، وقّع الجنرال الفرنسي هنري غورو، المندوب السامي للانتداب الفرنسي على لبنان وسوريا، المرسوم 318 الذي قضى برسم حدود دولة لبنان الكبير. وجاء في المرسوم: "تُردّ إلى لبنان حدوده الطبيعية كما عيّنها ممثلوه، وأجمع عليها رغائب عموم أهاليه".

تزامنت ذكرى "مئوية لبنان الكبير" الأولى، مع مجموعة من الأحداث التي غطت عليها، وصرفت الانتباه عنها، أهمها حادثة انفجار مرفأ مدينة بيروت في الرابع من آب/ أغسطس الفائت

صادف صيف العام الفائت، 2020، ذكرى مئوية لبنان الكبير 1920 – 2020. وشاءت الصدفة أن تتزامن هذه الذكرى مع مجموعة من الأحداث التي غطت عليها، وصرفت الانتباه عنها، أهمها الأزمة السياسية والاقتصادية القائمة منذ أواخر 2019، وانفجار مرفأ العاصمة بيروت في الرابع من آب/ أغسطس الفائت. وفي ظل الانشغال بتداعيات الانفجار، وما تسبب به من خسائر مادية وبشرية فادحة، مرت الذكرى دون أن يلتفت إليها إلا العدد القليل من اللبنانيين، بل إنها تحولت، وسط هذه الأزمات، وبالنسبة إلى عددٍ كبير منهم، إلى مناسبة للتندّر والسخرية مما وصل إليه حال بلدهم، بعد 100 عامٍ على ولادته.

اقرأ/ي أيضًا: كتاب "تطور سوريا السياسي في ظل الانتداب".. تشريح الانتداب وتفكيك تاريخه

وحتى لا تمر ذكرى المئوية الأولى دون ما يُفترض أن يُصاحبها من احتفالاتٍ وفعالياتٍ تحييها وتحتفي بها، خصصت مجلة "بدايات" البيروتية ملف عددها المزدوج، 28-29، لإحياء هذه المناسبة، وفقًا لما جاء في مقدمة العدد التي أشارت إلى أنه: "لم يكن سهلًا أن نختار ما الذي يمكن وضعه بين دفتي مجلة فصلية لا تتجاوز صفحاتها الثلاثمائة. مع ذلك، اخترنا ثلاثة عناوين عريضة لخصناها بـ "بدايات. شخصيات. علاقات". ولم يكن الإعداد من دون انحياز. استلهمنا انتفاضة 17 تشرين بمعنى مخصوص من حيث إعطاء الأولوية لما أبرزته من تركيز على الاقتصاد اللبناني".

افتُتح العدد بمرسوم تأسيس دولة لبنان الكبير الذي أصدره الجنرال هنري غورو في 31 آب/ أغسطس عام 1920، وتلاه ترجمة كاملة للخطاب الذي ألقاه غورو في الأول من أيلول/ سبتمبر من العام نفسه. ويرى الباحث والمفكر اللبناني فواز طرابلسي في تعقيبه على الخطاب، أنه: "عينة من خطابٍ استعماريٍ تأسيسي لا يجوز أن يمر من دون تعليق".

أشار طرابلسي في تعقيبه، إلى عدم وجود أي دليلٍ على الاستشارة التي يزعم غورو أنه أجراها مع المجموعات السكانية، حول تعيين حدود لبنان. وأكد في هذا السياق أن الاستشارة الوحيدة التي جرت خلال تلك الفترة، تمثلت في لجنة تحقيقٍ ثلاثية اقترحها الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون، مهمتها استطلاع رغبات أهالي المنطقة انطلاقًا من مبدأ حق تقرير المصير، وجاءت نتيجته كالتالي: "عبّرت أكثرية سكان سوريا عن رغبتها في مملكة عربية مستقلة، وجوابًا عن السؤال حول اختيار دولةٍ ترعى الانتقال إلى الاستقلال والحكم الذاتي، نالت فرنسا أقل عددٍ من الأصوات، وجاء ترتيبها بعد بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية".

امتدادًا للموضوع الرئيسي للعدد، وانطلاقًا من تعقيبه على خطاب الجنرال غورو، ناقش فواز طرابلسي في مقالته "الاقتصاد والطوائف في نشوء لبنان الكبير"، دور الاقتصاد السياسي ومزاعم حماية الأقليات، في إنشاء الدولة الجديدة. ويرى صاحب "دم الأخوين" أن ما حدث في الأول من أيلول/ سبتمبر 1920، إنما هو جزء من العملية الاستعمارية التي تمخضت عن اتفاقية سايكس – بيكو، بما هي عملية استعمارية تجاوزت تقاسم السيطرة والنفوذ بين فرنسا وبريطانيا، إلى ضمان التوسع الجغرافي من جهة، وحماية المواقع الاقتصادية المهمة من جهةٍ أخرى، مثل المرافئ وخطوط السكك الحديدية.

وبحسب المفكر اللبناني، لعبت العوامل الاقتصادية عبر تداخلها مع العوامل الطائفية، متمثلةً باتخاذ القوى الاستعمارية لمسألة حماية الأقليات الدينية مبررًا لنيل الانتداب على الولايات العربية؛ دورًا رئيسيًا في نشوء لبنان الكبير. وعبر وقوفه عند أهم المحطات التي سبقت ورافقت وتلت توقيع الجنرال غورو المرسوم 318، يتابع طرابلسي الجدل بين هذين العاملين ودورهما في إنتاج لبنان الكبير، باعتبار أن ولادته لم تكن: "أقل طبيعية، ولا أقل اصطناعًا، من ولادة سائر كيانات المشرق العربي".

اقرأ/ي أيضًا: الثقافة في لبنان وأزمة التأسيس الكياني..

سعت أسرة "بدايات" إلى جعل ملف "مئوية لبنان الكبير"، شاملًا بما فيه الكفاية لسد الثغرات الحاصلة في التاريخ الاقتصادي والسياسي، بالإضافة إلى الثقافي والاجتماعي أيضًا، لمرحلة الانتداب، وموقعه في نشوء الدولة الجديدة، حيث ضم الملف دراسة للمؤرخ اللبناني الراحل مروان بحيري تحت عنوان "دور بيروت في الاقتصاد السياسي للانتداب الفرنسي 1919 – 1939"، ودراسة أخرى بعنوان "نشأة القطاع السياحي ونموذج لبنان سويسرا الشرق"، تناولت فيها جانينا سانتر دور هذا القطاع في البناء الوطني، بالإضافة إلى دراسة معنونة بـ "نحو دستور عام 1926: لبنان بين يسار ويمين المفوضين السامين"، اشتغلت فيها سيمة سامي فرح على سد النقص الحاصل في تاريخ المراحل التمهيدية لصياغة دستور الجمهورية اللبنانية عام 1926.

خصصت مجلة "بدايات" عددها المزدوج 28 - 29 لإحياء ذكرى مئوية لبنان الكبير، تحت ثلاثة عناوين عريضة، هي: بدايات، شخصيات، علاقات

واشتمل العدد أيضًا على مجموعة واسعة من الدراسات والمقالات متنوعة الاتجاهات، منها دراسة لفواز طرابلسي بعنوان "أول العلاقات مع النفط: حسين العويني والشبكة السعودية"، تناول فيها نفوذ المملكة العربية السعودية على السياسة اللبنانية خلال الفترة الممتدة بين 1924 - 1952، بالإضافة إلى مقالة لزينة معاصري "بيروت مدينة التلاقي في الستينيات العالمية"، ودراسة لديانا عبّاني جاءت تحت عنوان "صناعة الترفيه والحداثة في بيروت زمن الانتداب"، اشتغلت فيها على رصد واقع الموسيقى والغناء منذ نهاية السلطنة العثمانية وحتى سنوات الانتداب الفرنسي الأخيرة. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

المشهد الثقافي في لبنان خلال 2020.. موسم مجتزأ على وقع الجائحة وفاجعة المرفأ

العدد الثالث من مجلة "منهجيات".. كيف نعلّم في زمن الجائحة؟