15-نوفمبر-2021

(Getty Images)

ألتراصوت- فريق الترجمة 

لولا تفجيرات 11 سبتمبر، لكانت حادثة الانتحار الجماعي في جونز تاون، في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 1978، أكبر فاجعة راح ضحيتها مدنيون في التاريخ الأمريكي المعاصر وفي واقعة غير متعلقة بغضب الطبيعة. يصعب على معظم الناس حتى اليوم أن يفهموا كيف أقدم أكثر من 900 أمريكي، طوعًا وكرهًا في آن معًا، على الانتحار معًا بشرب السمّ، بأمر من زعيمهم، القس جيم جونز، وهم في مستعمرة خاصة في إحدى الغابات في أمريكا الجنوبية. أمّا الصور التي تم التقاطها لمكان الواقعة الانتحارية الجماعية، فتكشف عن فظاعة الحدث التي لا يمكن لأي سرد وصفها، بأكوام الجثث المتراكمة في المكان، من بينهم أطفال ملقون على وجوههم في الغابة المعزولة، في إحدى الدول في القارة الأمريكية الجنوبية.

بعد أكثر من 40 سنة على تلك الحادثة الشنيعة في الذاكرة الأمريكية، ما يزال الصحفيون والباحثون يكتبون عنها، وتصدر عنها الكتب والمقالات والأفلام الوثائقية، التي تكشف عامًا بعد عام جزءًا جديدًا من الحقيقة التي ألغزت على الجميع

وبعد أكثر من 40 سنة على تلك الحادثة الشنيعة في الذاكرة الأمريكية، ما يزال الصحفيون والباحثون يكتبون عنها، وتصدر عنها الكتب والمقالات والأفلام الوثائقية، التي تكشف عامًا بعد عام جزءًا جديدًا من الحقيقة التي ألغزت على الجميع.

قصة الانتحار الجماعي في جونز تاون تبدأ بالطبع مع القس الأمريكي غريب الأطوار جيم جونز، وهو قس أبيض كان يبشر بعقيدة اشتراكية تقدمية جديدة ويسعى من خلالها إلى التأثير في الأمريكيين من أصول أفريقية. وفي أوج شهرة القس جونز في سبعينات القرن الماضي، قدر أتباع طائفته بالآلاف، وأطلق عليها اسم "طائفة معبد الشعوب" (Peoples Temple)، وكان الكثيرون من السياسيين يحاولون التقرب منها بحثًا عن أصوات الناخبين بين جماعة بدأ أنه سيكون لها تأثير كبير في المجتمع الأمريكي.

إلا أنه في والعام 1977، وجد القس جونز أن أنه لا يستطيع متابعة أعماله من الولايات المتحدة، بسبب الهوس الإعلامي بطائفته وأتباعه وتحركاته، خاصة مع تزايد الشكوك بطبيعة الأنشطة التي يقوم بها وأهدافه منها. وهكذا قرر هذا الرجل أن ينتقل إلى مستعمرة زراعية، أطلق عليها اسم "جونز تاون"، واختاروا أن تكون في جمهورية غيانا في أمريكا الجنوبية، والتي تقع إلى الشرق من فنزويلا.

في العام 1978، تزايدت الخشية على مصير أتباع هذا الرجل من الأمريكيين الذين قرروا السفر معه إلى تلك الدولة والعيش في مستعمرته التي أنشأها هناك، وهو ما دفع أحد السياسيين الأمريكيين إلى زيارة الموقع في جونز تاون، في تشرين الثاني/نوفمبر 1978. كان ذلك هو السيناتور ليو رايان، والذي زار مستعمرة "جونز تاون"، وعند دخوله إليها، كان مصيره القتل رميًا بالرصاص، إلى جانب أربعة كانوا برفقته. وبعد هذه الحادثة، أمر القس جونز أتباعه في مستعمرة جونز تاون بتناول مشروب ممزوج بالسيانيد، وتم البدء أولًا بالأطفال.

مات 900 شخص دفعة واحدة في ذلك اليوم، من بينها القس جيم جونز، والذي وجد ميتًا بطلق رصاصي بالرأس، ولا يعرف ما إذا كان قد انتحر، أو أن مساعدته قد قتلته قبل أن تقتل نفسها هي الأخرى بالطريقة ذاتها.

القس جيم جونز (Getty)

وبعد عقود طويلة على حادثة الانتحار الجماعي في جونز تاون، ما يزال بعض الناجين يروون فصولًا من تجربة مريرة جرّت عليهم ويلات لا تنسى (كثيرون منهم انتحروا لاحقًا)، بسبب إيمانهم الأعمى وتفانيهم الكامل في خدمة أغراض قسّ مخبول قاد المئات إلى حتفهم. وسننقل هنا عددًا من أبرز الحقائق الأساسية عن حادثة الانتحار الجماعي في جونز تاون، منقولة بتصرف عن موقع "رولينغ ستون" الأمريكي.

1- جيم جونز: ابحث عن الطفولة

الشر الكامن في جيم جونز يعود إلى طفولته القاسية، والتي تبدّت في رغبته المستمرة في التحكم بالآخرين، وقدرته على الخداع، وغضبه اللامحدود من أي شخص يهجره أو يحاول خيانته. وجميع تلك الصفات ترتبط بشكل ما بطفولته وسنوات صباه الأولى في إنديانا، قبل عشرات السنوات من حادثة جونز تاون. لقد كان جيم جونز وحدانيًا، ولكنّه كان يستغل أصدقاءه وينزل بهم أنواعًا من الرعب كلما أتيحت له الفرصة. إذ كان مثلًا يغلق باب الحظيرة عليهم في مزرعة والده. كما كان مهووسًا بالقتل، وجرب ذلك على الحيوانات، وأقام لهم جنائز. لقد كان طفلًا "غريبًا"، كما يصفه أصدقاؤه الذين تحدثوا لاحقًا إلى وسائل الإعلام بعد الحادثة، ولم يكونوا يجرؤون على التصريح بذلك قبل وفاته، خوفًا مما قد يحل بهم من انتقام شخصي منه أو من أحد أتباعه الكثر في تلك السنوات قبل حادثة الانتحار. يصفه أحد أصدقائه، وهو "تشاك ويلمور"، في وثائقي صدر عام 2006، بأنه كان مهووسًا دومًا بالموت، ولم تكن لديه مشكلة كبيرة مع القتل، حيث رآه أحد أصدقائه مرة وهو ينحر قطّة بسكين حادّة. كما لدى جيم جونز إعجاب مبكرة بهتلر وأفكاره وسلوكه.

2- جيم جونز كان منحرفًا جنسيًا

كان جيم جونز مثالًا على النفاق والخداع، أو ربما الفصام الشخصي بأجلى صوره. فقد ألقي القبض عليه مرة عام 1973، بسبب أفعال غير لائقة مع فتاة في مسرح في لوس أنجلوس. كما كان الرجل مدمنًا على بعض أنواع المخدرات الطبية، وكان يمارس الجنس مع أتباعه من الشباب والفتيات، رغم أنه كان متزوجًا، وله أطفال بالتبني، وهو "قس" يعظ الناس بالفضيلة.

يذكر عن جيم جونز أنه كان يدعي أن جميع البشر "مثليون"، وأنّه هو الوحيد غير المثلي على الأرض. وكان يرى أن جميع النساء يمكن أن يكنّ مثليات، كما الرجال، وأن ممارسة الجنس مع الجنس المغاير هو وسيلة للتعويض الاجتماعي والنفسي عن هذه الحقيقة.

3- جيم جونز كان يسرق أطفال أتباعه

كان من بين أتباع جيم جونز، امرأة وزوجها، وكانا مقربين جدًا من جيم، وأنجبا عام 1972 طفلًا وأسمياه جون فيكتور ستون، إلا أن جيم جونز ادعى أن الطفل ابنه. ومما زاد من تعقيد الأمر، هو أن الأب تنازل عن ابنه، ووقع على وثيقة يقر فيها بأن الطفل هو ابن القس جونز. إلا أن الزوجة رفضت ذلك، وانفصلت عن الطائفة، لكنها لم تتمكن من إنقاذ ابنها، وخشيت أن يكون بخطر في حال بقائه مع القس جونز، كما أنها خشيت على حياتها. ثم التحق بها زوجها بعد صحوة ضمير أصابته بعد عام، ورفع الاثنان قضية ضد القس جونز في المحاكم الأمريكية. لكن جيم جونز كان حينها في "جونز تاون" في غيانا، ورفض رفضًا قاطعًا تسليم الطفل إلى والديه الحقيقيين.

لقد كان ذلك تحديًا كبيرًا بالنسبة إلى القس جونز، الذي رأي في تسليم الطفل انهزامًا له وتهديدًا لتماسك طائفته، ونافذة للمزيد من التحدي لسلطته المطلقة على أتباعه. لكن النهاية كانت أليمة للجميع، حيث انتهى المطاف بالطفل مقتولًا بين 304 غيره من الأشخاص الذين كانوا بعمر 17 عامًا أو أصغر في تلك المستعمرة، عندما حدثت عملية الانتحار/القتل الجماعية في جونز تاون.

4- إحدى المسنّات نجت من الموت لأنها كانت تحبّ النوم

نجا عدد من الأشخاص من تلك المجزرة الغريبة في جونز تاون. ففي صبيحة اليوم الذي وقعت فيه حادثة الانتحار في جونز تاون، في 18 تشرين الثاني/نوفمبر، غادر المستعمرة 11 شخصًا، من بينهم أم وابنها البالغ من العمر ثلاثة أعوام، ليهربوا من ذلك المكان بعد أن شعروا بأن الأمور باتت خطيرة. كما تمكن رجال من تجاوز الحراسة الأمنية المشددة على المستعمرة والخروج منها في ذلك اليوم قبل الانتحار الكبير في جونز تاون، وساعدهم في ذلك شيء من الحظ والحيلة. كما نجا ثلاثة آخرون كان القس جونز قد أرسلهم في مهمة خارج المستعمرة في جونز تاون، إلا أنهم تأخروا في طريق العودة، ونجو بمصادفة عجيبة. كما نجا آخرون ببساطة لأنهم لم يستمعوا لكلام القس، ورفضوا أن يشربوا السمّ.

أما القصة الأكثر عجبًا من قصص الناجين، فكانت قصة هياسينث ثراش، وهي امرأة أمريكية سوداء، كبيرة في السنّ، ظلت نائمة طوال ذلك اليوم، ولم تستيقظ إلا بعد أن نزلت المصيبة الانتحارية في ذلك المكان وأهله، وكانت الصدمة حين سارت خارج نزل النوم وشاهدت أكوام الجثث الميتة، وكان من بينهم أختها.

5- قتل جماعي أم انتحار جماعي؟

تعرف الحادثة في جونز تاون بأنها واقعة انتحار جماعي، وذلك لأن الناس تناولوا ذلك السم طوعًا، إلا أن آخرين، ومن بينهم بعض الناجين، يصرون على وصفها بأنها حادثة قتل جماعي. والسبب هو أن القس جونز قد درّب أتباعه قبل تلك الحادثة على أن يتناولوا مشروبًا على أنّه سمّ، ليختبر درجة ولائهم إليه. لكن في ذلك اليوم من تشرين الثاني/نوفمبر، كان جونز قد جهّز السمّ، السيانيد، ووضعه في علب العصير، كما أمر الحراس المسلحين بأن يتأكدوا عدم مغادرة أحد المكان حيًا. كما أن العديد من الأطفال قد قتلوا في جونز تاون، بجعلهم يتناولون السمّ، وهو ما يؤكّد الرأي الذي يرى أن ما حصل في جونز تاون، هو جريمة وحشيّة قتل فيها المئات بعد إقناعهم بالانتحار أو بإرغامهم عليه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف أصبحت إيران مركزًا لعمليات إعادة تحديد الجنس في العالم الإسلامي؟

الشيف نصرت.. قصة بائع شرائح لحم تحوّل إلى "ميم" يمشي على الأرض