04-أغسطس-2020

غلاف العدد

ما الحديث الذي يُمكن أن يدور بين كاتبين؟ كيف يحاور الأدباء بعضهم بعضًا؟ بجملةٍ أخرى، كيف نقدّم حوارًا بين أديب وآخر، خصوصًا أنّ هذا النوع من اللقاءات لا يحدث بكثرة؟ إنّه "وثيقة مرجعية، وورشة نقدية تُفيد دارس الأدب وقارئه"، وليس "مجرّد مادّة صحافية مكوّنة من سؤال يليه جواب، إنّما هو عزف مشترك يتناغم فيه طرفان من نفس الدرجة الأدبية، فتمتزج المتعة بالعمق. إنّه عزف بالكلمات بحيث لا يقلّ السؤال عن الجواب حلاوةً وقيمة إبداعية".

محاورات الكتّاب وثيقة مرجعية، وورشة نقدية تُفيد دارس الأدب وقارئه وليست مجرد مواد صحافية مكونة من سؤال وجواب

بهذه الكلمات افتتحت مجلّة "الدوحة" ملف عددها الـ 154 (آب/ أغسطس، 2020) الذي كرّسته لمجموعة لقاءات وحوارات أدبية وصفتها بالنادرة والشيّقة باعتبارها حوارات غير تقليدية دارت بين أدباء وكتّاب تناولوا مواضيع ومسائل مختلفة، بدءَا من الأدب مرورًا بالسياسة وانتهاءً بكلّ ما يتعلّق بالحياة اليومية المُعاشة وتفاصيلها أيضًا، ليكون اللقاء عبارة عن مساحة يُشكّل فيها كلّ طرف صورة أدبية للطرف الآخر بالشكل الذي يجعلها أقرب إلى وثيقة مرجعية وفقًا لما جاء في مقدّمة الملف.

اقرأ/ي أيضًا: بورخيس وفلسفة اللغة في "مكتبة بابل"

تصدّر الملف حوار أجراه الروائي البيروفي ماريو فارغاس يوسا (1936) مع الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس (1899-1986) في منزل الأخير في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، إلّا أنّ يوسا لن يكشف عنه إلى بعد نحو 39 عامًا تقريبًا، وذلك من خلاله ضمّه إلى كتابه الصادر أخيرًا عن دار "ألفاجوارا" الإسبانية تحت عنوان "نصف قرن مع بورخيس"، وهو كتاب الغاية منه ردّ الاعتبار لمؤلّف "صنعة الشّعر" باعتباره أهمّ كاتب في اللغة الاسبانية في القرن العشرين بحسب يوسا.

خلال الحوار، بدا بورخيس على عجلةٍ من أمره، يُقدِّم إجاباته بطريقةٍ ساخرة ومتهكّمة ومقتضبة تُحيل الإجابة الواحدة إلى جُملة أسئلة بدا أن الغاية منها التهرّب من الإجابة، وإن لم يكن من الحوار بأكمله، ولكنّ ذلك لم يمنعه من التعبير صراحةً عن موقفه المنحاز تجاه إسرائيل في الصراع العربيّ – الصهيونيّ، واعتباره حرب 1967 التي احتلّ فيها الكيان الصهيونيّ أراضي عربية جديدة حربًا عادلة، عدا عن موقفه أيضًا من الدكتاتوريات المتعاقبة التي حكمت الأرجنتين التي رأى أنّها ليست جديرة بعيش تجارب ديمقراطية، وأنّ ما تستحقهُ هو أنظمة حكم دكتاتورية فقط.

ضمّ الملف أيضًا حوارًا نادرًا أجراه الصحافيّ والرسّام الإسبانيّ لويس باغاريا إيبو مع مواطنه فيديريكو غارسيا لوركا (1898-1936) سنة 1936، ونُشرته صحيفة "إيل صويل" المدريدية اليومية في العاشر من حزيران/ يونيو، قبل شهر واحد فقط من اندلاع الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939). ويفسّر الشّاعر الإسبانيّ في هذا الحوار سبب ذهابه باتّجاه المسرح بقوله إنّ الأخير يسهّل عليه من عملية التواصل مع الآخرين، وهذه العملية برأيه ليست إلّا نتيجة انخراطه في هموم وتطلّعات الشعب الإسبانيّ، الأمر الذي سيدفع ثمنه فيما بعد حياته كاملةً على يد جنود الانقلابيّ فرانكو الذين أعدموه في الثامن عشر من آب/ أغسطس سنة 1936.

انحاز بورخيس لإسرائيل في الصراع العربيّ – الصهيونيّ، واعتبر حرب 1967 التي احتلّ فيها الكيان الصهيونيّ أراضي عربية حربًا عادلة

إلى جانب يوسا وبورخيس ولوركا، تضمّن الملف حوارًا بين الأمريكيّ الراحل فيليب روث (1933-2018)، والتشيكي ميلان كونديرا (1929) الذي غادر بلاده بعد الغزو السوفييتي لها عقب ما يُعرف بـ"ربيع براغ" سنة 1968 باتّجاه منفاه الفرنسيّ. الحوار الذي كان خلاصة لقاءات جمعت روث بكونديرا في الولايات المتّحدة الأمريكية والعاصمة البريطانية لندن، عبّر فيه الروائي التشيكيّ صراحةً عن مخاوفه من اختفاء بلاده أو تذويبها داخل "الحضارة" الروسية حتّى لا يبقى منها شيئًا، وهي مخاوف مرتبطة أساسًا برؤيته بأنّ القارة الأوروبّية أصبحت، في السياق الزمني للحوار، هشّة ومفكّكة وعلى عتبة الفناء أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: ماريو فارغاس يوسا: الصوابية السياسية عدوة الحرية

قابل هذا الملف ملفٌّ آخر خصّصته مجلّة "الدوحة" للإجابة على الأسئلة التالية: هل يُمكن للنقد أن يكون أدبًا؟ أليس النقد كتابة مثله مثل موضوع درسه: الأدب؟ وذلك من خلال مراجعة تعريفية لكتاب "شعرية النقد الأدبيّ: عن النقد بوصفه أدبًا" للكاتب والناقد الفرنسيّ فلوريان بينانيتش الذي تضمّن الملف حوارًا معه حول هذه المسألة، بالإضافة إلى نشر "الدوحة" فصلًا من كتابه المذكور آنفًا داخل الملف.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الرواية بحسب ميلان كونديرا

فيليب روث: حين أكتب فثمّة أنا، وحدي