05-أبريل-2017

قصف خان شيخون بالكيميائي (فيسبوك)

في هجوم يعتبر الثاني من نوعه على نطاق واسع، أجمعت معظم الدول الفاعلة في الشأن السوري على وصفه بـ"الوحشي"؛ نفذت مقاتلات النظام السوري صباح أمس الثلاثاء، هجومًا بالسلاح الكيميائي على مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، أودى بحياة عشرات المدنيين وإصابة المئات بحالات اختناق، مُعظمهم من النساء والأطفال.

وأفاق السوريون في مناطق سيطرة المعارضة بالشمال السوري على الأخبار الواردة من مدينة خان شيخون، بعد قصفها جوًا بغاز السارين المحرم دوليًا، ما أودى بحياة 120 مدنيًا على الأقل، وإصابة أكثر من 400 آخرين بحالات اختناق، ألحقتها مقاتلات النظام السوري بعد ساعات قليلة بغارات جوية استهدفت مستشفى "الرحمة" في المدينة عينها، أثناء تلقيها حالات إسعافية على خلفية الهجوم الكيميائي.

أودت مجزرة خان شيخون بحياة 120 مدنيًا على الأقل وإصابة أكثر من 400 آخرين

وتقع خان شيخون على طريق حلب – دمشق الدولي، ويفصلها عن مدينة صوران في ريف حماة الشمالي 21 كم. واستعاد النظام السوري السيطرة عليها منذ يومين، وهي من ضمن المدن التي تستقبل مقاتلي قوات المعارضة مع أسرهم الذين هُجّروا من الشطر الشرقي لريف حلب، وريف دمشق الغربي حيثُ يشهد محيط العاصمة تغييرًا ديموغرافيًا.

وتخشى المعارضة السورية من أن يتعرض الشمال السوري لهجمات مماثلة، بالأخص محافظة إدلب التي تشهد تواجدًا مكثفًا لهيئة "تحرير الشام" المدرجة على لوائح الإرهاب، ولاسيّما أن نظام الأسد يُهجّر سكان المناطق التي يستعيد السيطرة عليها للشمال السوري، ويتجمع أكثرهم في مدينة إدلب وريفها، ما يثير المخاوف من تعرض المدنيين في هذه المناطق لعملية إبادة عبر القصف العشوائي، أو استخدام الأسلحة المحرمة دوليًا.

الكيميائي مرة ثانية

ويُعد هذا الهجوم الثاني المؤكَّد بالأسلحة الكيميائية الذي تشنه قوات الأسد، بعد الهجوم الأول الذي استهدف منطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق، في آب/أغسطس 2013، وقضى على إثره نحو 1300 مدني، قبل أن يرضخ الأسد لمطالب إدارة الرئيس السابق للولايات المتحدة، باراك أوباما، بتسليم مستودعات الأسلحة الكيميائية المتواجدة لديه للأمم المتحدة.

إلا أن لجنة التحقيق في استخدام نظام الأسد للأسلحة كيميائية، قالت في وقت سابق من العام الجاري، إنه استخدم السلاح الكيميائي مرتين على الأقل خلال الفترة ما بين عامي 2014 و2015 في ريف حلب، وسط خلاف لا يزال قائمًا حتى اليوم على الجهة التي استهدفت منطقة الغوطة الشرقية في 2013، إذ تزعم روسيا امتلاكها صورًا عبر الأقمار تؤكد أن الهجوم كان من مناطق سيطرة المعارضة حينها، متجاهلة خضوع كافة المناطق في ريف دمشق الشرقي لحصار تفرضه قوات النظام والميليشيات الأجنبية الداعمة لها.

مجزرة خان شيخون استبقتها إشارات من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على اعتبار الأسد شريكًا في حربه ضد الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، إضافة لعودة التوتر في العلاقات الروسية – التركية بعد قنص أحد الجنود الأتراك على الحدود مع سوريا من المناطق التي تسيطر عليها "قسد" بقيادة القوات الكردية.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يتودد أردوغان إلى بوتين؟

وتعد مجزرة خان شيخون التي نفذت بالسلاح الكيميائي على هذا النطاق الواسع الهجوم الأول من نوعه منذ تولي إدارة ترامب للسلطة في الولايات المتحدة، والتي ستضعها في مقام الاصطدام بأعضاء الكونغرس، الذين يرون أن على الأسد الرحيل عن السلطة، بينما ترى الإدارة الحالية أن على جميع الجهود أن تنصب باتجاه قتال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وجاء الهجوم الذي أسفر عن مجزرة خان شيخون بعد يوم واحد من لقاء دونالد ترامب بنظيره المصري عبدالفتاح السيسي، الذي اعتبر أن مصر بقيادته حليفٌ قويّ في مكافحة الإرهاب، متجاهلًا انتهاكات حقوق الإنسان ضد معارضي النظام المصري، كما أتت قبل يوم واحد من لقاء العاهل الأردني عبد الله الثاني، الذي أعلنت بلاده في فبراير الماضي عن تنسيقها عسكريًا مع ضباط من النظام السوري.

من يمتلك الكيميائي في سوريا؟

نفى الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف أن تكون بلاده قد قصفت مدينة خان شيخون، دون أن يتطرق لعدم تمكن بلاده من كبح جماح النظام السوري، وحليفه الإيراني في استخدامهما للعنف المفرط. وفي هذا محاولة لالتفاف روسيا على ضماناتها السابقة بالتزام قوات النظام والميليشيات الداعمة لها بوقف إطلاق النار، والذي عرضها لانتقادات دولية شديدة منذ توقيعه نهاية العام الفائت. واستعاد النظام السوري خلال الفترة اللاحقة للاتفاق السيطرة على مناطق عديدة، بينها منطقة وادي بردى الاستراتيجية في ريف دمشق الغربي.

كذلك حصل النظام السوري على مؤشرات جديدة تؤكد عدم ملاحقته دوليًا بعد تصريحات الإدارة الأمريكية خلال الأيام الفائتة، المرتبطة بأن الشعب السوري هو من يقرر مصير نظام الأسد، وزاد عليها ما نشرته صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله اللبناني، أمس الإثنين، عن نقل عضو الكونغرس في الحزب الديمقراطي، تولسي غابارد، رسالة من ترامب إلى الأسد لتنسيق الجهود في "مكافحة الإرهاب".

وصف جون ماكين ما حصل في خان شيخون بأنه "فصل آخر مشين في التاريخ الأمريكي"

وتعليقًا على الهجوم الكيميائي اعتبرت غابارد في تغريدة لها على تويتر، أن جميع الأطراف في سوريا "النظام، تنظيم القاعدة، داعش" تملك أسلحة كيميائية "يجب مساءلتها"، ما يدل على عدم اتهامها لنظام الأسد بشكل مباشر. كذلك تداول نشطاء غربيون على تويتر تغريدة لترامب نشرت في 7 أيلول/سبتمبر 2013، تطالب إدارة أوباما بعدم شن هجوم على سوريا، بعد أن حمّل البيت الأبيض الإدارة السابقة مسؤولية الهجوم.

ووصف السيناتور الجمهوري جون ماكين مجزرة خان شيخون بأنها "فصل آخر مشين في التاريخ الأمريكي، إلا أنه كان أمرًا متوقعًا"، في إشارة للسياسة الخارجية التي تنتهجها الإدارة الأمريكية الحالية في سوريا. والتصريحات السابقة المرتبطة بمصير نظام الأسد، والتي رأى فيها محلل الشؤون الدولية، بوبي غوش، أنها منحت الأسد شعورًا بأنه محصن ضد أي ملاحقة دولية.

ودعا مجلس الأمن الدولي لجلسة طارئة تعقد اليوم الأربعاء للبحث في الهجوم الكيميائي الذي أسفر عن مجزرة خان شيخون، أملًا في الحصول على أكبر قدر من المعلومات، إلا أن مراقبين يرون أن الجلسة لن تستطيع أن تصل لقرار موحد بسبب عرقلة روسيا والصين لأي مجهود أممي لإنهاء الأزمة السورية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نظام الأسد.. محميّ بمبادرة أمريكية

المأساة السورية وأوهام الحل السياسي